هل يتوقف نتنياهو؟!

بينما كان ترامب -وهو يعلن خطته- ليس فقط لاستسلام المقاومة الفلسطينية العاصية على الاستسلام بالقوة الباطشة لكليهما، بل يقضي على الدولة الفلسطينية التي يعترف بها العالم، بل أي حلم بدولة لفلسطين مُصرًا على استبعاد أي إشارة لها في المستقبل، وكان يفرض شروطه على حركة المقاومة الإسلامية (حماس): تسليم السلاح، تدمير البنية التحتية والأنفاق، خروج القادة والمقاومين، ملاحقتهم سواء داخل غزة أو خارجها، كان نتنياهو يجلس بجواره منتشيًا منتصرًا كالطاووس، فقد حقق ما لم يستطع تحقيقه طوال عامين من الحرب على غزة، وظنّا كلاهما أنهما قد وضعا حماس في خانة «إيك» -أو كما يقولون في لعبة الملوك والرؤساء الشطرنج «كش ملك»- ولم يتوقّعا ردّ حماس وظنّا أنهم وضعوا المقاومة في مواجهة العالم.
هجمة حماس المرتدة
توالت الشروط والضغوط على المقاومة الفلسطينية من كل جانب، ودعا الداعون المقاومة إلى التسليم؛ فقد ظنّوا أننا في الدقيقة الأخيرة من المباراة النهائية، وقد احتسب الخصم والحكم ضربة جزاء، ولم يتبق زمن للمقاومة وكانت النتيجة -بحسب ظنّهم- نهائية، فصرخ المتهافتون: «سلّموا أنفسكم، المكان كلّه محاصر» وتعالت الأصوات لوْمًا وتقريعًا وذمًا: ماذا أخذتم من المقاومة؟ لماذا لم تستسلموا؟ خربتم الديار وقتلتم الصغار وأضعتم القضية! ظنّوها فرصة لإعلان صهيونيتهم وانتماءهم اللقيط؛ قالوا لنا: «جفت أقلامكم وطويت صحفكم» وليس أمامكم سوى الاستسلام لموت الملك (المقاومة) وترك المرمى خاليًا لمصوّب ضربة الجزاء ليُسجّل في المرمى الخالي من الكبرياء والكرامة وعروق النخوة. لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.
ليست سفن أسطول الصمود -التي كانت في ذات التوقيت تشقّ طريقها نحو شواطئ غزة وفي البحر المتوسط- لتصل أو تكسر الحصار، بل لتعلن للعالم أن هناك شعبًا يُذبح قِتلًا وجوعًا وعطشًا، وأنتم تتفرّجون وتلهون وتستمتعون. لكنها سفن السياسة والمقاومة وحِرفية اللعب؛ فالمباراة لم تنتهِ بعد، وصافرة الحكم القادر الأعلى الحكيم المتعال لم تُطلق بعد. وبلغة كرة القدم ارتدت الكرة من قائم المرمى ليمتصّها اللاعب السياسي القدير في فريق المقاومة الباسلة، وتردّ المقاومة بهجمة سريعة مرتدة في منطقة جزاء ترامب ونتنياهو وكل الواقعيين الذين ينتظرون سقوطنا ليتغنّوا بصدق تحليلاتهم وتخاريف عقولهم الصدئة أو الممولة.
اقرأ أيضا
list of 4 items- list 1 of 4تفاكر.. مصطفى المرابط يناقش كتاب “الفيلسوف ابن ساعته”
- list 2 of 4الوطني والأيديولوجي في الديمقراطيات العربية
- list 3 of 4معاقبة مغتصب الأطفال بالإخصاء الكيميائي؟
- list 4 of 4زهران ممداني.. المسلم الذي كسر أسطورة اللوبي الصهيوني
في كرة القدم، عندما تُسدد عليك كرةٌ صعبة، عليك أن تمتصّ قوّة الكرة؛ وتلك حرفية لا يمتلكها الغالبيّة العظمى من لاعبي كرة القدم، الحريف أو الموهوب فقط. وقد فعلتها حماس وفصائل المقاومة بحِرفية السياسي لتثبت أنهم ليسوا فقط مقاتلين على درجة عالية من الثبات والإيمان والعقيدة، بل أيضًا سياسيون محترفون يجيدون قراءة الأحداث والوقائع ويعرفون كيف يمرّرون القرار في الوقت الصعب.
نجاح كبير
ردّ حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية على مبادرة ترامب/نتنياهو كان مبدعًا لم يتوقّعه أحد؛ فقد وافقت حماس على خطة ترامب -وكأنها رفضتها كما أشارت أغلب الصحف والتحليلات السياسية في الصحف العبرية- فهي توافق على تسليم الأسرى والرهائن والجثامين، ولكن ليكن ذلك في جو يُمكنها من التسليم، أي في حال وقف إطلاق النار، ووقف الإطلاق النهائي ثم يتمّ التسليم؛ وهو ما أعطى ترامب فرصة ليعلن عن «وقف الحرب» -وهو ما يترجمه هو بحلم جائزة نوبل للسلام- التي يطمح لها.
حماس توافق على تسليم السلطة؛ إذن لن تكون حماس في السلطة القادمة لغزة، ولكن ستكون إدارة غزة لقيادة فلسطينية وإدارة فلسطينية من التكنوقراط الفلسطيني لحين إجراء انتخابات ديمقراطية تحت إشراف الأمم المتحدة. إذن لن تكون هناك حماس في إدارة غزة، وهي هنا تفعل كما يقول المصريون «ريح الزبون» -ولكن بشروطنا.
المساعدات تدخل تحت رعاية الأمم المتحدة ومنظماتها كاملة، وإعادة الإعمار بإشراف عربي، والسلاح للمقاومة وليس للهجوم. وكما قال موسى أبو مرزوق: «لم يعد هناك سلاح أصلًا للتسليم؛ فقد دمرتم كل الأسلحة عبر عامين من الحرب، وما تبقّى سلاح فردي ليس في مقدور أحد جمعه ولا تسليمه». والسلاح لمقاومة الاحتلال حق شرعي تؤكّده المواثيق الدولية.
لم تقدّم حماس أي تنازل منذ السابع من أكتوبر 2023 في شروطها لإيقاف الحرب أو الهدنة أو الاتفاق، ولكن كانت هجمتها المرتدة تُحقّق أهدافها: لإيقاف الحرب وإعطاء ترامب فرصة يعلن بها ما يريد -إيقاف الحرب واستعداده لنوبل السلام- وتقول للعالم كله إنها مع إيقاف الحرب والسلام، وأنها غير معنية بحكم غزة أو إدارتها. حماس تريد السلام -هكذا أعلن ترامب- وفي هذا نجاح كبير: فها هو ترامب الذي يسعى للتهجير، و«ريفييرا غزة» ومشروعاته الاستثمارية وإدارة غزة بسلطة دولية يتزعّمها هو يضع حماس طرفًا تفاوضيًا، ويعترف بكونها قوة أصيلة لها تواجد دولي للتفاوض معها. بل أكثر من هذا، رحّب بنشر بيانها على صفحته بالإنجليزية.
نتنياهو لن يتوقف
منذ ساعات الليل وأنا أجمع ملامح هذا المقال أسمع قصفًا إسرائيليًا على غزة؛ لم يتوقف سوى ساعات قليلة عندما طلب ترامب من الجيش الصهيوني إيقاف الحرب، ولكن نتنياهو -بعدما استوعب صدمة ردّ حماس- عاد إلى طبيعته وعاد القصف والقتل والتدمير ليلة الأحد، ولم يسلم منه الأطفال ولا النساء، الشيوخ ولا المباني المتبقية. لقد وضع ردّ حماس نتنياهو ومستقبله أمام العالم وأمام الداخل الصهيوني الذي لم تتوقّف مظاهراته للمطالبة بوقف الحرب واستعادة الرهائن.
لكن هل يمكن لنتنياهو أن يوقف الحرب؟ الحقيقة أنّه حتى لو لم يكن ردّ حماس بهذه الحنكة والخبرة السياسية، ولو وافقت حماس على النقاط العشرين في خطة ترامب بكل مساوئها وكل ذلّها واستسلامها، فإن نتنياهو لن يتوقّف عن الاستمرار في الحرب؛ فالحرب إن توقّفت فهذه نهايته سياسيًا، فهو مطلوب دوليًّا كمجرم حرب بحسب اتهام المحكمة الجنائية الدولية، وكسياسي فاسد أمام القضاء الصهيوني، واستمرار الحرب يعني محاكمته داخليًّا أو دوليًّا. وبالتالي لا فرصة أمامه للنجاح في أي انتخابات إسرائيلية قادمة.
نتنياهو يحلم بـ «إسرائيل الكبرى»، وبالتالي أي إيقاف للحرب هو نهاية مؤقتة لهذا الحلم، والذي لا يتوقّف عن إعلان مملكة الجنة أو «إسرائيل الكبرى». حلم يجد فيه نتنياهو خلاصه، وأي تداول لفكرة إيقاف حرب غزة -وبالمنطق الذي تطرحه حماس- هو نهاية أحلام نتنياهو. ولكن هذا ليس كلّ شيء، بل سيكون نهاية قدرية لكل ما تم من مظالم وقتل وتدمير. هل نظن أن الله سيترك ذلك بلا عقاب؟ أو هل نظن أن الله لن يمنح أهل غزة وفلسطين جزاء الصبر والاحتساب والإيمان؟ لا، وسيقف -بحقّ- غرور نتنياهو فوق رأسه ليزيده أوهامًا بحلمه كرئيس وزراء «إسرائيل الكبرى» حتى يلقى نتنياهو مصيره. ونحن نثق أن نصرًا من الله وفتحًا قريبًا، ونثق أن غرور نتنياهو فيه نهاية هذا الكيان اللقيط.
