أبو شباب.. الخيانة وقصة الصعود إلى قمة العار

صورة رمزية باستخدام الذكاء الاصطناعي، عندما تكون الملامح عربية، والولاء لإسرائيل

أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي التنصل من ميليشيا ياسر أبو شباب، العميلة في قطاع غزة، وأعرب عن رفضه لإيواء هذه الميليشيا أو غيرها، في معسكرات مغلقة داخل غلاف غزة، فيما رحّب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في تصريحات صحفية، بملاحقة حركة (حماس)، لعصابتين شريرتين، في إشارة إلى ميليشيا أبو شباب، وعصابة أصغر يقودها حسام الأسطل، وكلتاهما متعاونتان مع إسرائيل في غزة. بما يؤشر إلى ترك مرتزقة هذه الميليشيات يواجهون مصيرهم المحتوم، نبذا اجتماعيّا، ووصما بعار الخيانة لغزة في زمن الإبادة، والمطاردة، والتوقيف، خضوعا لمحاكمات جنائية قاسية.

لم يكن ياسر أبو شباب (35 عاما تقريبا)، قائد ميليشيا القوات الشعبية، جنوب غزة، معروفا، في المشهد الفلسطيني، فلا هو مقاوم، ولا مناضل، أو زعيم سياسيا، فهو ينحدر من قبيلة الترابين، المُهجرة، بعد نكبة 1948 إلى القطاع.. محكوما في سجن خان يونس، بقضية اتجار في المخدرات.

اقرأ أيضا

list of 4 itemsend of list

انفتحت أبواب السجن، بفعل القصف الإسرائيلي، بعد “طوفان الأقصى”، فهرب مع غيره، بعد 8 سنوات مسجونا. ليلمع اسمه في سجلات الخيانة، منذ منتصف العام الماضي.. تزامنا مع توحش العدوان الإسرائيلي على غزة.

السجن وعار العمالة..

وأسلحة (حزب الله) و(حماس)

مع أقرانه، كون ياسر أبو شباب، عصابة لنهب المعونات، المارة للقطاع.. استغلالا للفراغ الأمني. ليلتقطه جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك)، ويتولى تجنيده، وتشغيله مع عصابته، ليكونوا في رفح، دروعا بشرية، لعناصر الجهاز، ويتولون إثارة الفتن، وقتل المدنيين، وإهانتهم، وسرقة المساعدات بالإكراه، والتجسس على مقاتلي الفصائل. بُغية تشويه المقاومة، وتفكيك الحاضنة الشعبية، لها، وتثوير الأهالي عليها. جهاز (الشاباك)، زود ياسر أبو شباب وعصابته، بأسلحة غنمها جيش الاحتلال من مخازن (حزب الله)، بجنوب لبنان، ومن (حماس) في غزة.. حتى تبدو الميليشيا، نتاجا لتمرد داخلي.

ميليشيا انطوان لحد اللبنانية..

والمصائر المُهينة للعملاء


لن يختلف مصير ياسر أبو شباب، عن ميليشيا سعد حداد في لبنان، ففي عام 1978، اجتاحت إسرائيل، جنوب لبنان، لدفع مقاتلي المقاومة الفلسطينية إلى ما وراء نهر الليطاني. قبل أن تنسحب لاحقا، قامت بدعم تأسيس وتمويل، ما سُميَّ جيش لبنان الجنوبي، من 3 آلاف جندي.. ليكون درعا أمنيا لها في الجنوب.

عادت إسرائيل، لاجتياح بيروت عام 1982، واستقرت في الجنوب منذ عام 1985. ليتأسس (حزب الله)، للمقاومة، ويتمكن من طردها عام 2000، وينهك بهجماته أيضا جيش لبنان الجنوبي العميل للاحتلال، ليتفكك، ويلوذ قائده آنذاك انطوان لحد (خليفة سعد حداد)، بالفرار، مع بعض جنوده، وعائلاتهم إلى الأراضي المحتلة، ليجدوا المعاناة في انتظارهم، والإهمال، ووقف التمويل عنهم. بما دفعهم للهروب إلى المجهول، بحثا عن ملاذ آمن، فيما سلّم جنود آخرون أنفسهم للسلطات اللبنانية، للمحاكمة.

المصير المُهين، ذاته.. طال جيش فيتنام الجنوبية، المتعاون مع أمريكا، الذي انهار مع الانسحاب الأمريكي من فيتنام (1975م)، فاضطر آلاف الجنود والضباط للفرار مع عائلاتهم في قوارب اللاجئين، وليس ببعيد المشهد الشديد المهانة عام 2021 في مطار كابول، للعملاء الأفغان الذين يتشبثون بالطائرات الأمريكية المُنسحبة من أفغانستان.. بينما اصطحب الأمريكان كلابهم الأليفة.. تاركين الخونة الأفغان لمصيرهم السيء، والأمثلة لا يمكن حصرها.


بروتس وقيصر وجمهورية روما.. وأبو شباب

الخيانة، لها أشكال كثيرة.. يعنينا منها خيانة الأوطان أو الجماعات، كما في حالة ياسر أبو شباب.

فهذا النوع من الخيانات يحوي زاويتين.. الأولى خيانة سياسية، لأنها فعل يمس كيان المقاومة، بالتعاون مع العدو الغاصب، والسهر على خدمة أهدافه وأجندته، وخيانة وطنية، لأنها تنتهك ميثاق الانتماء للوطن (غزة)، وتخونه، شعبا وأرضا لصالح العدو.

وهذا أشد خطرا، فقد يُدمر غزة المكلومة المثخنة بالجراح، ويُكثِر آلامها، وعذابات مواطنيها، وربما يستدرج الشعب الفلسطيني في القطاع -لا قدر الله- إلى حرب أهلية تُهلك ما تبقى من إرادة وعزيمة.

على ذكر الحرب الأهلية، فأشهر الخيانات في التاريخ، جرت عام 44 قبل الميلاد، للزعيم السياسي والقائد العسكري لروما يوليوس قيصر، الذي امتلك سلطات واسعة.

تآمرت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ لاغتياله، طعنا بالخناجر، حتى يتفرق دمه بين الجميع، لخشيتهم من إقدامه على تحويل الجمهورية إلى النظام المكي. بين المتآمرين، صديقه المُقّرب جدا ماركوس بروتس، وحال دخول قيصر قاعة الشيوخ.. بادروه، بالطعنات. لمح بين قاتليه بروتوس، لينطق مصدوما، قولته الشهيرة، التي صارت مثالا، وتجسيدا للخيانة.. حتى أنت يا بروتس؟ ليرد الأخير: إني أحبك، لكني أحب روما أكثر، لتكون آخر كلماته، إذن، فليمت قيصر.

نرجسية، وأخلاق غائبة.. وافتتان بالأجنبي

ربما، يغار بروتس من صديقه، أو أنه خضع لعملية غسيل للدماغ من شركاء المؤامرة، وأقنعوه بنُبل الغرض للتآمر على صديقه قيصر، وقتله.. إنقاذا لروما، فكانت النتيجة سقوطها في براثن الحرب الأهلية، وانهيار النظام الجمهوري الذي أرادوا حمايته، وبقي عار الخيانة لبروتس عبر العصور، فالهدف النبيل لا يبرر استخدام وسيلة مشينة على شاكلة خيانة الصداقة إنسانيّا، التي أسفرت عمليا عن تدمير روما.

هكذا، الحال، عند تجنيد العملاء، مثل أبو شباب وغيره، فيتم غسل أدمغتهم بجهد استخباري مُعادٍ، لتنفيذ أهداف العدو الصهيوني ضد بني جلدتهم، لإقناعهم بأن مهمتهم ليست مُشينة، بل رؤية مختلفة للصراع، تبرر خيانة الوطن، إيهاما لهم بنُبل الهدف. تأكيدا، خيانة الوطن، تُعد سقوطا كاملا في بئر سحيق من العار، فالسلوك سواء كان سياسيا أو غيره.. يظل محكوما بالأخلاق والشرف والإنسانية والانتماء، وإلا فالمرء يندفع إلى دائرة الارتزاق، فيما الأوطان لا تُباع ولا تُشترى، والتاريخ لا ينسى أبدا الخائن أو العميل، من الوجهة النفسية يعاني النرجسية، والرغبة المُلحة في الظهور والتفوق، ولو باع نفسه للعدو، فلديه قناعة بأن كل شيء قابل للبيع والشراء، كما تتملكه عقدة تفوق الأجنبي، فيكون مفتونا مبهورا بالأجنبي، والقوة التي يمتلكها.. مهما كان عدوا لوطنه، فالأخلاق والإيمان بالقيم والمبادئ غائبان عنه.
إن الخونة أمثال أبو شباب والأسطل وأيًّا كانت أسماؤهم، سيسقطون، ويذهبون إلى الجحيم كما ذهب أسلافهم.. تلاحقهم اللعنات حتى وهم في قبورهم، فقد اختاروا الصعود إلى قمة العار بأياديهم، والتاريخ لا يرحم.
المجد والشرف والعزة للمقاومة والشعب الفلسطيني.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان