كيف تعامل الإعلام الألماني مع عدم مصافحة الشرع لوزيرة الخارجية؟!

الشرع لدى استقباله وزيري خارجية فرنسا وألمانيا

أبدت الصحافة الألمانية اهتمامًا كبيرًا بزيارة وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك إلى سوريا. هذه الزيارة أثارت ردود فعل واسعة في الصحافة الألمانية والعالمية، خاصة بعد رفض أحمد الشرع، رئيس الإدارة السورية الجديدة، مد يده لمصافحة الوزيرة، مما أثار العديد من الأسئلة بشأن العلاقة المستقبلية بين ألمانيا والاتحاد الأوروبي من جهة وسوريا من جهة أخرى، والدلالات التي قد تكمن وراء ذلك.

الصحافة تنتقد عدم المصافحة

صحيفة (فرانكفورتر روند شاو) عنونت بشأن ذلك اللقاء “رفض مصافحة الوزيرة من الحاكم الجديد في سوريا”، وتناولت المصافحة التي كانت عبارة عن لمسة أطراف الأصابع بين الشرع ووزير الخارجية الفرنسي، مشيرة إلى أن هذه بداية غير مبشرة. لكن الصحيفة أبرزت أيضًا تصريحات الوزيرة التي قالت فيها “منذ وصولي كان من الواضح أن المصافحات هنا ليست شيئًا عاديًّا”، وربطت ذلك بشكل غير مباشر بحقوق المرأة وتخوفها على حقوق المرأة في سوريا الجديدة، وأبرزت تصريحها بأن حقوق المرأة هي معيار أساسي لحرية المجتمع في سوريا. ووفقًا للصحيفة التي استندت إلى مصادر من الوفد الألماني، فإن الشرع مد يده في نهاية اللقاء، لكن المصافحة لم تتم كذلك.

بيربوك لم تكن سعيدة بما حدث، وفقًا لما نقلته صحيفة “بيلد تسايتونج” المعروفة باتجاهها المعادي للإسلاميين، فقد ذكرت أن الجانب الألماني أوضح للمضيفين في دمشق استياءه من هذه الممارسة.

واشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي في ألمانيا أيضًا بردود الفعل، إذ قالت إحدى النساء في منشور “ما كان يجب أن تذهب بيربوك إلى هناك إلا إذا كان واضحًا سلفًا أن الشرع سيصافحها علنًا”. وتساءل رواد التواصل الاجتماعي عن سبب متابعة المحادثات رغم هذه التصرفات.

ردود فعل صاخبة

اهتمت صحيفة (كولنر شتات أنتسيجا) بردود الفعل الألمانية بشأن المصافحة، فنقلت عن رئيسة حزب البديل اليميني المتطرف أليس فايدل تعليقها الساخر “تحيا السياسة الخارجية الألمانية النسوية!”. كما نقلت عن السياسي في حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي بيتر باير وصفه سلوك الشرع بأنه “غير لائق”. من جهة أخرى، أجاب روبرت هابيك -وزير الاقتصاد وزعيم حزب الخضر الذي تنتمي إليه وزيرة الخارجية- في مقابلة على سؤال متعلق بالمصافحة “إذا قررنا اللقاء فقط مع الحكومات التي تفكر مثلنا تمامًا، فسنجد أنفسنا في عزلة. إن زيارة أنالينا بيربوك سفيرة أولى للاتحاد الأوروبي إلى سوريا كانت خطوة صحيحة ومهمة”.

ونقلت صحيفة (شتيرن) عن المدير السابق لمؤسسة العلوم والسياسة فولكر بيرتس استغرابه من رفض الشرع مصافحة بيربوك، قائلًا “هذا ليس أمرًا جيدًا، حتى لو كنا نعرفه من دول أخرى يسيطر عليها رجال إسلاميون متشددون، مثل إيران، وحتى وقت قريب السعودية”.

رسائل موجهة إلى الشعوب

غياب المصافحة بين السياسيين لا يعبّر فقط عن خلافات سياسية أو أيديولوجية، بل قد يكون أيضًا رسالة رمزية موجهة إلى الشعوب أو الأطراف الأخرى. في بعض الأحيان، يكون الرفض نتيجة للفجوات الثقافية أو التعالي والتقليل من الآخر، كما في حالة القذافي وكونداليزا رايس عام 2008، عندما رفض القذافي أن يمد يده لمصافحتها. بينما يعكس في أحيان أخرى عداءً سياسيًّا واضحًا، كما بين أردوغان ونتنياهو في عام 2010 بعد الهجوم الإسرائيلي على “أسطول الحرية” الذي كان يحمل مساعدات إنسانية إلى غزة.

المصافحة قد تبدو صغيرة في ظاهرها، لكنها تحمل في عالم السياسة أبعادًا كبيرة تعكس العلاقات الدولية المتغيرة وصراعات النفوذ. ففي عام 2017، وصلت العلاقات بين ميركل وترامب إلى مرحلة البرود خلال زيارة المستشارة الألمانية إلى البيت الأبيض، عندما طلب الصحفيون منهما المصافحة، لكن ترامب تجاهل الطلب، ما جعل ميركل تبدو محرجة للحظات.

أهم من المصافحة

بعيدًا عن الجدل بشأن المصافحة، اهتمت صحف أخرى بالدور الجديد الذي يمكن أن تؤديه ألمانيا في الشرق الأوسط. ففي برلين، كان هناك شعور بالفرح بسقوط الأسد ونهاية الوجود الإيراني والروسي في سوريا.

من جهة أخرى، أبرزت صحيفة “دي فيلت” العرض الذي قدمته بيربوك للحكام الجدد في سوريا للإسهام في إعادة الإعمار، لكنها أوضحت أن أوروبا تربط هذا العرض بشروط، أهمها أن يكون هناك حوار سياسي يشمل جميع المجموعات العرقية والدينية، بما في ذلك النساء، وأن أوروبا ليست مستعدة لمساعدة الإسلاميين.

وأظهرت القناة الثانية “زي دي إف” في تقرير لها أن إعادة الإعمار في سوريا لا يمكن أن تتم دون تخفيف العقوبات الغربية، وهو الأمر الذي سيزيد من الضغوط على الحكام الجدد للاستماع إلى الأوروبيين الغربيين.

على إنستغرام، أوضحت بيربوك أنها سافرت إلى سوريا بمشاعر مختلطة، قائلة “لم أكن أعرف ما ينتظرني”. من جهة، تحدثت بإعجاب عن المدينة القديمة الجميلة في دمشق التي “تمكنت من إلقاء نظرة سريعة عليها”. ومن جهة أخرى، ذكرت “المشهد المأساوي المتجسد في زيارتها لسجن صيدنايا”.

وكانت القناة الأولى “إي دي آر” الألمانية قد أجرت حوارًا معها بعد الزيارة، أعادت التأكيد فيه أن ألمانيا والاتحاد الأوروبي لن يكونا داعمين لأسلمة المجتمع السوري، وختمت بأن قياس نجاح القيادة الجديدة سيكون بناءً على أفعالها، معبرة عن أملها في تحقيق مشاركة حقيقية للمرأة والأقليات في سوريا.

يبدو واضحًا أن كل الأطراف تسعى إلى استقرار سوريا، لكن التجارب علمتنا أن التدخلات الغربية غالبًا ما تكون في مصلحتها أولًا، وليس بالضرورة في مصلحة الآخرين. فما زلنا في البداية، وما علينا إلا الانتظار.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان