البرغوثي هل يكون مانديلا الفلسطيني؟

مروان البرغوثي أحد أهم القيادات الفلسطينية المحكوم عليها بالسجن داخل سجون الاحتلال الصهيوني، وهو أحد قيادات فتح الذين لم يتنازلوا عن خيار المقاومة كوسيلة قانونية ومشروعة لتحرير فلسطين من النهر إلى البحر. وطوال ربع قرن من الزمان يرفض الكيان الصهيوني الإفراج عنه ضمن أي صفقات تبادل بين أسرى صهاينة ومقاومين فلسطينيين. وقد تردَّد اسم مروان البرغوثي كثيرا خلال فترة التفاوض بين فصائل المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني خلال مباحثات اتفاق وقف إطلاق النار عقب حرب الإبادة الصهيونية التي استمرت عامين، والتي أعقبت عملية طوفان الأقصى التي أعادت القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمامات العالمية؛ تلك المباحثات التي تمت برعاية أمريكية ووساطة مصرية وتركية وقطرية، وجرى التوقيع على اتفاقية الهدنة عبر الوسطاء وبحضور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وأكثر من رئيس ووفد من 20 دولة في شرم الشيخ.
البرغوثي القيادة الجامعة
تردَّد اسم مروان البرغوثي ضمن خمس قيادات أصرت حماس وفصائل المقاومة على تواجدهم ضمن قائمة الألفي أسير ضمن صفقة التبادل التي تمت، وناشدت أسرة البرغوثي وزوجته كل الوسطاء إنهاء المأساة التي يعيشها القائد وأسرته منذ 22 عاما، لكن الكيان الصهيوني تعسَّف في الإفراج عنه ولم يكن اسمه ضمن المفرج عنهم بين الأسرى، ولم يكن بينهم أي اسم من الخمس الكبار في السجون الصهيونية.
منذ أيام أجرت مجلة «تايم» حوارا وصف بأنه ناري مع الرئيس الأمريكي، لما تضمنه الحوار من إشارات تدل على أن أقساما متعددة في المجلة قد شاركت في صياغته؛ والمؤكد أن الحوار —أسئلة وأجوبة— حظي باهتمام كبير سواء من المجلة أو الإدارة الأمريكية، خاصة أن الحوار جرى عبر الهاتف. وقد أشار ترامب إلى أن قضية مروان البرغوثي بين يديه، وأنه قد يصدر قرارا خاصا به خلال أيام. وفي معرض الحوار قال ترامب إنه يبحث مع الوسطاء وحماس مسألة الإفراج عن البرغوثي وقيادته لغزة خلال الفترة القادمة، أو ما سُمّي بالفترة الانتقالية في حكم غزة.
اقرأ أيضا
list of 4 items- list 1 of 4مصر وفلسطين بين احتلالين ومقاومتين
- list 2 of 4تفاكر.. مصطفى المرابط يناقش كتاب “الفيلسوف ابن ساعته”
- list 3 of 4الوطني والأيديولوجي في الديمقراطيات العربية
- list 4 of 4معاقبة مغتصب الأطفال بالإخصاء الكيميائي؟
الفترة الانتقالية حظيت أيضا باجتماع لكل الفصائل الفلسطينية جرى في القاهرة منذ يومين، وفيه ظهر اتفاق بين كل الفصائل بما فيها السلطة الفلسطينية على ملامح وطنية فلسطينية جامعة، وأكثر من مصدر صرَّح أن هناك اتفاقا على تشكيل لجنة وطنية من المستقلين الفلسطينيين من التكنوقراط. ويتردَّد اسم البرغوثي بعد تصريح ترامب لقيادة هذه اللجنة. فهل يتحقق الحلم الفلسطيني ويصدر ترامب تعليماته لنتنياهو رئيس وزراء الكيان بالإفراج عن البرغوثي، فيصبح البرغوثي رئيسا لقطاع غزة كمقدمة للحلم الفلسطيني بقيادته للسلطة الفلسطينية؟ وهو الأمر الذي يتجدد دائما كلما تواجدت مفاوضات فلسطينية للإفراج عنه.
البرغوثي يحظى بإجماع فلسطيني عام كواحد من المقاومين الكبار وكرئيس يحظى بتأييد كل الفصائل الفلسطينية لقيادة فتح، ثم قيادة فلسطين، بعد سنوات طويلة من ترهل السلطة الفلسطينية. هذا الإجماع يأتي الآن بعد معركة طويلة قدمت فيها غزة عشرات الآلاف من الشهداء وأكثر من 130 ألفًا من المصابين والجرحى، والآلاف من المفقودين تحت أنقاض التدمير، ليطرح اسم البرغوثي لقيادة جامعة للفلسطينيين في غزة، والضفة الغربية، وفي الشتات الخارجي.
ترامب وتصريحات نارية
كان حوار ترامب مع «تايم» يحمل الكثير من الإشارات؛ فلم يكن طرح اسم البرغوثي فقط إشارته الوحيدة الإيجابية، فقد أشار ترامب إلى رفضه التام لفكرة ضم الضفة الغربية التي صوت عليها الكنيست الإسرائيلي الأسبوع الماضي، وقال ترامب إنه أبلغ نتنياهو برفض هذا الضم، وهي خطوة مهمة جدا في المسار السياسي الأمريكي وضربة قوية لوزراء اليمين الصهيوني أمثال بن غفير وسموتريتش، الذين يحاربون كثيرا من أجل حث الحكومة ونتنياهو على توسيع الاستيطان وضم الضفة الغربية إلى الأراضي المحتلة. تلك الأراضي التي قال عنها ترامب إنها ضاقت على الكيان، وفي المقابل أشار إلى اتساع الأراضي في الأردن وسوريا وليبيا، بما يعني أن هناك تغييرا في عقل ترامب.
اعتراض ترامب على ضم الضفة الغربية هل يعني اقتراب إدارته وتفكيرها من فكرة حل الدولتين؟ تلك الفكرة التي تتناقض تماما مع تفكير نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة، فكثيرا ما ترددت عبارة «ليس هناك سوى دولة واحدة» على لسان نتنياهو وهو يقصد الدولة الصهيونية. كذلك إشارة ترامب إلى أنه قد يصدر قرارًا بالإفراج عن البرغوثي؛ فهل هناك تفكير في أن يصبح البرغوثي الرئيس القادم لفلسطين؟ للمرة الثالثة خلال فترة وجيزة يتردَّد اسم حماس كفاعل في غزة وكطرف مفاوض وكيان له اعتباره في أحاديث ترامب، وهو الذي كان يرفض فكرة وجودها أصلاً في غزة وفلسطين. كل هذه إشارات قد تصدق خلال الأشهر القادمة وقد تتحول إلى تصريحات لرئيس يدمن التصريحات المصيرية الجدل.
من أهم إشارات ترامب في حديثه مع «تايم» ما تحدث فيه عن معركة طوفان الأقصى وقال إنه تحدث مع نتنياهو عن إنهاء الحرب لأن الكيان أصبح يواجه العالم وليس حماس فقط، والمقاومة الفلسطينية، وقال: «قلت له لن تحارب العالم». وهذه واحدة من أهم إنجازات طوفان الأقصى بحسب تعبير ترامب: «إسرائيل أصبحت في عزلة عن العالم». كما أن إشارة ترامب إلى قطع الدعم الأمريكي عن الكيان إذا أصرت على ضم الضفة الغربية، كل هذه إشارات إلى الخسارة الكبرى التي مني بها الكيان الصهيوني بعد طوفان الأقصى التي لا تزال تداعياتها عالميا وإقليميا تتوالى. فهل يكون عودة البرغوثي وقيادته لفلسطين تتويجا لطوفان الأقصى؟ وهل يصبح البرغوثي نموذجا لمانديلا الفلسطيني الذي يخرج من السجن إلى رئاسة فلسطين؟ ربما يحدث هذا إذا صدقت وعود ترامب، والمؤكد أنه مثل البرغوثي سيخرج ذات يوم من سجون الصهاينة ليقود فلسطين للتحرير من الأرض إلى النهر.
