الحكم الذاتي المغربي للصحراء.. قرار أممي يغيّر المعادلة

احتفالات الشعب المغربي بالقرار الأممي (الأناضول)

القرار الأممي الجديد الذي اعتمده مجلس الأمن الدولي مساء الجمعة 31 أكتوبر/تشرين الأول 2025 بدعم مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء الغربية/ المغربية هو نقطة تحوّل كبرى في أزمة إقليم الصحراء، وإن لم يرقَ إلى مستوى الحسم النهائي لتلك الأزمة التي أتمت نصف قرن منذ بدايتها عام 1975.
خلال خمسين عامًا من المعارك السياسية والدبلوماسية، وحتى العسكرية، لحسم مستقبل الإقليم، تبدّلت مواقع العديد من الأطراف الدولية الفاعلة، وقد خرج القرار الأخير، الذي حمل الرقم 2797 (2-25)، تعبيرًا عن هذه التحولات الدولية الكبرى، حيث وضعت الولايات المتحدة ثقلها الكبير دعمًا لفكرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، التي رفضتها طويلًا جبهة البوليساريو وداعموها، وعلى رأسهم الجزائر. كما انتقلت كلٌّ من الصين وروسيا من موقف التبنّي الكامل لحق تقرير المصير للإقليم واستقلاله الكامل، إلى الميل نحو فكرة الحكم الذاتي، وقد ترجمتا ذلك في امتناعهما عن التصويت، وليس استخدام حق الفيتو، إذ كان رفض دولة واحدة منهما فقط كفيلًا بعدم صدور القرار.

كان الأكثر لفتًا للانتباه هو موقف الجزائر، الحاضن الرئيسي لحق تقرير المصير للصحراويين، حيث لم تصوّت بالرفض كما هو موقفها التاريخي، بل تغيّبت عمدًا عن التصويت، بعد أن تمكنت من إدخال تعديلات كثيرة على مشروع القرار الذي تقدّمت به الولايات المتحدة، ليخرج القرار في النهاية بموافقة 11 صوتًا، وامتناع ثلاث دول، مع غياب الجزائر عن التصويت الذي يُفسَّر امتناعًا أيضًا، لكنه ليس رفضًا.
زعم البعض ممن أربكهم القرار أنه لم يتجاوز قرارات الأمم المتحدة السابقة الداعمة لحق تقرير المصير، وبالتالي فإنه لا يمثل خسارة لطرف ومكسبًا لآخر. والحقيقة أن القرار الجديد يمثل قفزة كبرى في تعامل الأمم المتحدة وذراعها التنفيذي، مجلس الأمن، مع قضية الصحراء، حيث كانت كل القرارات الأممية منذ مغادرة الاستعمار الإسباني للإقليم عام 1975 تتبنى حق تقرير المصير عبر استفتاء شعبي، وخصصت بعثة دولية للعمل على تنفيذه منذ عام 1991، وهي «مينورسو»، لكنها تحولت وفقًا لهذا القرار إلى تفضيل فكرة الحكم الذاتي كخيار أكثر واقعية لإنهاء هذه الأزمة، علمًا بأن المغرب هو الذي تقدم بهذه المبادرة عام 2007، لكن توازنات القوى الدولية في تلك الفترة حالت دون اعتمادها.

تغييرات محتملة

ورغم أن القرار الجديد يجدد في بنده الثالث التزام مجلس الأمن بمساعدة طرفي النزاع على التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين، قائم على التوافق ويتماشى مع مبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة، بما في ذلك مبدأ تقرير المصير، فإنه في بنده الرابع يؤكد بشكل واضح أن الحكم الذاتي الحقيقي تحت السيادة المغربية يمكن أن يشكل الحل الأكثر جدوى.
وأعرب المجلس عن دعمه الكامل للأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي في تيسير وإجراء مفاوضات، استنادًا إلى مقترح الحكم الذاتي المغربي، بهدف التوصل إلى حل عادل ودائم ومقبول لطرفي النزاع بما يتماشى مع ميثاق الأمم المتحدة، ورحب في الوقت نفسه بأي اقتراحات بنّاءة من الطرفين استجابةً لمقترح الحكم الذاتي.

القرار الجديد سيدفع العديد من الأطراف لإعادة النظر في مواقفها، الصحراويون أنفسهم أول هذه الأطراف، فرغم أن جبهة البوليساريو هي التي حملت راية المقاومة للوجود المغربي، وتمسكت بحق تقرير المصير على مدى العقود الماضية، فإن هناك أطرافًا صحراوية أخرى تؤيد أو ستؤيد الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، خاصة أن المغرب يدير فعليًّا 80% من أرضي الصحراء.
أما الجزائر، الداعم الرئيسي للبوليساريو، فإن غيابها عن التصويت الأخير وعدم التصويت بالرفض للقرار قد أحدث صدمة سياسية بين النخب الجزائرية، التي كانت تعتبر الموقف الجزائري الرسمي اتجاه قضية الصحراء أحد ثوابت السياسة الخارجية للدولة، وبدأ بعض هذه النخب يتساءل عن سرّ التعنت طوال خمسة عقود خسرت خلالها الجزائر الكثير، وخاصة على صعيد التنمية.

إفريقيا وروسيا والصين

الاتحاد الإفريقي، الذي كان بدوره داعمًا للرؤية الجزائرية (حق تقرير المصير)، سيعيد النظر في موقفه تساوقًا مع قرار مجلس الأمن الدولي، ومن المحتمل أن يعود المغرب إلى عضوية الاتحاد، التي انسحب منها عقب قبوله (الاتحاد) لعضوية البوليساريو بوصفها ممثلا لدولة الصحراء عام 1984، في حين تبقى قضية استمرار عضوية البوليساريو محل شك.
روسيا والصين، اللتان امتنعتا عن التصويت على قرار مجلس الأمن الأخير بما سمح بمروره، ستعدّلان سياستيهما اتجاه قضية الصحراء من دعم لحق تقرير المصير والاستقلال الكامل إلى القبول بخيار الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، وستتبعهما دول أخرى ذات مواقف مشابهة.

بالمحصلة، ستتمدد رقعة المؤيدين لخيار الحكم الذاتي، خاصة أن القرار الأممي تضمّن تعهدًا أمريكيًّا باستضافة محادثات جديدة وجادة بين أطراف الأزمة، وقد تتركز الضغوط، سواء داخل هذه المفاوضات أو خارجها، على توسيع سلطات الحكم الذاتي بما يقدم مزيدًا من الحوافز للصحراويين لقبوله، وعودة المهجرين إلى مدنهم وقراهم، واختيار أو انتخاب إدارة صحراوية للحكم الذاتي تطرح برامج تنموية تعوّض أهل الإقليم عن سنوات النزاع الطويلة.
والحقيقة أن إنهاء هذه الأزمة المؤلمة سيكون في صالح كل الأطراف، وسيوفر عليها الكثير مما كانت تنفقه في المواجهات العسكرية والسياسية، وينقل هذه الوفورات إلى مشاريع تنموية، سواء في الصحراء أو في المغرب أو الجزائر، كما سيشجع الاستثمارات الأجنبية على التوافد إلى تلك المنطقة بعد أن يعم فيها السلام والاستقرار.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان