تمديد عمل القوات التركية بسوريا وعلاقتها بالعملية العسكرية ضد قسد

الجيش التركي
الجيش التركي (الأناضول)

يبدو أن استعدادات تركيا لمواجهة خطر تمدد العناصر الكردية المسلحة المرابطة على حدودها الجنوبية، التي تراها مهددة لاستقرارها ووحدة أراضيها، قد دخلت مرحلة الاكتمال، وهي المرحلة التي توجت بموافقة البرلمان التركي على تمديد عمل القوات العسكرية الموجودة في كل من سوريا والعراق ولبنان لـ3 أعوام تبدأ من 30 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وتنتهي في العام 2028، بهدف استكمال مهمة ملاحقة الإرهابيين وحفظ أمن وسلامة المناطق الجنوبية المتاخمة للحدود المشتركة مع دول الجوار التي لا تزال تواجه مخاطر وتهديدات جدية للأمن القومي للبلاد.


وفق ما تضمنته المذكرة الرئاسية التي بعث بها أردوغان إلى البرلمان، التي أوضح فيها «أن حاجة الإدارة السورية الحالية لتطوير قدراتها في مكافحة الإرهاب، ودعما للجهود الدولية والوطنية، نرى أنه من الضروري اتخاذ كافة الإجراءات لمواجهة المخاطر والأعمال الإرهابية التي من شأنها تعريض الأمن القومي التركي للخطر، مع تأكيد التزامنا بتعزيز كافة الجهود الرامية لاستتباب الأمن وتحقيق الاستقرار في سوريا».
المطلب الرئاسي جاء عقب سلسلة من اللقاءات جمعت المسؤولين العسكريين والأمنيين إلى جانب مسؤولي الاستخبارات في كلا البلدين، حيث بحثوا خلالها قضايا الأمن والدفاع، ومسألة وفاء قوات سوريا الديمقراطية بالتزاماتها وفق اتفاق العاشر من مارس/آذار الماضي، الذي يقضي باندماجهم الكامل ضمن مؤسسات الدولة.
وهي اجتماعات تدعمها وتؤسس لها مذكرة التفاهم الموقعة بين الجانبين في أغسطس/آب الماضي، التي تحدد أطر تعاونهما في النواحي العسكرية، وفي مجال التدريب، والاستشارات الأمنية، وتبادل المعلومات الاستخباراتية.

استعدادا لمواجهة محتملة


إلى جانب ما يتم تداوله على الصعيد الإعلامي بشأن خطط تركية تهدف إلى نشر معدات عسكرية حديثة في مناطق الشمال السوري، تشمل مركبات مدرعة، وأنظمة دفاع جوي، وطائرات مسيّرة، وصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، وبعض الأسلحة الخفيفة والثقيلة والمدفعية، والكشف عن تدريبات عسكرية مكثفة تخضع لها قوات سورية وعناصر أمنية في معسكرات داخل تركيا، هناك معلومات يتم تداولها عن التوصل إلى اتفاق لم يتم الإعلان عنه بعد، يقضي بإدخال تعديلات على اتفاق أضنة الموقّع بين البلدين عام 1998، بما يسمح لتركيا بالتوغل لمسافة 30 كيلو مترا داخل الأراضي السورية لملاحقة العناصر الإرهابية المسلحة التي تزعزع أمنها القومي وتهدد استقرارها، وليس 5 كيلو مترات كما هو منصوص عليه.
ما يشير إلى نفاد صبر أنقرة مع قرب انتهاء المهلة التي منحتها لقيادات قوات سوريا الديمقراطية لوضع تعهداتها بالاندماج الكامل ضمن مكونات الدولة السورية موضع التنفيذ، التي تنتهي نهاية العام الجاري، وزيادة احتمالات قرب إطلاقها عملية عسكرية مشتركة مع الجيش السوري بهدف إنهاء هذه المسألة، والقضاء على التهديدات التي تمثلها قوات سوريا الديمقراطية لأمنها القومي.

تضارب تصريحات قيادات قسد

 مع استمرار تواجدها ككتلة عسكرية منفردة عن وحدات الجيش السوري، وإدارة ذاتية منفصلة عن إدارة الدولة المركزية بدمشق في ظل تعنتها، ومماطلتها لتنفيذ بنود اتفاق مارس/ آذار الذي وقعته مع الرئيس أحمد الشرع، الذي يقضي باندماجها ضمن مكونات الجيش السوري، والانخراط في مؤسسات الدولة تحت شعار “دولة واحدة، وجيش واحد”، وتضارب تصريحات مسؤولي مختلف الأجنحة بداخلها حول هذه المسألة.
إذ في الوقت الذي أكد فيه مظلوم عبدي توصله إلى توافق مع الحكومة السورية، والتزامه بدمج قواته ضمن الجيش السوري، نفى سيبان حمو، قائد وحدات حماية الشعب الكردية التي تمثل الفصيل الأكبر في قوات سوريا الديمقراطية «قسد»، حدوث ذلك، منتقدا موقف الحكومة السورية التي تصر على تفسير عملية الدمج من خلال منظور ضيق مثلما كان عليه الحال مع النظام السابق، وأن «قسد» يجب أن تكون هي الركيزة الأساسية لبناء الجيش السوري، وليس العكس.
مما يؤكد وجود خلافات جوهرية بينهم تعيق بالفعل إمكانية تنفيذ بنود اتفاق مارس/آذار، دفعت أردوغان إلى إعادة تحذيره لـ«قسد» من الانجرار نحو طرق خاطئة، واستعداده لحل المشكلة عبر عمليات عسكرية حاسمة، رابطا في الوقت ذاته بين إصراره على القضاء على التهديدات التي يمثلها الوجود المسلح الكردي على حدوده الجنوبية بالدعوة التي سبق أن أطلقها الأب الروحي لحركة الكفاح الكردي المسلح، ومؤسس حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان لرفاقه في الحزب وتفريعاته المختلفة بالتخلي عن السلاح، والاندماج ضمن المجتمعات التي يعيشون فيها، وممارسة العمل السياسي لتحقيق الأهداف والمكاسب التي يطمحون إليها.

 

ربط المسألة الكردية بوضعية “قسد” في سوريا


ربط القيادة السياسية التركية بين المسألة الكردية لديها، وما يرتبط بها من تطورات، بوضع الأكراد في شمال شرق سوريا، ووضع مخططات الحل بناء على هذه الرؤية، يزيد من تعقيدات المشهد، ويعرقل التوصل إلى حل وفق الاتفاق المبرم بين «قسد» ودمشق في مارس/آذار الماضي، خاصة وأن مظلوم عبدي سبق أن أعلن أن نداء أوجلان لا علاقة له بقواته التي تسيطر على نحو ثلث مساحة سوريا في شمالها الشرقي.
مؤكدا أنهم يتفاوضون مع دمشق من أجل ضمان حقوق الأكراد، وتحقيق نظام حكم ذاتي لهم بعيدا عن مركزية الحكم المعمول بها حاليا، وأن هناك اتفاقا مع الحكومة بشأن وضعية عناصر قواته التي تضم آلاف الجنود وعناصر الأمن الداخلي داخل الجيش السوري، وضمهم كتلة واحدة وليس بشكل فردي كما ينتظر البعض.

ضغوط تركية مكثفة


اختلاف الرؤى وتباين وجهات نظر أطراف المشكلة، يؤكد أننا أمام مرحلة متقدمة من التصعيد الذي تقوده تركيا علنا هذه المرة، بهدف الضغط على قوات سوريا الديمقراطية ودفعها إلى الالتزام ببنود اتفاق مارس/آذار، إلا أن هذا التصعيد يمكن أن يتحول في أية لحظة إلى صراع مسلح بين الجانبين في ظل تمسك كل طرف برؤيته ووجهة نظره، وضبابية الموقف الرسمي لدمشق، وعدم تقديمها حتى الآن رؤيتها الخاصة لإنهاء هذه المسألة بعيدا عن موقف أنقرة.
بل وإحجامها عن تبني موقف رسمي محدد مما يتم طرحه من جانب قيادات «قسد» -المدعومة من واشنطن- إعلاميا وفي الجلسات الثنائية المغلقة، وإصرارها على التعاطي مع الأمر باستخدام لغة دبلوماسية عند تناولها لهذه القضية، وهي لغة تفتقر إلى الوضوح إضافة لكونها لا تسمن ولا تغني من جوع.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان