لماذا خسر ترامب نوبل.. وفازت المعارضة الفنزويلية؟

زعيمة المعارضة الفنزويلية ماريا كورينا ماتشادو الفائزة بجائزة نوبل (الأناضول)

نادرًا ما تحظى جائزة باهتمام عالمي وجدال واسع مثل جائزة نوبل للسلام، فهي كل عام تشعل النقاش، وتستقطب الأنظار حول من يستحقها حقًّا.
هذا العام، تصدَّر المشهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي وصف نفسه في خطابه الرئاسي قائلًا “سيكون إرثي الأكثر فخرًا هو أنني كنت صانع سلام وموحِّدًا»، مؤكدًا أنه نجح في “تجنُّب حروب لا نهاية لها” خلال فترة حكمه. كما كرر في تصريحات لاحقة أنه “أنهى سبع حروب” كانت مهدَّدة بالتصعيد، معتبرًا ذلك من أبرز إنجازاته في الحفاظ على الاستقرار العالمي.
تلك التصريحات أعاد من خلالها ترامب تأكيد رؤيته لنفسه زعيمًا يسعى لترسيخ السلام العالمي من موقع القوة، في وقت أثارت فيه تصريحاته تباينًا واسعًا بين مؤيديه ومنتقديه بشأن حقيقة إنجازاته في هذا المجال.
ورغم الثقة التي أظهرها ترامب، والدعم الذي حظي به من عدد من الشخصيات السياسية في دول مثل باكستان وأذربيجان وإسرائيل، فقد جاءت المفاجأة من أوسلو حين أعلنت لجنة نوبل فوز الزعيمة الفنزويلية المعارضة ماريا كورينا ماتشادو بالجائزة، لتطيح بآمال الرئيس الأمريكي، وتضع حدًّا لطموحه الطويل في اعتلاء منصة نوبل.

لماذا لم تكن فرص ترامب في الفوز كبيرة؟


رغم الضجة التي صاحبت ترشيح دونالد ترامب ودعمه من شخصيات سياسية بارزة، فإن فرص فوزه بجائزة نوبل للسلام لم تكن كبيرة لأسباب عدة منهجية ومعيارية:

أولًا: تنص قواعد لجنة نوبل على أن الترشيحات تُقبل حتى 31 يناير/كانون الثاني من كل عام، وأي ترشيحات أو إنجازات تُقدَّم بعد ذلك التاريخ يُؤجَّل تقييمها إلى العام التالي. وفي حالة ترامب، فقد تولى الرئاسة بعد إغلاق باب الترشيح بأيام فقط، مما يعني أن معظم المبادرات التي استند إليها لم تكن مؤهلة ضمن ملف التقييم للسنة المعنية.

اقرأ أيضا

list of 4 itemsend of list

ثانيًا: تميل اللجنة إلى تقييم المرشحين بناءً على أعمال موثقة ومستدامة في إرساء السلام، لا على تصريحات أو حملات دبلوماسية مؤقتة. المبادرات التي تُقدَّم حديثًا قد لا تمنح وقتًا كافيًا لتثبت أثرها على الأرض، وقد يُنظر إليها بوصفها ذات طابع إعلامي قوي أكثر منها تدخلاً فعليًّا، مما يجعل من الصعب الحكم عليها بوصفها إنجازات سلام دائمة.

ثالثًا: تعطي لجنة نوبل أهمية كبيرة للاستمرار في النضال السلمي والتوافق مع المبادئ الأساسية التي وضعتها وصية نوبل. لذلك، فإن المبادرات التي تُعَد متحيزة أو تخدم مصالح سياسية قوية قد تُصنَّف بأنها أقل ملاءمة للجوائز التي تسعى إلى ترسيخ السلام العالمي.

كما أن عملية اختيار الفائز تجري على مدى أشهر، تشمل تلقي الترشيحات، وإعداد تقارير خبراء، ومناقشات بين أعضاء اللجنة، وصولًا إلى التصويت النهائي قبيل الإعلان. لذلك، فإن الأحداث أو المبادرات التي تقع في اللحظات الأخيرة قد لا تؤخذ بعين الاعتبار، خاصة إن لم تكن قد أُدرجت في المناقشات والتقارير المبكرة.

لذلك، من الناحية المنهجية، بدا ترشيح ترامب غير مؤهَّل هذه الدورة، لأن إنجازاته المزعومة لم تكن ضمن النطاق الزمني المقبول، ولم تحظَ بوقت كافٍ لتثبيت أثرها، كما أن بعض تلك المبادرات حظي بضجة إعلامية أكثر مما حقق من نتائج ملموسة، مقارنة بمن قدَّم نشاطًا مدعومًا بالأدلة والتضحيات الحقيقية.

لماذا ماريا كورينا ماتشادو؟

 
في المقابل، جاء فوز المعارضة الفنزويلية ماريا كورينا ماتشادو بجائزة نوبل للسلام هذا العام ليعكس اهتمام اللجنة بالجهود الميدانية المستمرة في أصعب الظروف. لم يكن الاختيار تكريمًا لشخصية سياسية فحسب، بل اعترافًا بالدور الذي قامت به في الدفاع عن الحقوق الديمقراطية داخل فنزويلا، البلد الذي يشهد أزمات سياسية واقتصادية معقدة منذ سنوات.

ماتشادو، التي أسست منظمة “سوماتي” لمراقبة الانتخابات وتعزيز الشفافية، فازت في الانتخابات التمهيدية للمعارضة عام 2023 بنسبة ساحقة، لكن المحكمة العليا قضت بمنعها من الترشح للانتخابات الرئاسية لعام 2024. رغم ذلك، فقد واصلت دعمها للمرشح البديل إدموندو غونزاليس أوروتيا، مؤكدة أن النضال من أجل الديمقراطية لا يقف عند الأفراد بل عند القيم والمبادئ.

وأشادت لجنة نوبل بشجاعتها وصمودها داخل البلاد رغم الأخطار، وقالت إن بقاءها في وطنها على الرغم من التهديدات كان قرارًا مؤثرًا وشجاعًا يلهم ملايين الناس.

إضافة إلى ذلك، تتبنى ماتشادو موقفًا واضحًا في السياسة الخارجية، بما في ذلك علاقاتها مع إسرائيل. فقد وقعت في عام 2020 اتفاقية تعاون مع حزب الليكود الإسرائيلي، الذي كان يرأسه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو آنذاك، وذكرت أن هذه العلاقات تأتي في إطار الاعتبارات الاستراتيجية والدبلوماسية لفنزويلا. كما أبدت مواقف علنية بشأن سياسات إسرائيل خلال حرب غزة، معتبرة أن تعزيز الأمن الإسرائيلي يتماشى مع القيم التي تدافع عنها فنزويلا في مجال الديمقراطية، مما يعكس توجهها السياسي في العلاقات الدولية دون أن يكون لذلك أي ارتباط بتقييم لجنة نوبل.

وفي النهاية، تُذكّرنا الجائزة بأن مفهوم السلام -وفق رؤية نوبل- لا يُختزل في إنهاء الصراعات فحسب، بل يقوم على دعم العدالة والكرامة الإنسانية، وترسيخ قيم الحرية والمساواة من خلال عمل متواصل وإيمان حقيقي بقدرة الإنسان على التغيير، لا من خلال التصريحات البراقة أو التحركات الدبلوماسية العابرة.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان