رحلة البحث الرقمي عن خبيئة العرب والمسلمين

العالم لا ينتظر من يملك المعرفة بل من يطلقها وينشرها (الذكاء الاصطناعي)

من البديهي أن لكلٍّ منا تجارب خائبة عاد فيها بعد بحث مُضنٍ على شبكة الإنترنت مُحبطًا خالي الوفاض.
كما لكلٍّ منا تجارب عديدة خاض فيها محادثات شاقة مع تطبيقات الذكاء الاصطناعي وهو يحاول حثَّها على تقديم حقائق جديدة أو معلومات جادة موثقة دون فائدة؟

للأسف تنبثق المعلومات الهزيلة السطحية من محركات البحث وتطبيقات الذكاء الاصطناعي بنفس السرعة التي تظهر فيها الأسئلة المنطقية؛ أين تراثنا العربي والإسلامي الذي يضم ما يزيد على مليوني كتاب، إضافة إلى مئات الآلاف من المخطوطات في كافة العلوم والآداب والفنون؟
ولماذا يعجز المحتوى العربي على الشبكة العنكبوتية عن تقديم الوجه الحقيقي لملامح وعلوم وآداب الثقافة العربية؟ كما يعجز أيضًا عن مواكبة عمليات إضافة المحتوى باللغات الأخرى؟

من يخرج الدُّر؟


تظل كنوز الثقافة والعلوم والأفكار دُررًا مخبوءة في الكتب، لا يفوز بها إلا من يُحسن الغوص والصيد والقراءة في ذلك المحيط الإلكتروني.
ولكن ما الحال ونحن أمام أجيالٍ لا تقرأ الكتب بقدر ما تتصفح بشكل يومي وعلى مدار الساعة وسائل التواصل الاجتماعي؟

اقرأ أيضا

list of 4 itemsend of list

وحتى إذا حاول البعض البحث أو القراءة، ففي الغالب ستكون القراءة قشرية أو سطحية عابرة؛ ليس فقط بسبب غلبة نزعة التناول السريع، ولكن أيضًا لأن نتيجة البحث على الإنترنت تخضع لخوارزميات تسوِّق للمحتوى السائد الصديق لمحركات البحث بصرف النظر عن جودته أو صلته بميراثنا الثقافي.

وتلك الخوارزميات للأسف لا تقدِّم للمتصفح والقارئ العربي طرقًا ممهدة للوصول إلى محتوى الكتب العربية المحدودة والمسجونة رقميًّا في المواقع بصيغها المختلفة الحالية (سواء بصيغة الـ«PDF» أو صيغة الـ«WORD»)، وبذلك يصبح الإنترنت وما فيه من مواقع التواصل بالنسبة للأغلبية، وكأنه ماكينة تجهيل وتسطيح وتغريب ومحو ثقافي.

إذن فمن يخرج الدُّر الكامن من كنوز الثقافة العربية والإسلامية التي غاصت واستقرت في قعر محيط حضارات العالم؟
وكأننا أمام سدٍّ ضخم عظيم الحجم يمنع رؤية ملايين الكتب التي تُعد أصولًا في الكيمياء والجيولوجيا والرياضيات والطب والفلك والزراعة والاجتماع والسياسة وعلوم القرآن والحديث والفقه والعقائد والتدوين التاريخي والبلاغة والنحو والتصوف والشعر واللغة والفلسفة والمنطق والأخلاق وعلم النفس وغيرها من العلوم والآداب.

إعادة الطرح الرقمي


مع ضعف الإنتاج الرقمي، وغياب الوعي بأهمية المحتوى الرقمي العربي؛ لا شك أننا في احتياج مُلحّ إلى جهات مخلصة تسعى لإعادة الطرح الرقمي للإنتاج الثقافي العربي والإسلامي.
بحيث تتم إعادة قراءة كتب التراث بكاملها، مع استخراج وتقديم الاقتباسات والمقاطع والأفكار والقيم، والأحداث والموضوعات، وتراجم الشخصيات، والعروض القيمة المختصرة للكتب.
وبالطبع لا بد أن يتم الأمر بوعي كامل لإنتاج محتوى عميق ولطيف باستخدام الوسائط المتعددة، على أن يكون صديقًا لمحركات البحث، وشيقًا وسهل الانتشار على منصات وسائل التواصل الاجتماعي.

وخلاصة القول أن مشروعا كهذا يمكنه تغيير وجه الإنترنت العربي تمامًا، بعد إثراء المحتوى العربي والعالمي بثمار وكنوز الحضارة العربية والإسلامية.
وكما سيضيف الأمر إلى مخزون تطبيقات الذكاء الاصطناعي سيعود بالفائدة أيضًا على كافة الباحثين على وجه الأرض خاصة مع تقدُّم تطبيقات الترجمة على الشبكة العنكبوتية.

هل نخسر إذا بقي الحال كما هو؟


ربما السؤال الأهم في هذا الموضوع هو: هل الفشل في الطرح الرقمي للتراث العربي والإسلامي على شبكة الإنترنت يعد خسارة كبيرة؟

قد لا يتسع المجال لنشر آراء كثير من علماء العالم المنصفين في كل المجالات الذين تحدثوا عن عظمة النهضة العلمية والفكرية والثقافية لدى العرب والمسلمين التي أدّت دورًا هامًّا في نقل منجزات الحضارة البشرية إلى الأمام، والحفاظ عليها من تيه وظلمات عصور القرون الوسطى.

يقول المستشرق الإنجليزي البارز رينولد ألين نيكلسون: «وما المكتشفات اليوم لتحسب شيئًا مذكورًا إزاء ما نحن مدينون به للروّاد العرب الذين كانوا مشعلًا وضاءً في القرون الوسطى المظلمة ولا سيما في أوروبا».

أما العالم الفرنسي لويس بيير سيديو، صاحب الكتاب الشهير «خلاصة تاريخ العرب»، المولود في باريس عام 1808م الذي اشتهر بأعماله التي رصدت التاريخ العربي بشكل علمي ومحايد، فيقول: «العرب في الواقع هم أساتذة أوروبا في جميع فروع المعرفة».

أما جون ماكليش، عالم الرياضيات وصاحب كتاب “العدد.. من الحضارات القديمة وحتى عصر الكمبيوتر”، فيقول: «ومع أن العرب كانوا أشداء جدًّا في الحرب، فإن أسلوب حياتهم في السلم كان متسامحًا ومتحضِّرًا، وقد أضافوا إلى الفنون والعلوم خاصة عناصر مهمة أنقذت النشاط الفكري من عبث اليونان، ومن تعصب الرومان، هذا وإن هذه السمة ما انفكت آثارها ماثلة في الدراسة العلمية إلى يومنا هذا».

وفي موضع آخر من كتابه يقول ماكليش: «أقام العرب في كل مكان من مملكتهم الواسعة مكتبات عامة ومراصد ومراكز للبحث… وجهد العلميون العرب في تسجيل كل قدر من المعرفة وصلت إليه البشرية وفي تطويره إلى آفاق أوسع، وقد نفذوا برامج ضخمة لنشر أعمالهم العلمية والرياضياتية، ولترجمة أعمال من السريانية والفارسية والصينية واليونانية ولغات أخرى، كما استثمروا أكثر من أي باحثين آخرين في أي حضارة قبلهم معيار الممارسة والتجربة في البحث عن الحقيقة العلمية. ربما يكون قد فاتهم التخيل المفرط الذي كان لدى اليونان، لكنهم عوضوا عن ذلك بالشمولية والاستشراف العلمي».

وتقول المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه في كتابها: «شمس العرب تسطع على الغرب»، في معرض حديثها عن مساهمات العلماء العرب في تطوير الجراحة: «فهذا الفرع بالذات يدين للعرب بتقدمه وصعوده المفاجئ من مرتبة المهن الحقيرة الدنسة التي تكاد تكون بمنزلة مهنة الجلادين والجزارين إلى القمة التي عرفها على أيدي العرب، فإلى العرب وحدهم يعود فضل رفع هذا الفن العظيم إلى المستوى الذي يستحقه، وإليهم وحدهم يرجع فضل بقاء هذا العلم».

العالم لا ينتظر من يملك المعرفة؛ بل من يُطلقها وينشرها.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان