إسرائيل وآليات حماية كتائب الخونة

يحلو للبعض أن يردد العديد من التصورات الجاهزة دون دراسة للمتغيرات أو تحديث للمعلومات أو فهم للسياق والمستجدات، ومن تلك المفاهيم الآراء الخاصة بمآلات كتائب الغدر التي كونها الكيان الصهيوني مؤخرا سواء بغزة أو بسوريا. فقد أشاع البعض عقب اتفاق شرم الشيخ وربما بشكل مقصود أن الكيان الإسرائيلي سيتخلى عن الكتائب المسلحة التي أعدها من قبل وذلك وفقا للسوابق التاريخية التي تشير إلى أن الخائن مثل «السارق من مال أبيه ليطعم اللصوص، فلا أبوه يسامحه، ولا اللصوص يشكرونه»، والمقولة حكيمة ولكن لا تنطبق على الواقع.
وقد عززت بالفعل بعض وسائل الإعلام الإسرائيلي مؤخرا الجدل الدائر بشأن مصير ميليشيات «أبو شباب» و«الأسطل» المدعومتين إسرائيليًّا، وفي رأيي أن ذلك كان من المقصود طرحه إعلاميًّا وإثارته على السطح، وإن كان الأمر واقعيًّا على النقيض من ذلك تماما، فالكيان الإسرائيلي وعلى عكس ما يروج كان متمسكا لأبعد الحدود بدعم ميليشياته في غزة. والدليل أنه بمجرد اشتباك المقاومة مع تلك العصابات المنظمة المتعاونة مع إسرائيل، انتشر صراخ القنوات الفضائية الداعمة للكيان، كما نشطت كتائب الذباب الإلكتروني على مواقع التواصل لتشير إلى الاقتتال بين الفصائل والاحتراب الأهلي، ثم ارتفعت أصوات الرفض مع مشاهد تحييد العملاء وتصفية بؤر الخونة.
اقرأ أيضا
list of 4 items- list 1 of 4عبر فيلم “غوز”.. نوران فكري تنقل قصة “نور وزين” إلى العالم من قلب باريس (فيديو)
- list 2 of 4قذائف الاحتلال تلاحق خان يونس وسط عاصفة وفيضانات تُغرق المخيمات (فيديو)
- list 3 of 4لليوم الثالث.. البحث عن جثث أسرى إسرائيليين في حي الزيتون وسط الركام وبرك الأمطار (فيديو)
- list 4 of 4الثوابتة: غزة تتجمد تحت المطر.. وما كان العالم يحذر منه “وقع” (فيديو)
ولم تقف حزمة الإجراءات الحمائية الإسرائيلية عند ذلك، فقد بدأت غارات القصف الجوي مباشرة عند تضييق الخناق ومحاولة مطاردة ومحاصرة ميليشيا ياسر أبو شباب. ولقد حرصت حكومة الكيان على توصيل رسالة واضحة عن أسباب القصف وخرق الاتفاق، فقد أذاعت القناة 12 الإسرائيلية نقلًا عن مصادر مطلعة أن الغارات على رفح جنوبي قطاع غزة هي محاولة لحماية ميليشيا ياسر أبو شباب.
الرسالة واضحة ولكننا لا نقرأ
تؤكد إسرائيل عبر مواقف عدة تكررت مؤخرا أنها على استعداد لحماية كتائب العملاء إلى أبعد الحدود، وقد تكررت مسألة التدخل العسكري السريع للحفاظ على ميليشيات الغدر قبل الفتك بها في أكثر من جبهة وخلال عدة أشهر فقط. ففي يوليو/تموز الماضي وفي جبهة حرب أخرى للكيان الصهيوني، وهي الجبهة السورية، اندلعت في محافظة السويداء السورية بترتيب من ميليشيا «الهجري» أحداث العنف والتوترات الأمنية السياسية، وقد أدت الاشتباكات بين الفصائل المحلية الدرزية المدعومة من إسرائيل والعشائر البدوية إلى تصاعد عمليات الخطف والاقتتال الواسع، مما أدى إلى مقتل مئات الأشخاص ونزوح الآلاف، وعندما تدخلت قوات الأمن للسيطرة على الأمر اكتشفت أنها استُدرجت إلى فخ، الولوج فيه صعب، والانسحاب منه أصعب.
وقتها مباشرة تم استهداف قصر الرئاسة ومقر هيئة الأركان في دمشق من قبل الطيران الإسرائيلي. وجاءت الرسالة واضحة وصريحة، وعبر وسائل الإعلام حيث نقلت عن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو القول إن إسرائيل هاجمت هدفا قرب القصر الرئاسي في العاصمة السورية دمشق، للمرة الثانية خلال يومين وتجدد التعهد بحماية أبناء الأقلية الدرزية. ثم عاد نتنياهو في بيان مشترك مع وزير الدفاع يسرائيل كاتس قائلا: «هذه رسالة واضحة للنظام السوري: لن نسمح للقوات السورية بالانتشار جنوب دمشق أو بتشكيل أي تهديد للدروز». كما أكد كاتس آنذاك: «إذا استؤنفت الهجمات على الدروز وفشل النظام السوري في منعها، فسترد إسرائيل بقدر كبير من القوة».
أسرع استجابة وأشد وقاحة
قد يتساءل البعض عن أسباب تلك الصفاقة السياسية والبجاحة العسكرية المتمثلة في حزمة الإجراءات السريعة والواضحة وعلى رأسها التدخل العسكري الإجرامي لحماية كتائب الخونة في المنطقة العربية دون الالتفات إلى أية اعتبارات منطقية أو انتقادات سياسية دولية. والإجابة تأتي عبر التقرير الذي أعده الخبيران مئير بن شبات وآشر فريدمان عن النهج الأمني الإسرائيلي الجديد الذي يقود تحركات تل أبيب بعد أحداث السابع من أكتوبر، حيث تبنت إسرائيل استراتيجية أمنية جديدة تقوم على القوة الاستباقية لا الردع بهدف هزيمة خصومها كليًّا ومنع إعادة بناء قدراتهم. وتمتد هذه المقاربة من غزة إلى إيران ولبنان وسوريا، مع تكثيف التحالفات الإقليمية والدولية لتعزيز موقعها الاستراتيجي حتى ولو على حساب الانتقادات الخارجية.
يأتي الدعم اللوجستي والحماية التقنية، والدعم الاستخباري على رأس الآليات الإسرائيلية لحماية كتائب الغدر في المنطقة العربية. وفي رأيي أن الأمر يتجاوز ما أعلنتنه إذاعة الجيش الإسرائيلي في ٥ يونيو/حزيران الماضي عن مصدر بأن إسرائيل نقلت أسلحة إلى ميليشيا ياسر أبو شباب بينها أسلحة خفيفة صودرت من حماس، كما نقلت الإذاعة أن تسليح هذه الميليشيا جاء بمبادرة من أجهزة الأمن والقيادة السياسية. ولا غرابة فيما سبق فقد أكد مسؤول أمني كبير في السلطة الفلسطينية لموقع «يديعوت» أن ميليشيا ياسر أبو شباب تتلقى دعما من ثلاث جهات.
كما تدعم فكرة جدية الدعم اللوجستي العديد من المقاطع المصورة التي تكشف عن مصادرة كمية كبيرة من الأسلحة والمركبات عند مداهمة بعض أوكار ميليشيا أبو شباب، وهو ما دفع أحد المؤيدين لحركة حماس إلى القول: «يمكننا الآن إعادة تسليح جهاز الأمن الداخلي في قطاع غزة».
الدعم السياسي والدبلوماسي
إضافة إلى الدعم اللوجستي الذي أشرنا إليه سابقا، هناك أيضا الدعم السياسي والدبلوماسي، حيث يتم تعزيز وجود تلك العصابات عبر طرحها في إطار مبادرات «غزة ما بعد الحرب» ومحاولة إدراجها في المرحلة الثانية أو الثالثة من الاتفاق الأخير. كما يتمثل الدعم السياسي في زيادة الضغط عبر دول المحيط الإقليمي والولايات المتحدة كلما حاولت المقاومة تشديد الخناق على القوة الضاربة لتلك الكتائب.
أما أهم آليات العدو لرعاية وإنقاذ كتائب الخيانة في المنطقة العربية فهي آلية الدعم العسكري، وهي التي تبدأ بالتدريب والتسليح والمشاركة في العمليات، وتنتهي بالتدخل الجوي والبري السريع. ولا غرابة في الأمر، فتلك الكتائب المارقة أصبحت لإسرائيل بمثابة قوات حليفة مهمة تعمل خلف خطوط العدو مرحليا إلى حين أن تُسند إليها أدوار أكبر للسيطرة الأمنية الكاملة على الأرض. ولذلك فالساذج فقط هو من يتخيل أن إسرائيل قد تضحي بتلك القوات بسهولة، فهي ليست في نظرهم قوة مستعربين عملاء مهمتهم التمشيط ورصد المقاومة ونهب المساعدات، فقد قامت مليشيا ياسر أبو شباب بالفعل بتنفيذ عمليات هجومية على حركة حماس، كما عثرت على جثث الأسرى الـ3 التي أعيدت قبل نهاية يونيو/حزيران الماضي، وهو ما دفع معهد الأمن القومي الإسرائيلي وقتها إلى القول: إن تجربة المجموعة المعروفة باسم ميليشيا «أبو شباب» في قطاع غزة يمكن البناء عليها لتفكيك هيمنة حماس.
