مصير لجنة تطوير الإعلام المصري؟

في العادة، لابد أن نتفاءل مع كل تغيير جديد في أي مجال، ونسعد بكل خطوة فيها أمل في التحديث والتجديد ودماء جديدة تضخ القوة في الطاقات الموجودة، إذا افترضنا أن هناك طاقات قديمة تعمل بقدر كفاءتها ومهارات أفرادها.
لكن ما إن تظهر عناصر التغيير حتى نقول: «أحمد زي الحاج أحمد»، ونؤكد: «يا ريت يا أبوزيد ما غزيت»، تعبيرًا عن خيبة الأمل التي في العادة «راكبة جمل».
ورغم عدم تفاؤلي، إلا إني قلت: دعني لا أحبط عمل القادمين ولا المتفائلين بالتشكيل. وهكذا كان حالي متابعًا للجنة التي شكّلها رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي لتطوير الإعلام.
لماذا كل هؤلاء؟
لجنة كبيرة جدًّا تتكون من 67 عضوًا تحت رئاسته، وأغلبهم ممن تولوا قيادة الإعلام خلال السنوات العشر الماضية، وبعضهم كانوا من القيادات من قبل هذا.
وبدا تشكيل اللجنة غالِبًا عليه مَن أفشلوا هذا الإعلام، أو من كانوا قيادات ومفكرين له خلال ربع قرن مضى، بينما غلب على التشكيل أصحاب الأعمار الكبيرة ممن تناوبوا على التفكير أو قيادة وسائل الإعلام كافة، المرئية والمكتوبة.
وهناك عدة أسماء –تقارب 10أسماء أو أكثر قليلًا– تحظى باستقلالية عن دولاب الدولة، ولها تجارب اقتربت من النجاح.
اقرأ أيضا
list of 4 items- list 1 of 4هل أصبحت عودة السوريين من ألمانيا حتمية؟
- list 2 of 4مصر وفلسطين بين احتلالين ومقاومتين
- list 3 of 4تفاكر.. مصطفى المرابط يناقش كتاب “الفيلسوف ابن ساعته”
- list 4 of 4الوطني والأيديولوجي في الديمقراطيات العربية
السؤال الذي يُلحّ على الجميع: ماذا يفعل كل هذا العدد الكبير في اللجنة؟ لو افترضنا أن الجميع بدؤوا الاجتماعات، فما المدة الزمنية المطروحة لكل عضو ليتحدث عن رؤيته في التطوير المنتظر؟ في أي اجتماع، إذا تحدث العضو خمس دقائق، فنحن بحاجة إلى ست ساعات لكي ينتهي الاجتماع، وفكرة الدقائق الخمس مستحيلة عمليًّا في هذه الحالة.
وقد كانت لي أكثر من تجربة في مثل هذه اللجان، ربما من المفيد سردها. إذن ماذا سيفعلون؟ حتى لو تمت الاجتماعات واللجان وتم توزيع العدد على موضوعات متعددة –كما حدث في لجنة الخمسين لإعداد قوانين الهيئات الإعلامية الثلاث عام 2015– كان العدد 50 وُزعوا على ثلاث لجان، كل لجنة مختصة بهيئة من الهيئات، وكنتُ عضوًا بها.
اجتماعات ومعارك وأوراق
اجتمعنا في البداية لنضع قواعد عامة لأكثر من شهر، وتوالت الاجتماعات لنكتشف في النهاية أنه من المستحيل النقاش كليًّا في وجود هذا العدد، ثم تم التقسيم إلى ثلاث لجان حسب تفضيل كل عضو. توزّعنا، وفي اللجان الأقل عددًا لم تكن المسألة بسيطة كما يظن من يُحسنون الظن، كان الوضع مختلفًا قليلًا، والأحلام كبيرة في صياغة قوانين محكمة تُبصر مستقبلًا أفضل للإعلام بكل وسائله.
ورغم أن تشكيل اللجان غلبت عليه أسماء كثيرة من نفس عينة لجنة تطوير الإعلام الجديدة –بل هي نفس الأسماء تقريبًا فيما عدا من غيّبهم الرحيل أو البعد– فإن السمة الغالبة في تلك اللجان، مثل الحالية، أن الأغلبية ممن أفشلوا الإعلام والهيئات، والغالبية تأتي هنا كي تتحدث فقط، ولا يهمها بعد ذلك ما إذا كانت القوانين أو المقترحات ستُنفّذ أم لا.
الجميع حاضر وفي ذهنه أن هناك خطة موضوعة سيتم تنفيذها في النهاية، أما نحن فديكور لما سيتم الإعلان عنه. وفي تلك الأوقات، يتوه الذين جاؤوا بحسن النية، وحتى لو استطاعوا الكلام، فماذا يفعلون في ظل أغلبية أهم ما يعنيها «بدل اللجان»؟
أذكر أن نقاطًا كثيرة كانت تأخذ منا جهدًا ووقتًا من أجل ضبط الكلمة والجملة بما لا يسمح بالتلاعب أو يعطي فرصة لجهة ما للتحكم في مصير اللجنة أو الهيئة. وفي النهاية يُقترح اللجوء للتصويت، وفي التصويت تكسب الأغلبية.
أوراق وتوصيات للفَرْم
طبعًا هذا لا يعني عدم المحاولة من مجموعة الـ 10 الذين نظن فيهم الخير في لجنة تطوير الإعلام المشكلة بقرار رئيس الوزراء، ولكن يظل السؤال معلّقًا: ما مصير الناتج من هذه الاجتماعات التي يُقدَّر زمنها –في أقل تقدير– بستة أشهر؟
في تجربتي السابقة –وبالمناسبة كانت تضم أسماء كثيرة جيدة تقترب من الثلث، سواء كان ذلك في كتابة قانون نقابة الإعلاميين أو قوانين الهيئات الإعلامية الثلاث– استمرت اجتماعات الأولى حوالي ثلاثة أشهر وكان العدد 14 عضوًا، والثانية استمرت ما يقارب ستة أشهر وكان العدد 50.
من الطرائف مثلًا في اجتماعات لجنة كتابة قانون النقابة أن اسم النقابة الأول كان «نقابة الإذاعيين»، وكان هذا الاسم من قبل المتشددين أقرب للصحيح، ولكن اعترض الكثير لأنه أقل شهرة أو غريب، واستمر النقاش حول الاسم خمس سنوات من 2009 حتى 2015 عندما صدر قانون النقابة.
مثل هذه الطرائف تحدث في اللجان، فما بالك بالأساسيات التي هي في صلب الموضوع؟ تظل النقاشات –وخاصة التي يخوضها الذين يأملون تغييرًا– لمدد زمنية طويلة، وفي النهاية تتوافق المنصة على قواعد وبنود جيدة ومقبولة، ثم تذهب الأوراق إلى لجنة صغيرة مُشكَّلة من شخصيات أكثر قربًا وثقة من الحكومة، أو تقبع في درج المسؤول سنوات.
أذكر أن قانون نقابة الإعلاميين ظل في درج وزير الإعلام أنس الفقي عامين حتى قامت ثورة يناير، وهو في مكانه، ثم تذهب الاقتراحات إلى رئيس الوزراء ورؤساء الهيئات الثلاث، ثم يتم التغيير فيها حتى يرضى عنها المسؤولون.
حدث هذا في قوانين الهيئات الثلاث كما حدث في قانون النقابة، حتى تظن أن الخارج لم يكن هو الذي ناضلت من أجله وناقشت وخسرت وقتًا وجهدًا وأحيانًا بشرًا، ظني أن هناك شخصيات لا تتعدى خمس شخصيات جلست وكتبت وقنّنت، وألقت بالأوراق التي استهلكت جهدنا وأوقاتنا في ماكينة فرم الأوراق، ثم أخرجت قوانين أخرى هي التي قنّنت أوضاع الإعلام المصري ونقابة الإعلاميين.
وأعتقد أن مصير أوراق لجنة تطوير الإعلام سيكون نفس مصير سابقاتها، حتى لو كانت أغلبية من كتبوه أهل قرب وثقة من الحكومة. وكما يقولون: إذا كانت الأغلبية في اللجنة مسؤولين عن فشل الإعلام، فكيف يصلحونه؟ فمن أفشل لا يُصلِح!
وطريق إصلاح الإعلام المصري لا يمكن أن يُعبّد في غياب حريته وتنوعه، وفي ظل التمسك بالرأي الواحد، والمنتَج الواحد، والصوت الواحد. طريق الإصلاح معروف، إذا أراد صاحب القرار.
