ما بعد حرب غزة.. أسئلة المستقبل

وفد حركة حماس المفاوض في القاهرة (رويترز)

بمقدار ما أثارت الغضب وسيطرت على المشهد لنحو عامين، بات سؤال الحرب الأهم يحتاج إلى إجابة: ماذا بعد حرب غزة؟
هذا هو سؤال الحاضر والمستقبل. فيه تكمن القدرة على الفعل والتأثير. انتهت جولة وتبقى جولات، ولكن الأهم حصد نتائج ما تحقق في الجولة الحالية.

ما بعد الحرب في غزة ليس سؤالا في الجغرافيا أو تفاصيل نظرية في علم السياسة، بل هو الحكاية كاملة: هو احترام التضحيات الكبيرة التي قدمها الشعب، وإحالتها إلى واقع فلسطيني جديد ينتصر للقضية وبها. هو الإمساك باللحظة بكل ما فيها من جلال وجمال والالتفاف حول فلسطين وشعبها. هو ترجمة ما جرى من مآسٍ إنسانية إلى انتصار جاد ونهائي وغير متردد.

توافق وطني فلسطيني


في كل ما يقال عن التوافق الوطني الفلسطيني أهمية تتجاوز حدود البيانات السياسية والجمل الإنشائية والكلام الذي اعتدنا عليه طويلا.

اقرأ أيضا

list of 4 itemsend of list

هذا التوافق هو القلب في جسد القضية، والروح لكل الحالمين بانتصار يحمل فلسطين وشعبها خطوات إلى الأمام. بعقد اجتماعي جديد يعيد تشكيل الداخل على مقياس المصير ومساحة التضحيات التي قدمها الشعب، يمكن القول إن القضية لم تخسر.

عقد اجتماعي يستلهم كل بطولات وتضحيات عامين من حرب الإبادة. اتفاق يجمع كل القوى الوطنية الفلسطينية، من كل الأطياف، على برنامج للمستقبل. هي لحظة لا فرقة فيها ولا انقسامات. هي لحظة الحقيقة التي تتجاوز رغبات الانتقام والتشفي. هي لحظة البرنامج الواحد والتصور الذي يبني المستقبل.

كل الذين عانوا على مدار عامين باتوا في انتظار برنامج يشخص لحظة ما بعد انتهاء الحرب بكل التغيرات التي فيها، ويرسم استراتيجية واحدة لإدارة الجولات المقبلة من الصراع. الاتفاق على مجلس متنوع يشارك في المرحلة القادمة من بناء غزة، ويضع قواعد تمثل مصلحة الشعب الفلسطيني قبل أي حسابات ضيقة أو ذاتية، انتصار مؤكد. التوافق الفلسطيني قبل كل شيء. اتفاق كامل ونهائي بين كل أبناء الداخل والخارج. الآن وليس غدا.

معركة إعادة الإعمار


في معركة إعادة الإعمار استكمال لما حققه الطوفان. واجب الوقت هو بدء معركة سياسية وإعلامية تطالب الكيان المحتل بتحمل نفقات إعمار ما دمرته آلته العسكرية. كل ما يمكن أن نكسبه من هذه المعركة يضاف ويراكم ما تحقق من انتصارات سياسية للقضية في أيام العدوان وحرب الإبادة.

هي معركة استراتيجية علينا خوضها أياً كانت نتائجها في النهاية. كل بيت أو مستشفى أو مدرسة تهدّمت طوال أيام حرب الإبادة تحمل في جدرانها شهادة ومطالبة وسياسة وفضحا لانحطاط المحتل. كل شهيد من الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين العُزّل هو دليل على جرائم حرب نلاحق بها الكيان المحتل دون هوادة.

في التضامن العربي سياسيا وإعلاميا مع هذه المعركة تأكيد وترسيخ لصور الهمجية الإسرائيلية في مخيلة شعوب العالم، وهذا هو الهدف الأول من مطالبة العالم -سياسيا وإعلاميا- بإعادة الإعمار.

البداية تكون بالاقتناع أن معركة فضح المحتل كلما بنينا طوبة في غزة المدمرة هي جزء من استكمال هزيمته سياسيا وإعلاميا في العالم. كل قوائم الأضرار يجب أن تتحول إلى ملفات أمام محاكم دولية ومنظمات حقوقية ووسائل إعلام تكشف وتحكي ما جرى. تقارير موثقة تُنشر للعالم عن قصة غزة وشعبها وشهدائها ومدنييها. ضغوط جديدة لتفعيل آليات المساءلة في الأمم المتحدة والمحاكم الدولية. بهذه الطريقة لا تكون إعادة الإعمار عملية ترميم خاملة، بل وسيلة لمساءلة سياسية وقانونية تربط بين إعادة بناء البيوت وإعادة الحقوق، ودفع أثمان الإبادة.

في ميدان الإعلام علينا تجهيز حملة سرد تروي حقيقة الواقع أمام العالم. حملة جادة عنوانها: «تفاصيل ما حدث». وفي هذه الحملة ضربة جديدة للمحتل الذي هزمته وسائل الإعلام الحديثة بشكل ساحق طوال شهور العدوان.

دعم عربي لـ«الدولة الفلسطينية»


القضية الفلسطينية لا تحل في الفراغ. هذا الصراع الممتد يحتاج إلى تكتلات عربية وإقليمية تحول التضامن إلى دعم عملي ودبلوماسي صريح. كل ما وصل إليه العرب من غضب ورفض منذ الاعتداء الهمجي يمكن البناء عليه في قادم الأيام. لهجة دبلوماسية خشنة ونشاط دبلوماسي مستمر يمكن أن يخطوا بالقضية إلى الأمام. في طريق بناء المستقبل الفلسطيني تقع على العرب المسؤولية الأكبر.

الدعم العربي لإعلان دولة فلسطينية كاملة السيادة هو تأكيد لاستثمار اللحظة التاريخية المهمة. والدعم المطلوب لا يقتصر على بيانات سياسية داعمة، بل يشمل خطوات ملموسة: سعي نحو اعتراف دبلوماسي عالمي وفتح سفارات فلسطينية في كل الدول، ودعم مالي لإقامة مؤسسات الدولة، ودبلوماسية جادة على الساحة الدولية لاعتراف عالمي واسع بدولة فلسطين. في هذه الخطوات يُفرض واقع سياسي جديد يستثمر ما تحقق في أيام العدوان، ويبني على المكاسب التي جنتها قضية فلسطين لدى شعوب أمريكا وأوروبا.

قبل التحرك باتجاه العالم يجب أن يبدأ الدعم العربي لبناء دولة حقيقية: مؤسسات عدالة مستقلة، اقتصاد قوي، وأمن داخلي فلسطيني. دولة يمكن أن تكون لبنة أولى نحو مستقبل فلسطيني مختلف. باستغلال كل الأوراق السياسية العربية المتاحة يمكن الانطلاق إلى الأمام.

خاتمة: لحظة اختبار


ما بعد حرب غزة لحظة اختبار لكل الأطراف، وتحدٍ يمكن النجاح فيه إذا أراد العرب أن تكون الحرب هي التمهيد لمستقبل مختلف. فهل سنستثمر الألم في بناء مستقبل مختلف أم سنرجع إلى الدوائر القديمة نفسها التي كادت تطيح بالقضية كلها إلى سجلات التاريخ؟

هل ستتحول دماء آلاف الشهداء والجرحى إلى طريق يرسم خريطة للقادم، أم سيضيع العرب الفرصة كما أضاعوها من قبل مرات ومرات؟ هل يمكن أن يكون الطوفان هو الامتحان للجميع؟ أم أننا سنكتفي بوقف الحرب والعودة إلى الصمت القديم نفسه والاستسلام الأول؟

الأيام المقبلة ربما تجيب عن هذه الأسئلة. وأملي أن تكون الإجابات في صالح القضية والمستقبل، والشعب الذي ينتظر الخلاص.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان