كولومبيا.. حضور سياسي وغياب اقتصادي

الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو (الفرنسية)

قام الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو في مايو/أيار من العام الماضي بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، بسبب ما تقوم به من إبادة جماعية في غزة، كما أوقف شراء الأسلحة الإسرائيلية، ومنع تصدير الفحم الكولومبي إليها حتى تتوقف الإبادة. وشارك بمبادرات دولية مع دول أخرى لاتخاذ إجراءات قانونية ودبلوماسية ضد إسرائيل، كما دعا في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى توحيد الجيوش من أجل تحرير فلسطين، وشارك في وقفة مؤيدة لفلسطين بنيويورك، وخاطب الجنود الأمريكيين قائلا: «لا توجهوا بنادقكم نحو الإنسانية، ارفضوا أوامر الرئيس وأطيعوا أمر الإنسانية».

كما طلبت كولومبيا الانضمام إلى القضية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بسبب الإبادة الجماعية التي تقوم بها.
ومع ذلك، ما زالت معلومات الرأي العام في المنطقة العربية والإسلامية ضئيلة للغاية عن كولومبيا، وربما يتذكر المسنّون ما قيل عنها سابقًا من انتشار تجارة المخدرات فيها، إلا أن الصورة مختلفة تمامًا الآن.

اقرأ أيضا

list of 4 itemsend of list

فكولومبيا تحتل المركز الثامن والثلاثين دوليا من حيث الناتج المحلي الإجمالي بطريقة حسابه بسعر الصرف في العام الماضي، حسب بيانات البنك الدولي، كما يصعد مركزها إلى الحادي والثلاثين دوليا عند حسابه بطريقة تعادل القوى الشرائية.

ومع بلوغ عدد سكان كولومبيا 53 مليون نسمة، يحتل شعبها المركز الثامن والعشرين دوليا، ويعيشون على مساحة تبلغ 1.139 مليون كيلومتر مربع، أي أكبر من مساحة مصر، لتشغل بذلك المركز السابع والعشرين عالميا. وتتميز كولومبيا بصادراتها من النفط الخام والمشتقات والفحم والذهب والبن والزبرجد، حيث احتلت المركز الخامس والخمسين عالميا من حيث قيمة الصادرات السلعية.

تصدير نفط وفحم واستيراد غاز

في العام الماضي شكّلت صادرات النفط نسبة 45% من مجمل الصادرات، والأحجار الكريمة 9%، والبن 7%، والأشجار والزهور 5%، والفواكه 4%، والبلاستيك 3%، والمعدات الكهربية 2%، والنسبة نفسها لصادرات الألومنيوم والزيوت النباتية.

واحتلت كولومبيا المركز التاسع عشر في إنتاج الخام عالميا بواقع 773 ألف برميل يوميا، استهلكت منه محليا 389 ألف برميل، وصدّرت 473 ألف برميل لتحتل المركز الحادي والعشرين عالميا بصادرات النفط الخام، حسب بيانات أوبك. كما صدّرت 78 ألف برميل من المشتقات يوميا، وتملك احتياطيا من النفط الخام يتخطى ملياري برميل. وبصادرات الفحم احتلت المركز السادس عالميا، إلا أنها وهي تنتج الغاز الطبيعي تغطي من 70 إلى 90% من استهلاكها المحلي.

وتستحوذ الولايات المتحدة على نسبة 31% من مجمل صادرات كولومبيا السلعية، تليها بنما الجارة الجغرافية بنسبة 9%، ثم الهند 5.5%، والصين 5%، والمكسيك 4%، تليها البرازيل والإكوادور الجارتان جغرافيا، ثم هولندا وكوريا الجنوبية، وبالمركز العاشر بيرو الجارة الجغرافية. وفي ضوء الجوار الحدودي لكولومبيا مع خمس دول، فقد جاءت أربع منها ضمن الدول العشر الأوائل في قائمة الصادرات، بينما جاءت فنزويلا بالمركز الثاني عشر.

وتضمنت قائمة الدول الثلاثين الأوائل في الصادرات الكولومبية تركيا في المركز الرابع عشر، والإمارات في المركز العشرين.
ولم تتضمن قائمة العشرين الأوائل في واردات كولومبيا أي دولة إسلامية أو عربية؛ إذ احتلت إندونيسيا المركز الرابع والعشرين، وتركيا المركز السابع والعشرين، وكان أعلى مركز لدولة عربية في واردات كولومبيا من نصيب الجزائر التي جاءت في المركز الثامن والأربعين.

3.4% نصيب العالم الإسلامي من تجارة كولومبيا

يشير ذلك إلى محدودية نصيب الدول العربية من تجارة كولومبيا في العام الماضي، الذي بلغت نسبته 1.1%. وبإضافة باقي الدول الإسلامية أعضاء منظمة التعاون الإسلامي، يصل نصيب دول المنظمة السبع والخمسين إلى 3.4% من إجمالي تجارة كولومبيا في العام الماضي.

وقد استحوذت خمس دول على نسبة 59% من مجمل التجارة الكولومبية السلعية، تتقدمها الولايات المتحدة بنصيب 29%، تليها الصين 17%، ثم البرازيل والمكسيك بنسبة 5% لكل منهما، وبنما بنسبة 4%. وشغلت المراكز الخمسة التالية: الهند، والإكوادور، وألمانيا، وكوريا الجنوبية، وبالمركز العاشر بيرو. وبذلك شغلت دول الجوار الحدودي أربعة مراكز من العشرة الأوائل، بينما جاءت فنزويلا في المركز العشرين.

وهكذا تصدرت الولايات المتحدة المشهد في الصادرات والواردات رغم الخلافات السياسية بين نظام الحكم الحالي وواشنطن، التي سحبت تأشيرة الرئيس الكولومبي مؤخرًا بسبب تصريحاته الأخيرة في تظاهرة نيويورك المؤيدة لفلسطين. وربما كان تحقيق الولايات المتحدة فائضا تجاريا دائما في تجارتها مع كولومبيا منذ عام 2018 وحتى الشهور السبعة الأولى من العام الحالي، ووجود عدد كبير من العمالة الكولومبية في الولايات المتحدة، سببًا في عدم تصعيد الأخيرة للخلاف السياسي.

أما تجارة كولومبيا مع إسرائيل، وحسب البيانات الدولية، فقد تراجعت مع الحرب على غزة من 1.256 مليار دولار عام 2022 قبل الحرب إلى 594 مليون دولار في العام التالي بنسبة تراجع بلغت 53%، واستمر التراجع في العام الماضي إلى 375 مليون دولار بنسبة انخفاض قدرها 37%.
إلا أن بيانات دائرة الإحصاءات الإسرائيلية عن التجارة بين البلدين كانت أقل من ذلك بكثير، حيث انخفضت من 154 مليون دولار عام 2022 إلى 122 مليون دولار في العام التالي، واستمرت على الوتيرة نفسها في العام الماضي.

عجز تجاري سِلعي وخَدَمي مزمن

يأتي موقف الرئيس الكولومبي المناهض لإسرائيل ومنعه تصدير الفحم لها، وهو ما يُغضب الإدارة الأمريكية، رغم العجز المزمن في الميزان التجاري السلعي لكولومبيا، واستحواذ الولايات المتحدة على النصيب الأكبر من تحويلات العمالة الكولومبية بالخارج. وتشير بيانات منظمة التجارة الدولية إلى وجود عجز تجاري سلعي مستمر منذ عام 2013 وحتى العام الماضي، وتذبذبت قيمته، إلا أن نسبة الصادرات إلى الواردات كانت عادة تدور حول 70% خلال السنوات العشر الماضية.

ويزيد الأمر صعوبة مع وجود عجز تجاري خدمي مزمن أيضًا، رغم الإيرادات السياحية التي تحققها البلاد، إذ تشير بيانات منظمة التجارة الدولية إلى استمرار العجز الخدمي منذ عام 1990 وحتى العام الماضي، فيما عدا عام واحد فقط. ويخفف من حدة العجز السلعي والخدمي تحويلات الكولومبيين بالخارج التي بلغت 11.87 مليار دولار في العام الماضي، إلى جانب بعض المعونات التي تحصل عليها البلاد، وتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الداخل، الذي بلغ 14 مليار دولار في العام الماضي.

وتسبب استمرار العجز التجاري والخدمي في ازدياد الدين الخارجي، الذي تصاعد من 32 مليار دولار عام 2008 إلى 113 مليارا عام 2016، ثم إلى 196 مليارا بنهاية عام 2023، ثم إلى 202 مليار في العام الماضي، ليصل إلى 207 مليارات دولار منتصف العام الحالي، بينما بلغت أرصدة الاحتياطيات من العملات الأجنبية 65 مليار دولار حتى سبتمبر/أيلول الماضي.

وشهد العامان الأخيران انخفاضًا في معدل النمو الكولومبي، الذي يتوقع صندوق النقد الدولي تحسنه في السنوات القليلة المقبلة. كما استمر العجز المزمن في الموازنة الحكومية مع توقع الصندوق تراجع نسبته في الأعوام المقبلة، وبلغ معدل البطالة 8.6% في أغسطس/آب الماضي، ومعدل التضخم السنوي 5.1% في الشهر نفسه.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان