2025 عام تصفية الحسابات المعلقة
(1) سقوط الأقنعة
يبدو أن الزعماء والقادة تخلوا عن دبلوماسيتهم وقرروا أن يصارحوا العالم بحقيقة أفكارهم ونياتهم بعيدا عن التعريفات الدبلوماسية المبهمة ومحاولات تجميل أطماعهم.
عام 2025 سيكون عام اللعب على المكشوف بعد ما أدرك المجتمع الدولي خلال العام السابق أن لغة القوة وحدها هي المسموعة والنافذة، وأنه لا يملك القوة ولا النفوذ لإنقاذ أهل غزة من حرب الإبادة التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي بدعم أمريكي رغم القرارات الأممية الخاصة بضرورة إيقاف الحرب فورا.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالكتيبة الإعلامية في غزة.. وطوفان الوعي
“جنين غراد”.. والفلسطيني المُستباح!
ورقة إعادة الإعمار.. سوريا وإيجاد الأرضية المشتركة
الجميع يدرك أن من يملك الطائرة والصاروخ والذخيرة يستطيع أن يوسع دائرة نفوذه وأحلامه حتى آخر رصاصة في جيبه.
يوم الاثنين الماضي وفي تجمع ضم السفراء الفرنسيين في العالم، تحدث الرئيس الفرنسي ماكرون، الذي يتفاخر دوما بثقافته الفرنسية الرفيعة وقيم بلاده الأخلاقية المعيارية، بكلام أثار غضبًا إفريقيًّا، سيد الإليزيه اتهم دول الساحل الإفريقي بأنها «لم تشكر» بلاده على الدعم الذي قدّمته في مكافحة الإرهاب هناك منذ عام 2013، وأنه لولا التدخّل العسكري الفرنسي لما كان لأيّ من هؤلاء القادة الأفارقة أن يحكم اليوم دولة ذات سيادة، لكنّ القادة الأفارقة “نسوا أن يقولوا شكرا” لفرنسا على هذا الدعم!
وزير الخارجية التشادي أعرب عن قلق بلاده العميق عقب تصريحات ماكرون التي تعكس موقف ازدراء اتجاه إفريقيا والأفارقة وأضاف أن الدور الحاسم لإفريقيا وتشاد في تحرير فرنسا خلال الحربين العالميتين دور لم تعترف به فرنسا قط، وأضاف أنه خلال 60 عاما من الوجود الفرنسي في تشاد كانت مساهمة فرنسا مقتصرة على مصالحها الاستراتيجية الخاصة، من دون أيّ تأثير حقيقي في تنمية الشعب التشادي.
كما ندّد رئيس الوزراء السنغالي بتصريح ماكرون، مؤكدا في بيان أنه لولا مساهمة الجنود الأفارقة في الحرب العالمية الثانية في تحرير فرنسا من الاحتلال النازي لربما كانت فرنسا اليوم لا تزال ألمانية.
تشاد والسنغال أنهيا وجود القوات الفرنسية في بلادهما وهو ما أثار حفيظة فرنسا ووجده ماكرون نكرانا للجميل، فمن وجهة نظره أن المستعمرات الفرنسية السابقة يجب أن تقدم واجب الولاء والطاعة لسيدها السابق إلى الأبد.
فرنسا لا تريد أن تعترف بالواقع الجديد، وأن هناك إعادة تشكيل للتحالفات الإفريقية في ظل تنامي حضور لاعبين جدد مثل الصين وروسيا وتركيا وغيرهم يتعاملون مع إفريقيا بمبدأ المصالح المشتركة دون منّ أو أذى كما تفعل فرنسا.
من ناحية أخرى جاء تصريح الرئيس التركي أردوغان يوم الاثنين الماضي جريئا للغاية حين قال: “لا يمكننا أن نسمح تحت أي ذريعة كانت بأن يتم تقسيم سوريا، وفي حال لاحظنا أدنى خطر لحصول ذلك سنتخذ سريعا الإجراءات اللازمة”.
الجميع يدرك أن تركيا ورثت النفوذ الإيراني في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد بأيدي هيئة تحرير الشام المدعومة من أنقرة، لكن الحديث عن سوريا وكأنها شأن تركي خالص يتسم بالمبالغة في استعراض القوة والنفوذ، وهو تكرار لأخطاء طهران التي أدت في النهاية إلى ضرب نفوذها المتمدد في عدد من الدول العربية لكن فيما يبدو أنه لا أحد يتعلم من تجارب غيره.
وأخيرا جاءت دعوة الرئيس الأمريكي المنتخب ترامب المتكررة إلى ضم كندا لأراضي الولايات المتحدة بعد استقالة رئيس الوزراء الكندي يوم الاثنين الماضي، حيث كتب على منصته: “إذا اندمجت كندا مع الولايات المتحدة، فلن تكون هناك تعريفات جمركية، وستنخفض الضرائب بشكل كبير، وستكون كندا آمنة تماما من تهديد السفن الروسية والصينية التي تحيط بها باستمرار”.
هذا التصريح بالنسبة لكندا، لم يكن زلة لسان أو فقرة هزلية، بل هناك نية حقيقية من جانب ترامب لتغيير الوضع الجيوسياسي في أمريكا الشمالية والجنوبية، وبسط النفوذ على دول الجوار بالتهديد تارة والترغيب تارة أخرى، وهو ما يجعل تصريحه بشأن جزيرة جرينلاند وقناة بنما يؤخذان على محمل الجد، وهو ما يؤكد أن أمريكا ذاهبة إلى مزيد من الصراعات ومحاولة بسط الهيمنة بالقوة وليس العكس، وترامب ليس رجل السلام ولكنه راعي البقر الطامع فيما لدى الآخرين.
(2) بقايا النفوذ السابق
هل من الممكن شطب القديم كليا بجرة قلم؟ هل يمكن محو النفوذ الإيراني من لبنان وسوريا والعراق بعد السقوط السريع والمفاجئ لنظام بشار الأسد؟ دوائر النفوذ والمصالح التي تكونت على مدى أكثر من عقدين من الزمن يصعب محوها خلال أيام أو حتى شهور.
لبنان مرشح لأن يكون أول من يجيب عن أسئلة من هذا النوع، ولقد بدأت تلوح في الأفق علامات على تراجع نفوذ حزب الله في دوائر صنع القرار هناك، وضح ذلك من خلال خبر تفتيش دبلوماسي إيراني كان على متن طائرة إيرانية تابعة للحرس الثوري الإيراني (كما ذكر موقع الجزيرة نت) هبطت في مطار بيروت وأصر القائمون على أمن المطار على تفتيش حقائبه الدبلوماسية، وهو أمر لم يكن يحدث من قبل واعتبره محللون بمثابة إشارة إلى بداية حقبة ما بعد الأسد في المنطقة وتراجع تأثير حزب الله بعد ما تكبد خسائر كبيرة جراء الضربات الإسرائيلية التي طالت قوته العسكرية واغتالت قادته. وأيضا سيتجلى ذلك في اختيار رئيس توافقي للبنان، ولكن هذا التراجع لن يكون بالسهولة والسرعة التي يتوقعها البعض، التغيير من أصعب الأمور في حياة الأمم والشعوب وفي حالة الرغبة في التغيير الرشيد دون الانزلاق إلى صراعات أو حروب أهلية يجب أن يتم الأمر بحكمة وعلى مراحل ودون محاولة لإزاحة أو شطب فئة أو طائفة من المشهد المستقبلي.
أعتقد أن عام 2025 سيجيب عن كثير من الأسئلة المعلقة حول التغيرات الجيوسياسية في الشرق الأوسط حيث تتنافس ثلاث قوى إقليمية غير عربية على توسيع نفوذها وهيمنتها، وهي إيران وتركيا وإسرائيل، والأمر سيتوقف على كيفية تعامل الإدارة الأمريكية الجديدة مع ذلك، وهل سينجح ترامب فعلا في جلب السلام والاستقرار في الشرق الأوسط أم سيؤدي انحيازه لإسرائيل وموقفه العدائي من إيران إلى مزيد من العنف والانقسام والصراعات في المنطقة. الزمن وحده سيجيب عن هذه الأسئلة وغيرها.