ترامب ونظرية الرجل المجنون

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب (الأناضول)

 

هل تصدّق أن بعض قادة الدول يعملون لتصوير أنفسهم بأنهم مجانين، وأنهم يمكن أن يقوموا بأعمال تتناقض مع العقل والمنطق، وأنه لا يمكن التنبؤ بسلوكهم، أو توقع قراراتهم بهدف تخويف خصومهم، وإلحاق الرعب بهم؟!

وتعود أسس نظرية “الرجل المجنون” إلى ميكيافيللي عام 1507، الذي يرى أنه “من الحكمة في ظروف معيَّنة أن يدعي القائد الجنون”، لكنني أرى أنها تعود إلى الإمبراطورية الرومانية، التي ادعى الكثير من أباطرتها الجنون، فقاموا بقتل مؤيديهم وتعذيبهم وإبادة الشعوب؛ ليملأوا نفوس معارضيهم بالرعب.

ترامب نموذجا!

في دراسة نشرتها مجلة السياسة الخارجية (فورين أفيرز) قدّمت روزان مكمانوس أستاذ العلوم السياسية المشارك بجامعة ولاية بنسلفانيا دونالد ترامب نموذجا لهذه النظرية؛ إذ يستهدف دفع المحللين السياسيين إلى حالة من الحيرة والاضطراب؛ فلا يتمكنون من توقع سياسته الخارجية أو تفسيرها. فمنذ أن فاز بالرئاسة عام 2016 أراد أن يبني صورته الذهنية على أساس أنه القائد الذي لا يمكن لأحد أن يتوقع أعماله أو قراراته؛ فذلك يزيد قوة الولايات المتحدة في علاقاتها الخارجية، لذلك قال في حملته الانتخابية “إننا يجب أن نكون الدولة التي لا يستطيع أحد أن يتوقع ماذا يمكن أن تفعل”!

يعترف بأنه مجنون.. لماذا؟!

في إجابته على سؤال عن علاقة أمريكا بكوريا الشمالية عام 2018 وصف ترامب نفسه بأنه مجنون، وفي حملته الانتخابية عام 2024 قال: إن شي جين بينغ رئيس الصين يحترمني؛ لأنه يعرف أنني “رجل مجنون لعين”، ولا يمكن ترجمة الكلمة التي استخدمها إلا بالأسلوب المستخدم في ترجمة الأفلام؛ لأنها تسيء إلى الذوق والحياء العام، وهي تُستخدم كثيرا في الأفلام الأمريكية. لكن بعض السياسيين الأمريكيين -مثل جي دي فانس- يرون أن ذلك في صالح الولايات المتحدة، واستدل تقرير لمعهد “أمريكا أولا” على ذلك بأن بوتين لم يقم بغزو أوكرانيا خلال رئاسة ترامب الأولي؛ لأنه لم يكن يتوقع كيف يمكن أن يرد ترامب!

قرارات متناقضة.. من الحرب إلى الحب

خلال ولايته الرئاسية الأولى، خلق ترامب حالة من العجز عن توقع قراراته؛ إذ هدد رئيس كوريا الشمالية بنار لم يشهدها العالم، ثم أصبح أول رئيس أمريكي يلتقي به، وأعلن أنه والرئيس الكوري “وقعا في الحب”!

تقول مكمانوس: رغم أنه قام بضرب أفغانستان بأكبر قنبلة تقليدية فإنه بدأ المفاوضات مع طالبان، كما أمر بضرب إيران، ثم قام بإلغاء الأمر دون تفسير.

وخلال المفاوضات التجارية مع كوريا الجنوبية، أمر فريقه المفاوض بنقل رسالة إلى الجانب الكوري هي أن ترامب مجنون جدا، ويمكن أن ينسحب من المفاوضات في أي وقت.

لكنه ليس المجنون الوحيد!

تقول روزان مكمانوس: لكن ترامب لم يكن الرئيس الأمريكي الوحيد الذي صوَّر نفسه بأنه مجنون لتحقيق أهداف السياسة الخارجية، فهناك زعماء طبَّقوا نظرية الرجل المجنون، فخلال الحرب الباردة أقنع خبراء استراتيجيون رؤساء أمريكيين بتطبيق النظرية، والتهديد بالحرب النووية رغم علمهم أنها يمكن أن تؤدي إلى تدمير الدولتين.

على سبيل المثال، تبنى ريتشارد نيكسون مجمل أفكار نظرية الرجل المجنون، عندما هدد بدفع فيتنام إلى الاستسلام قائلا “أريد أن يعتقد الفيتناميون أنني وصلت إلى النقطة التي يجب أن أفعل فيها أي شيء لوقف الحرب”، وطلب من فريقه المفاوض إبلاغ الفيتناميين: إننا لا نستطيع أن نوقفه إذا غضب، وإن يده يمكن أن تضغط لإطلاق القنابل النووية. كما تعمَّد كيسنجر أن يصور نيكسون للقادة السوفيت بأنه مجنون.

إنها تحقق نتائج سيئة!

نظرية الرجل المجنون يمكن أن تحقق الشعبية لبعض الزعماء، لكنها يمكن أن تؤدي إلى نتائج سيئة عندما لا يستجيب الخصوم للتهديدات، فنيكسون فشل في إقناع الفيتناميين والسوفيت بجنونه، واضطر إلى الانسحاب من فيتنام.

كما أنه من الصعب على القادة الذين يدَّعون الجنون أن يتوصلوا إلى حلول للمشكلات، فهم يصورون أنفسهم بأنهم يمكن أن يفعلوا أي شيء بصرف النظر عن النتائج.

توصلت روزان مكمانوس في دراستها إلى أن تطبيق ترامب نظرية الرجل المجنون يمكن أن يؤدي إلى نتائج إيجابية؛ إذ يمكن أن يؤثر على الصين؛ فلا تهاجم تايوان خوفا من تدخّل ترامب، كما أن ذلك يمكن أن يردع روسيا عن الهجوم على دول الناتو خوفا من الحرب النووية. لكن ذلك يعتمد على قدرة ترامب على إقناع روسيا والصين بقدرته على الاستجابة بالدخول في صراع نووي.

مع ذلك فإن تطبيق نظرية الرجل المجنون يمكن أن يكون له نتائج سلبية، فالصين يمكن أن تتحدى الولايات المتحدة إذا فرض ترامب عقوبات اقتصادية عليها؛ لذلك يمكن أن تجد الولايات المتحدة نفسها في مواجهة نووية مع الصين وروسيا، فسمعة ترامب يمكن أن تزيد مخاوف الصين وروسيا، وتدفع الأمور إلى حافة الصدام النووي.

تزيد مخاوف الدول الأضعف

تقول مكمانوس: إن تطبيق ترامب نظرية الرجل المجنون سيزيد مخاوف الدول الأضعف خاصة إيران وكوريا الشمالية، فترامب يعلن بوضوح نيته لتغيير النظم الحاكمة في الدولتين، وهذا سيدفعهما إلى تطوير برامجهما النووية.

لذلك تحذر مكمانوس ترامب، وتطالبه بأن يوضح للعالم أن هناك حدودا لجنونه، وأنه يمكن أن يلتزم بالاتفاقيات التي يعقدها، ويشرح سياسته الخارجية بوضوح؛ فذلك يمكن أن يقلل الأخطار التي تتعرض لها أمريكا. لكن هل يمكن أن يستجيب ترامب؟!

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان