“المهرولون” هل يتكرر سيناريو الحزب الوطني مع الحزب الجديد؟
في 22 من يوليو عام 1978 أعلن الرئيس المصري الراحل، أنور السادات، أثناء خطاب له عن تأليف –هكذا قالها- الحزب الوطني الديمقراطي برئاسته، على أن يتقدم بتشكيله والمؤسسون للحزب بالأوراق للجنة المختصة.
لم يمر على إعلان السادات تشكيل الحزب الوطني ساعات إلا ووجدنا قيادات وأعضاء حزب مصر العربي الاشتراكي -الذي يترأسه رئيس الحكومة- يتقدمون للانضمام للحزب الوطني تحت مظلة رئيس الجمهورية حينها، وقد وصفهم الكاتب الكبير مصطفى أمين “المهرولون”!
اقرأ أيضا
list of 4 itemsوقف إطلاق النار.. ما الذي خسره الكيان؟!
اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وحرب بلا نهاية
هل فشلت أمريكا في إدارة الأزمات؟!
وتوجهوا ركبانا ورجالا للاشتراك في الحزب الوليد، بل حصل الحزب الجديد على مقار حزب مصر الاشتراكي، وانضم أعضاء حزب مصر عندما رأوا أنه حزب السلطة.. لم لا ورئيس الحزب هو رئيس الجمهورية نفسه، فأي سلطة أقرب من هذه؟
حزب الجبهة الوطنية
والشيء بالشيء يذكر، فمنذ أيام أعلن تأسيس حزب الجبهة الوطنية، وكل الأعضاء المؤسسين من السلطة، أو من المحسوبين عليها، سواء رجال أعمال، أو صحفيين، أو فنانين، أو سياسيين، ذهبوا للحزب الجديد.
وجدنا أن الأسماء التأسيسية للحزب تضم رموزا كبيرة في الدولة، رموزا صنعها على عينه، ولا يجمع بينها جميعا سوى قربها من النظام والدولة، فلا يربطها فكر أو تيار سياسي.
وجدنا رجال أعمال عليهم علامات استفهام منذ مبارك، ورجال أعمال هذه المرحلة أيضا وعليهم علامات استفهام أكثر منذ ظهورهم على مسرح الأحداث بعد أن استغرب الناس كيف وصلوا لهذه المرحلة من النفوذ والوصول؟
بعد الإعلان عن الحزب الجديد الذي لا يمكن لأي عاقل إلا حسابه على النظام الحالي، فمعظم أعضائه المؤسسين من داخل دولاب عمل النظام، وبعضهم تم تعيينه في عضوية مجلس الشيوخ، ومجلس النواب، فضلا عن المنسق العام للحوار الوطني، ورئيس هيئة الاستعلامات المصرية، ونقيب الصحفيين السابق.
ومن ضمن المؤسسين أيضا الدكتور علي عبد العال، رئيس مجلس النواب السابق، وعضو معين في البرلمان حاليا، وكذلك الصحفي والعضو المعين بالبرلمان حاليا عماد الدين حسين، والكاتبة فريدة الشوباشي عضو معين أيضا، ورجل الأعمال محمد أبو العينين، نائب عن الحزب الوطني سابقا، وحزب مستقبل وطن حتى أيام سابقة، وانضم لحزب الجبهة الوطنية حاليا، وسحر نصر، وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي سابقا، وسامح عاشور، نقيب المحامين السابق، وطاهر أبو زيد، لاعب المنتخب، ووزير الرياضة في حكومة الدكتور حازم الببلاوي.
وانضم للحزب أيضا خالد فهمي، وزير البيئة الأسبق، واللواء قاسم حسين، محافظ المنيا الأسبق، واللواء عادل لبيب، وزير التنمية المحلية الأسبق، والدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية السابق، وقد أعلن الدكتور عاصم الجزار، وزير الإسكان السابق، ووكيل المؤسسين للحزب، أنهم يهدفون لخوض الانتخابات بأكبر تحالف سياسي.
والسؤال هنا: هل نجد قيادات حزب مستقبل وطن وحماة وطن يهرعون للانضمام للحزب الجديد، أسوة بما فعله أسلافهم عندما انضموا مقصّرين ومحلّقين للحزب الوطني عند تدشينه، وتركوا حزب مصر العربي الاشتراكي؟
طرائف السادات وتأسيس حزب العمل
إن الأحزاب في بلادنا لا تؤسس بالإخطار -كما يقول الدستور-، ولكن تؤسس تحت أعين الجهات الأمنية، وبموافقتها، ومباركتها، وهذا ليس بغريب، فبعد تأليف السادات للحزب الوطني، وانضمام أعضاء حزب مصر العربي الاشتراكي الذي كان يترأسه ممدوح سالم، رئيس الوزراء -حينها- أدى هذا لوفاة حزب مصر إكلينيكيا بعد أن حصل عام 1976 على الأغلبية البرلمانية.
لم يكتفِ السادات برئاسة الحزب الوطني، بل فعل واحدة من الطرائف السياسية في مصر، حيث اجتمع في 23 من نوفمبر 1978، بالهيئة البرلمانية للحزب الوطني، لتوقيع وثيقة تأسيس حزب العمل الاشتراكي برئاسة المهندس إبراهيم شكري، ووقع عليها أيضا رئيس الحكومة وقتها، الدكتور مصطفى خليل، وعدد من الوزراء، وذلك حتى يستكمل حزب العمل شروط التأسيس، ويضمن السادات معارضة على هواه، وكما يراها أي حاكم في دول العالم الثالث.
وبعد أن امتدح السادات رئيس حزب العمل، قال: “أدعو أعضاء الحزب الوطني إلى أن يوقّعوا معي هذه الوثيقة إذا كانوا بالفعل يؤمنون بأهمية قيام معارضة قوية”.
وعلى إثر هذه الدعوة، توافد أعضاء الحزب الوطني على موثّق الشهر العقاري الذي كان موجودا في إحدى قاعات مجلس الشعب، ليوقّعوا وثيقة تأسيس الحزب الجديد.
والغريب أن حزب العمل تحوّل بعدها للمعارضة الشديدة للسادات، وكان من أشد المعارضين لمعاهدة كامب ديفيد، وبعض تصرفات السادات نفسه.
والسؤال هنا: هل الحزب الجديد هو مجرد تكتل انتخابي للانتخابات المقبلة، أم حزب دائم، له برنامج مختلف وسياسة مختلفة، يسعى للوصول إليها من خلال الوصول لرجل الشارع الذي لا يعرف عن تلك الأحزاب شيئا.. اللهم سوى كرتونة قد تحصل عليها سيدة فقيرة أيام الانتخابات من أحد الأحزاب المشهورة حاليا التي ظن البعض أنها تتبع للدولة؟
أحزاب على الورق
هل تلتحق الأحزاب المحسوبة على النظام بحزب الجبهة، ويقولون “هذا ربي هذا أكبر”، وينضمون إليه تقرّبا للسلطة، أم أن العملية كلها مجرد إعادة تدوير وتوزيع أدوار في مسلسل معروف لكافة الناس؟
عندما انتصرت ثورة يناير في بدايتها كنت ضد حل الحزب الوطني، وكتبت -حينها- أن معظم قيادات الحزب الوطني في القرى والمراكز من عائلات كبيرة ومعروفة، والأحزاب هي التي تتقرب إليهم لضمهم، خاصة الحزب الوطني، وأن رجال هذه العائلات متجذّرون في السلطة، وأن حل الحزب الوطني ستنتج عنه ولادة عشرات الأحزاب من رحمه، وبدلا من محاصرة حزب واحد سيكون لدينا عشرات منه.
بالطبع، كنت أظن أن الثورة ستنتصر، ويحدث ذلك، وأننا سنحاصر الحزب، ونهزمه سياسيا، والحقيقة أنه تم حل الحزب الوطني، وكما توقعت انقسم لعشرات الأحزاب، كلها حزب وطني، وكلها أصبحت أحزابا تحت السيطرة، فلم نسمع عن حزب منهم لديه طموح بتولي الحكم، أو حتى تولي رئاسة الوزراء، رغم أن هناك أحزابا تمثل أغلبية في مجلسي النواب والشيوخ.
إنها التعددية الديكور!