أدونيس.. المرشّح العربي اليتيم لجائزة نوبل

لغاية اليوم، لم يتم الإعلان عن ترشيح رسمي ومؤكد للشاعر السوري (علي أحمد سعيد إسبر) من قبل الأكاديمية السويدية لجائزة نوبل للآداب!
ومن المعروف لدى العالم كلّه أنّ لجنة نوبل تُقدِّم في كلِّ عام عددًا من المرشحين، ولا يتم الإعلان عن أيٍّ منهم إلا بعد خمسين عامًا.
لماذا إذن يتكرّر اسم أدونيس سنويًا ضمن قائمة المرشحين المحتملين في عالمنا العربي، في حين يغيب اسمه تمامًا عن قوائم أبرز المرشحين في حانات المراهنة عالميًا؟
وللإجابة عن هذا السؤال يبقى احتمال الرغبات الدفينة والأحلام المشتهاة لدى بعض المثقفين السوريين والعرب هو الأقرب للتأويل والفهم، رغم أنّ هذه الرغبات تعكس انفصالًا واضحًا عن الواقع الثقافي العالمي، كما تعكس ذواتًا منتفخة تحسب أنَّ نجوم الأمس يمكن لها أن تحافظ على بريقها في زمن التواصل الاجتماعي، زمن الانهيارات العظمى على جميع الصعد: ثقافيًا، وسياسيًا، وإيديولوجيًا، وحتّى أدبيًا.
فالمدارس النقدية التي أبهرتنا قبل بضعة عقود لم تعد مبهرة اليوم، بل تجاوزتها المجتمعات الثقافية عالميًا، لكنّنا في عالمنا العربي نُصاب بالاكتئاب لأيِّ تغييرٍ مكاني أو زماني يحدث لنا، وسرعان ما نعلن تشبثنا بالثوابت، ونُشعل الكتب بأغاني الحنين.
اقرأ أيضا
list of 4 items- list 1 of 4«الإجهاد» وحش نستطيع ترويضه وتقليل خسائره.. بهذه الخطوات
- list 2 of 4لماذا تهدد روسيا باستخدام النووي؟ وكيف ينظر الناتو لهذا التهديد؟
- list 3 of 4جنوب السودان: هل تراجعت حظوظ بول ميل في خلافة سلفاكير؟
- list 4 of 4من “أوفوا بالعهد” إلى أوسلو.. إسرائيل نموذجًا لنقض المواثيق
لهذا تتمسك نخبنا المنبهرة بالشاعر علي إسبر (أدونيس) بترشيحه سنويًا للجائزة ذاتها، ولا تملك بديلاً آخر، وكأنّ فوزه بالجائزة هو النصر المبين لإيديولوجيا مجلة «شعر» التي قادت حملة التغيير الكبرى من أجل عقل عربي متطور يضع مع الماضي جدارًا عازلًا فاصلًا يضمن منع تسرّب التخلف إلى حاضرنا الذي يزدهر بالمقالات المترجمة عن الغرب المتحضر.
معايير نوبل
ولأنّ جائزة نوبل تضع إلى جانب الإبداع الأدبي معايير أخرى تتمثل بالمواقف السياسية والثقافية، يُستبعد تمامًا أن ينالها أدونيس الذي وقف في موقف يُعدُّ على النقيض من مواقف الشعوب العربية التي طالبت بحريّتها وكرامتها.
ولا أعتقد أنّ أحدًا في لجان التحكيم أو الاختيار في نوبل يميل إلى هذا الغموض الرمزي في شعر أدونيس على صعيد المعيار الأدبي، فأعضاء لجنة نوبل يميلون إلى الأعمال الواضحة والأكثر تأثيرًا في المجتمع والناس، في حين يقتصر تأثير أدونيس على النخب الثقافية، خاصة تلك النخب التي تتغنّى بمحور المقاومة الذي قادته الأسدية الإيرانية لفترة طويلة، ودمَّرت من خلاله كلّ أعداء العدو الذي تدَّعي مقاومته!
وفي حين يحلم البعض بأن يُكافأ على جهوده في فتح آفاق شعرية ونظرية في الثقافة العربية، ويتغنّى بعضهم بأنّه أهم شاعر عربي منذ السيّاب إلى يومنا هذا، يرى آخرون أنّه مارس دورًا تخريبيًا في مسار تطور الشعر العربي.
نجومية أدونيس
ما الذي صنع هذه الرمزية والنجومية لهذا الشاعر؟
يجيب عن هذا السؤال الدكتور المغربي قائد غيلان على صفحته الرسمية، حيث يرى أنّ «أدونيس صنيعة إعلامية لمّعته المجلات الحداثية مثل مجلة شعر ومواقف وغيرهما من المنابر التي نصّبت نفسها محاكم تفتيش على الشعر والشعرية، وتحكّمت بأمزجة الناس وأذواقهم زمنًا ليس بيسير.
لقد لعب أصدقاء أدونيس من الحداثيين دورًا كبيرًا في جعله كعبة الحداثة الشعرية التي لا يمكن المساس بها، ولقد كانت قصائد أدونيس النموذج الأوّل لكتابات كمال أبو ديب، وكمال خير بك، وخالدة سعيد، وغيرهم من الحداثيين، حتى يثبّـتوا في أذهان الشعراء الشباب أنه هو النموذج الأرقى للشعرية العربية المعاصرة، لقد صنعوا له جيشًا من الأنصار والمقلِّدين».
أما كيف قدّم أدونيس نفسه شعريًا، ولماذا لم يستطع تجاوز حاجز النخبة المثقفة ليصل إلى الجمهور والناس؟
فيمكن تلمّس الإجابة لدى الناقد الفلسطيني يوسف سامي اليوسف في كتابه ما الشعر العظيم؟ حيث اختصر الموضوع بكلمتين اثنتين عندما بَيَّن اهتمام أدونيس بشعرنة المفاهيم بما يشبه رغبة الشاعر التركي ناظم حكمت الذي أعلن صراحة أنّه سيصوغ الديالكتيك شعرًا، فوقع أدونيس في مطب الغموض الفلسفي الذي قد يفتح باب التأويل واسعًا، لكنّه يُنفّر القارئ العادي، ويقصيه عن التفاعل مع النص.
لقد كتب عن الزمن، وعن الهوية، وعن التحول، بأسلوب تنظيري، وهذا يفتح آفاق التأمل الفلسفي، لكنّه يفقده الحسّ الإنساني والعاطفي الذي يربطه بالقارئ العادي.
مفهوم التخلف عند أدونيس وارتباطه بالدين
لقد عاش أدونيس حياته مناضلًا ومكافحًا ضد حالة التخلّف في المجتمعات العربية، واضعًا الدين كسبب رئيسي لهذا التخلف، ولكن ليس كلّ الدين، فقط الدين الثابت، أمّا المتحوّل ففيه إمكانية النهوض.
وربما لهذا السبب دبّج قصائد المديح في الثورة الخمينية، في حين اتّهم الثورة السورية بالتخلّف؛ لأنّها انطلقت من المساجد.
وفي خضم نضالات أدونيس ضدَّ حالات التخلف العربي، وضدّ حالة الجهل في المجتمع، لم يفطن يومًا إلى أسباب الجهل المتعلّقة بدور الحكومات المتتالية التي كرّست حالة التجهيل، ولم يفرّق يومًا بين الجهل والتجهيل، ذلك أنّ محاربة التجهيل تضعه في حالة صدام مع السلطة، وأقصى ما استطاع فعله أثناء الثورة السورية هو كتابة مقال موجه للرئيس «المنتخب» بشار الأسد.
وبذلك يكون هذا المناضل الفذ قد خسر إلى جانب المعيار الأدبي بقية المعايير الثقافية والسياسية لنيل الجائزة.
يبقى أن يكف هذا الجيش العربي العرمرم عن البكاء السنوي في ترشيحات الجائزة، ويُهيّئ نفسه لاستقبال اسم الفائز الجديد، والذي غالبًا قد يكون غير مترجم للعربية – كما حدث أكثر من مرّة – وبالتالي قد يكون غير معروف لدى نخبنا الثقافية، وهذا ما يجعلهم يعيشون صدمة الحداثة مرّة تلو الأخرى.
