وعيد ترامب بالجحيم.. ليس كله شرا مستطيرا لغزة!
عاد الرئيس الأمريكي المُنتخب دونالد ترامب، مُجددا (الثلاثاء)، إلى الوعيد بأن “أبواب الجحيم ستُفتح على مصراعيها”، إذا لم يُطلق سراح الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة، قبل موعد تنصيبه رئيسا (يوم 20 من الشهر الجاري).
وكان قد أطلق تهديدا مُماثلا قبل 40 يوما من الآن، لحماس، لإخلاء سبيل هؤلاء الأسرى، إلا أن شيئا لم يحدث عقب تهديده الأول، ولم تُطلق حماس أسيرا واحدا.
ماذا يعني ترامب بوعيده مُجددا؟ ولماذا؟
ترامب، في تهديداته هذه المرة؛ لم يأت على ذكر حماس التي لم يعُد لديها ما تخسره.. بما مفاده، أن الوعيد لكلا الطرفين؛ إسرائيل، وحماس، بغية الضغط عليهما معا، للحد من تشدد مواقفهما التفاوضية. فهو، لا يريد حروبا في الشرق الأوسط، لانشغاله بالعديد من الملفات الأخرى (ليس موضوعنا).
اقرأ أيضا
list of 4 itemsرسالة لصديق بغزة انقطعت أخباره
الأمان المفقود في إسرائيل!
ماذا ينتظر غزة بعد وقف إطلاق النار؟
لا يغير من هذا، أن يتفاخر بأنه أفضل صديق لإسرائيل (وليس لنتنياهو)، فلا جديد في هذا، فالغرب كله، يتسابق في إظهار الولاء، وربما الطاعة للكيان الصهيوني. كما أن الرئيس الأمريكي المنصرف جو بايدن، هو الأكثر صفاقة في الدعم الشامل لدولة الاحتلال، فدماء 50 ألف شهيد، وآلام 150 ألف جريح فلسطيني في غزة، مُعلقة في رقبته. مثلما يتحمل هو وإدارته مسؤولية الإبادة الجماعية المستمرة منذ 460 يوما في القطاع، والجحيم الذي يعيشه مليونا فلسطيني، تحت النار، في خيام مهترئة، غارقة في مياه السيول، دون أي سُبل مُعينة على استمرار الحياة.
مبعوث ترامب.. وإدارة بايدن التي لم ترحل
عودة إلى ترامب، فالبادي أنه متابع لملف التفاوض، ويعلم جيدا أن رئيس حكومة الكيان هو الذي يماطل في إنجاز الصفقة، وأن حماس أبدت مرونة، ووافقت على الإفراج عن قائمة تضم 34 أسيرا إسرائيليا، لمبادلتهم بأسرى فلسطينيين. وأن هذه القائمة التي تضم كل الأطفال، والمرضى، والمسنّين، تأتي استجابةً منها لطلب رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو.
الوعيد ترافق مع إعلانه في ذات المؤتمر الصحفي (الثلاثاء)، عن إيفاد مبعوثه الشخصي ستيف ويتكوف، إلى الدوحة في اليوم التالي، ليكون مسؤولا لملف التفاوض رغم أن إدارة بايدن لم ترحل بعد. وهذا بدوره يقطع بأن ترامب، في عجلة من أمره، لإغلاق ملف هذه الحرب، وهو ما انعكس تسارعا للتحركات بشأن الصفقة، واحتمال وصول رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي ديفيد برنيع إلى الدوحة بين لحظة وأخرى، لإنجاز اتفاق الهدنة في غزة، وتبادل الأسرى بين الطرفين.
المؤكد أن الرئيس الأمريكي المُقبل ترامب، ليس في خنوع بايدن، وامتثاله لنتنياهو، ومسايرته ودعمه في جنونه بالحرب، وإدمانه الابتزاز والتلاعب بالجميع، وتوظيفهم لخدمة أجندته السياسية. ذلك أنه يعرف نتنياهو جيدا، ومناوراته، ومن ثم فليس متوقعا خضوعه لابتزازه.
والبيّن من سلوكه الرئاسي بفترة ولايته السابقة (2015 – 2020)، ومُجمل تصريحاته (سابقا، وحاليا)؛ هو إيمانه بلغة الصفقات، التي تعني أنه لا يمنح مجانا، وأنه لا بد من مقابل.. أو كم ستدفع مقابل ما تأخذ؟
من هذه الزاوية، وعطفا على رغبته في إغلاق ملف حروب الشرق الأوسط (ربما باستثناء إيران)، فهو حتما يؤمن بأن لحماس الحق في الحصول على ثمن، مقابل الإفراج عن الأسرى.
لا يفوتنا في هذا السياق تفاخر ترامب بإنجازه لـ”اتفاقية الدوحة” مع حركة طالبان الأفغانية، بوساطة قطرية، التي جرى توقيعها، في فبراير/شباط عام 2020، لإنهاء الاحتلال الأمريكي لأفغانستان، وطي صفحته التي دامت 20 عاما. وسبق أن تعهد عام 2023، بأنه في حال إعادة انتخابه، سيتفاوض مع طالبان، ثانيةً، لعقد اتفاق تجاري مع الحركة، مقابل إعادة استخدام قاعدة باغرام الأفغانية، عسكريا بواسطة الجيش الأمريكي لمراقبة الصين، التي تشغل أولوية كبرى في أجندته.
على الجانب الآخر، لا يغيب عن ترامب وفريقه أن إسرائيل المُفضلة لديه تُستنزف عسكريا، في جنودها، وعتادها، واقتصاديا، وسياسيا. وأن هذا الاستنزاف بدوره، ينعكس بأعباء على إدارته، ومزيد من الأموال الأمريكية، للإنفاق على حروبها أو بالأحرى حروب نتنياهو. ولا شك في إدراكه للفشل الإسرائيلي في محو حركة حماس، واستعادة الأسرى بالضغط العسكري، فهذه أوهام لا وجود لها إلا في خيال نتنياهو الذي لم يتمكن جيشه من استعادة سوى ثمانية أسرى فقط، طوال 460 يوما، فكم سنة يحتاج لتحرير بقية الأسرى عسكريا؟ تماما مثلما استوعب سابقا عدم قدرة الاحتلال الأمريكي البريطاني لأفغانستان، طوال 20 عاما، على سحق حركة طالبان وتغييبها، ووقف نزيف الخسائر في الجنود الأمريكيين، فكان سعيه لاتفاق الدوحة. حتما يعي ترامب، كذلك دروس التاريخ، من الورطة الأمريكية بالتدخل لصالح الجنوب، في الحرب بين شطري فيتنام الشمالي، والجنوبي (1954- 1973)، وخسارة الجيش الأمريكي لـ60 ألف جندي، وانسحابه مُهانا دون تحقيق أهدافه.
غزة.. فيتنام جديدة
في مقال كاشف، للجنرال الإسرائيلي المرموق إسرائيل زيف الذي قاد سلاح المُشاة، وفرقة غزة (سابقا)، على موقع القناة 12 العبرية.. أشار فيه إلى استمرار مقتل الجنود في غزة، وإلى أن الأسرى لم يعودوا، وما زالوا يعانون في الأنفاق. واستطرد بأن أهداف هذه الحرب الأطول في تاريخ إسرائيل لم تتحقق، وأن سياسة نتنياهو أحالت غزة إلى فيتنام جديدة للجنود، وأن صواريخ الحوثي تسقط عليهم، وأن إسرائيل أصبحت دولة بأسرها في خدمة حكومة نتنياهو، وليس العكس. هذا كله ليس بعيدا، عن حسابات ترامب، لذا فوعيده ليس كله شرا مُستطيرا لغزة، بل قد يكون أكثر ضغطا على نتنياهو، لوقف الحرب.