ما هو السلام الذي تنشده إسرائيل؟!

نتنياهو (الفرنسية)

العمل على تحقيق السلام المنشود، القائم على حل الدولتين (دولة إسرائيلية ودولة فلسطينية)، وإحلال السلام العادل الدائم في منطقة الشرق الأوسط، هذه الكلمات ربما هي الأكثر تداولا في خطابات الساسة والقادة العرب، وغيرهم من قادة الدول المهتمة والمتصلة بقضايا المنطقة، وعلى رأسها بالطبع الولايات المتحدة الأمريكية.

منذ عقود، يؤكد واقع منطقة الشرق الأوسط أن السلام الحقيقي والعادل أمل بعيد المنال مع وجود الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، وفقا للعقلية الإسرائيلية ورؤيتها للسلام؛ إذ إن السلام الذي تنشده إسرائيل والمدعوم أمريكيا لا يمكن أن يستقيم به حال المنطقة، أو يحقق تطلعات شعوبها.

ابتذال مفهوم السلام إسرائيليا

ومن المفارقات أن مفهوم السلام صار مبتذلا غاية الابتذال، مع  استهلاكه في خطابات قادة الاحتلال الإسرائيلي، منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد، وانتهاء بولاية رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو؛ إذ لم تخلُ الخطابات من ادعاء السعي من أجل السلام والرغبة في تحقيقه، علما بأن واقع حال الطبائع الإسرائيلية مناقض للسلام، ويؤكد ذلك ما اعتادت عليه حكومات الاحتلال المتعاقبة من خرق جميع المواثيق والمعاهدات والأعراف الدولية واتفاقيات السلام، وليست الحرب الأخيرة على غزة وما ترتب عليها سوى فصل جديد يؤكد طبائع ووجهة نظر الاحتلال الإسرائيلي اتجاه السلام.

ما هو السلام الذي تنشده إسرائيل؟ هذا سؤال يجب الوقوف عند إجابته المعروفة سلفا، قبل التعاطي مع أي مبادرة تزعم السعي لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، وتحقيق السلام بين إسرائيل والفلسطينيين والعرب.

ومن الأهمية بمكان أن تدرك دوائر صنع القرارات العربية أن السلام المنشود إسرائيليا بوساطة أمريكية، يحول بين المنطقة وتحقيق استقلاليتها، ويكرس تبعيتها ويعوق نهضتها، وهذا ليس بالأمر الخفي ولكنه واضح ومعلن، وهو حجر الأساس في استراتيجيات السلام الإسرائيلية، التي تسعى من خلال مفهوم السلام إلى إعادة تشكيل خرائط المنطقة بما يحقق الرؤية الصهيونية.

ومنذ بداية مفاوضات السلام في الشرق الأوسط عام 1978، وبعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد، شهدت المنطقة تفردا أمريكيا في إدارة الصراع العربي الإسرائيلي، واكبه تراجع في العمل العربي المشترك، وانهيار الموقف العربي الموحد اتجاه القضية الفلسطينية، مما مكن من تعميق الانحياز الأمريكي لإسرائيل، الذي بلغ حد التواطؤ الصريح ضد المنطقة بأكملها، لتحقيق الرؤية الصهيونية.

عقلية السلام الإسرائيلية

منذ عرفت المنطقة العربية التباحث في شأن السلام مع إسرائيل، انطلاقا من معاهدة كامب ديفيد، تحوَّل المسار من التفاوض على الأرض مقابل السلام إلى التفاوض على الأمن مقابل السلام، ولكن أي سلام؟!

إن إسرائيل ترى الوعي العربي والفلسطيني تهديدا وجوديا لها؛ ولذلك فإن السلام المنشود من وجهة نظرها لن يتحقق إلا باختفاء الفلسطينيين ومن يدعمهم.

وبدعوى “أمن إسرائيل”، منحت الدولة الصهيونية نفسها حرّية مطلقة لتحقيق رغبتها في الهيمنة، واحتلال الأراضي العربية وارتكاب أبشع الجرائم بحق الإنسانية، دون كابح لها من المجتمع الدولي، وقد مثل الاستمرار في تأكيد هذا الحق مرتكزا رئيسيا لدولة الاحتلال الصهيوني لتأكيد قوتها الرادعة في المنطقة.

إن السلام المنشود وفقا للرؤية الإسرائيلية هو سلام الهيمنة، وقد اعتمدت مقاربة إسرائيل لعملية السلام على الردع والتفوق في القوة العسكرية، كما اعتمدت على التعاون الإقليمي واختراق العقل العربي للقضاء على فكرة المقاومة، وذلك انطلاقا من الرؤية الإسرائيلية لأولوية الأمن على السلام، حيث يصبح الهدف هو البحث عن حروب أخرى بأدوات جديدة، وليس السلام إلا استعدادا للحرب بآليات وطرق ومرجعيات مختلفة.

وعلى جانب آخر، فإن التصور الإسرائيلي لا ينظر إلى السلام باعتباره حلا ينهي الصراع في الشرق الأوسط، ولكن سعت إسرائيل دوما لاختزال الصراع بينها وبين العرب، باعتباره نزاعا بين متخاصمين يبحثون في المصالحة، التي تستوجب من الطرف العربي التسليم بوجود إسرائيل والحفاظ على أمنها والإقرار بهيمنتها على المنطقة، وما يستوجبه ذلك من التنازل عن الحق الفلسطيني، ونزع سلاح المقاومة، والتفوق الإسرائيلي في موازين القوى، وأن تصبح المنطقة كلها تابعة وخاضعة.

الشرق الأوسط الجديد

في كتابه بعنوان “الشرق الأوسط الجديد”، الصادر منذ 33 عاما، لخص رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق “شمعون بيريز” الاستراتيجية الإسرائيلية لمرحلة مفاوضات السلام وما بعدها، التي تفسر الكثير مما جاء بعد ذلك، وخاصة اتفاقات “أبراهام”.

لقد رسم “شمعون بيريز” خلال فصول كتابه صورة لمنطقة الشرق الأوسط، التي أطلق عليها “الشرق الأوسط الجديد”، تكون إسرائيل في القلب منه قطبا وقائدا محركا، وقد وجَّه خطابه إلى الأنظمة العربية متحدثا باستعلاء وفوقية، موضحا الدور الإسرائيلي الضامن لأمن المنطقة واستقرارها وازدهارها، والمجالات التي يمكن التعاون فيها، وتصب في مصلحة استقرار الأنظمة، وفقا لوجهة النظر الإسرائيلية.

والجدير بالذكر أن “شمعون بيريز” طرح ملخصا لما ورد في كتابه “الشرق الأوسط الجديد” عبر خطابه في الأمم المتحدة، الذي ألقاه في 28 سبتمبر/أيلول 1993. ومنذ ذلك الوقت لم تتوان الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وبدعم أمريكي عن تبنّي تلك الرؤية، التي أعاد نتنياهو طرحها من جديد عبر منصة الأمم المتحدة، مذكرا بطبيعة السلام الذي تنشده إسرائيل في المنطقة!

ختاما

إن التصور الإسرائيلي للسلام المنشود يعتمد مفهوم “الشرق الأوسط الجديد”، الذي يقوم على فكرة إيجاد “عرب معتدلين” يطبّعون ويتعاونون مع إسرائيل ضد أطراف عربية وإسلامية تريد إنهاء احتلال فلسطين، ولا تقر لإسرائيل بالهيمنة على المنطقة.

إن السلام الذي تنشده إسرائيل والمدعوم أمريكيا يتجاهل تماما السلام العادل والشامل، ومنتهي غايته إنهاء العزلة الإسرائيلية اقتصاديا، والحفاظ عليها من الأخطار المهددة لوجودها، وأن تصبح السيد المهيمن على المنطقة اقتصاديا وسياسيا.

وخلاصة القول: إن تحقيق السلام العادل في منطقة الشرق الأوسط لا يحتاج إلى مبادرات أو قرارات جديدة، لكنه بحاجة إلى إنهاء حالة العجز العربي، للوقوف في وجه التعنت الإسرائيلي المدعوم دعما أمريكيا مطلقا.

فالسلام الذي تنشده إسرائيل إنما يعني في مبناه ومعناه استسلاما وتسليما للرغبات الإسرائيلية، وتحقيقا للأهداف الصهيونية.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان