بشار الأسد.. تسمم أم محاولة انتحار؟!
أعلنت جهة رسمية في موسكو أنّ بشّار الأسد قد تعرّض لوعكة إثر تسممه، نُقل على إثرها إلى المستشفى وحالته أصبحت مستقرة، وأُرفق الخبر بصورة للأسد وهو مستلقٍ على سرير مغمض العينين، قيل إنّ الصورة في المستشفى.
رجّحت بعض المصادر التي نقلت الخبر أن يكون الأسد قد تعرّض لمحاولة اغتيال!
قراءة الصورة
يمكننا أن ننظر إلى الخبر بعين الشكّ ولا نصدّقه، فقد تعودنا منذ سنوات على كثرة الأخبار المفبركة والتي تهدف إلى كسب التعاطف، أو التغطية على إحدى المجازر التي لم تتوقف طيلة أربعة عشر عامًا من عمر الثورة. كخبر إصابة سيّدة الجحيم بسرطان الثدي الذي شفيت منه تمامًا في مدة بسيطة، وتصدرت المشهد السوري بعد ذلك، وأمسكت مفاصل الدولة بيد من حديد. والأخبار المبهجة للعائلة الحاكمة مثل حصول ابنها المتخلف عقليًّا على درجة الماجستير بامتياز من موسكو في مدّة لا يستطيع خلالها قراءة كتاب في الرياضيات بإمكانياته العقلية المتواضعة. إلى مهرجانات الورد الدمشقي والترويج لشخصية أسماء الياسمينة الدمشقية!
اقرأ أيضا
list of 4 itemsأولوية إعمار غزة على الحج والعمرة هذا العام
عودة السوريين بين الارتياح العام وخسارة الاقتصاد التركي
الشرق الأوسط يستعد على عجل للحقبة الترامبية
في يوم وليلة وجد الأسد نفسه وحيدًا في موسكو، وبدلًا من أن يستيقظ على وجوه حاشيته ومريديه الذين يقدّمون له فروض الطاعة اليومية ويهتفون باسمه، لم يعد يرى سوى وجهه في المرآة. الوحدة التي عانى منها بشّار الأسد مقابل طوفان الأخبار السورية من التحرير، والاستيلاء على القصور، والفوضى التي أحدثها الشعب بنهبه القصور وخاصة “المطبخ” الرئاسي وألبوم صوره الخاص.
كلّ ذلك جعل عقلية المجنون بعظمته يبحث عن طريقة يستعيد من خلالها بعضًا من مجده واهتمام الآخرين به.
الصورة المنشورة لبشّار الأسد تعطي انطباعًا واضحًا أنّه ليس في غيبوبة، وليس نائمًا، بل أغمض عينيه كي لا يرى، أراد من الآخرين أن يروه، ويتعاطفوا معه. الصّورة موجهة إلى المؤيدين الذين ما زالوا لا يصدّقون تخليه عنهم، ويعتقدون أنّه سيعود، بل البعض صرّح أنّ هروبه خطّة، وسيعود مرّة أخرى لتحرير سوريا من الإرهابيين. التسمم المفتعل، قد يكون انتحارًا مدروسًا لا يميت لكنّه يرضي الرئيس المخلوع الهارب، ويحقق له بعض الاهتمام من وسائل الإعلام، والتعاطف ممن كان يرأسهم بالنار والحديد. ويرضي المؤيدين المتلهفين على استعادة نفوذهم الذي ضاع بغمضة عين.
الملك عارٍ
في المناهج الدراسية السورية القديمة كانت هناك قصة عن ملك مصاب بجنون العظمة، وهذا المرض يصيب هؤلاء الذين يعتقدون أنّهم يعرفون كلّ شيء.
رغب الملك يومًا في تغيير زيه الذي يرتديه، فأمر بجمع كلّ الخياطين في مملكته وطلب منهم تفصيل ملابس جديدة، وأعلن عن جائزة للخيّاط الذي سيصنع أفضل ثوب. خاف الخياطون على حياتهم فقد عُرف الملك ببطشه وقسوته، فبذلوا جهدهم في حياكة أجمل الأثواب من أرقى أنواع القماش.
في اليوم الموعود دخل الخياطون على الملك وهم يحملون الأثواب، كلّ واحد يشرح بدوره محاسن الثوب الذي صنعه، الخيط واللون والتفصيل، حتّى جاء دور خيّاط كان يمدّ يديه بطريقة غريبة، ولا يحمل شيئًا. استغرب الملك وحين سأله عن الثوب أفاض الخيّاط في الوصف وهو يأتي بحركات تدل على فرد الثوب، وطيه، وارتفاعه، وملمسه ممّا عقد لسان الملك وفكّر قبل أن ينطق بموافقته على ارتداء الثوب. خلع الملك ملابسه وارتدى الثوب الذي لم يره لكنّ غروره أبى عليه الاعتراف بالحقيقة. حدّ أنّه لم يشعر بالهواء الذي لسع جسده. سار الملك في موكب مهيب، وراح يتجوّل في المدينة عاريًا والناس من حوله تحني رؤوسها وتبدي إعجابها بفخامة الثوب وعظمته. لكنّ طفلا صغيرًا أشار إلى الملك بإصبعه وصرخ “الملك عار، الملك عارِ”.
صرخة طفل قضت على الملك، الصرخة كانت الحقيقة التي خاف منها شعب بأكمله، تلك الصرخة غيّرت الموازين وأطاحت بالملك. الثورة بدأت حين صرخ حمزة الخطيب “بشّار الأسد عارٍ” فقُتل الطفل تحت التعذيب، ورميت جثته لأهله مع أصدقائه؛ ليكون عبرة. لكنّ الشعب هتف وراء حمزة “الشعب يريد إعدام الرئيس” وبقي يعاني من جحيم القتل أربعة عشر عامًا حتّى فرّ بشّار الأسد مع أموال الشعب ليواجه عريه في موسكو.
لم تكن مواجهة العري افتراضية، ولا نفسية فقط، بل تحولت إلى حقيقة بانتشار صوره الفاضحة التي تناولها السوريون بالسخرية.
جنون العظمة
ما حدث لبشّار الأسد يراه السوريون بسيطًا وعاديًا، ولا يشفي الغليل، وهم يطالبون بإعادته إلى سوريا ليخضع لمحاكمة عادلة. العدالة في بقائه مواجهة الصقيع والمرآة والجنون. الحكم على بشّار الأسد بالموت شيء سهل ومريح.
قد تكون العزلة أحيانًا أشدّ قسوة وتعذيبًا لشخص نرجسي مصاب بجنون العظمة. سيتأكد السوريون -إن استطاعوا استعادته ومحاكمته- أنّهم حقّقوا له ما يتمنّاه الآن، أن يكون في دائرة الضوء، أن يرى الناس يتجادلون حوله، منهم من يدافع، ومنهم من يتهم. أن يرى القضاة والشعب، وأن يسير محفوفًا بالأمن والشرطة ولو إلى قاعة المحكمة، أن يعيش الضجيج الممتع مرّة أخرى.
كلّ ذلك سيجعل بشّار الأسد يضحك ضحكته البلهاء من جديد؛ لأنّه استعاد موقعه، وأصبح محور أحاديث الشعب الذي سيظنُّ أنّه ما زال يملك قيادته. فمجنون مثله يحبّ أن يجلس في أعلى موقع -كما يقول المثل الشعبي- “يحبّ العلو ولو على الخازوق”.