لماذا سفير لأمريكا في إسرائيل؟!
ينتمي للمسيحية الصهيونية ويؤمن أن قيام إسرائيل الكبرى شرط مسبق لعودة المسيح ليحكم الأرض

لماذا تحتاج أمريكا إلى سفير لدى إسرائيل؟ وما الجدوى من هذا التمثيل الدبلوماسي الرمزي؟ لا يخفى على أحد أن دولة الاحتلال هي بمثابة “الطفل غير الشرعي” لأمريكا، التي تبنته بعد أن انتزعته من بريطانيا في لحظة تاريخية فارقة. فوجود السفير في هذا السياق يبدو كإجراء بروتوكولي لا أكثر، الهدف منه إخفاء علاقة الأم بابنها.
في الواقع، إن وجود سفير أمريكي لدى إٍسرائيل، لا يمكن وصفه إلا في إطار علاقة عائلية يزور فيها السفير ما يعتبره المنزل ويتبادل الأحاديث مع العائلة حول كيفية افتعال الأزمات مع العالم العربي وإحكام السيطرة.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsانسحاب الأهلي وعلاقته بإعلان أبو تريكة
الأديب التركي سزاني قراكوج: كيف نحقق البعث الإسلامي؟!
في ليلة القدر.. متى تعود الأمة ذات قدر؟
عندما تستمع إلى تصريحات مايك هاكابي، الذي اختاره ترامب سفيرًا لدى إسرائيل، يصبح السؤال أكثر إلحاحًا، عندما يقول: “سنحقق شيئًا ذا أبعاد توراتية في الشرق الأوسط، وإن حماس لن يكون لها وجود”، يبدو وكأن موقفه يتجاوز حدود الدبلوماسية ليعكس أجندات دينية متطرفة، مما يثير الشكوك حول جدوى هذا التعيين.
دعونا نعكس الأدوار ونتخيل معاً، أن مسؤولاً أو دبلوماسيا عربياً تحدث بما يشبه ما قاله السفير الأمريكي لدى إٍسرائيل عن الأبعاد الدينية للصراع من منظور إٍسلامي، لكانت ردود الفعل قد تصاعدت بشكل كبير في وسائل الإعلام الغربية والمنتديات السياسية، وقد يتم التعامل مع هذه التصريحات على أنها دعوة لتأجيج التوترات الدينية والتطرف والإرهاب.
ولماذا نذهب بعيداً، فواقع الحال يشير إلى أن الكثير من مواقف الدول العربية يتم تحريفها أو تحميلها معاني دينية في سياق رفضها لسياسات الانحياز الأمريكي والغربي لإسرائيل، ما يجعل أي تصريح من هذا القبيل، يُقابل بردود فعل حادة، كما يحدث غالبًا في السياسة الدولية.
يقول الصحفي الأمريكي كريس هيدجز، إن حرب غزة شكلت وعياً مختلفا عند جيل الشباب اليهودي في أمريكا وأفقدت السردية الصهيونية مصداقيتها، وبالتالي فقدت أمريكا الأمل في هذا الجيل، ولحل هذه المعضلة، وجدت الصهيونية الأمريكية البديل في الصهاينة المسيحيين، الذين يتبنون رؤية دينية مشوّهة تبرر احتلال فلسطين باعتباره ضرورة لعودة المسيح. ومن هذا المنطلق، عُيّن أشخاص مثل مايك هاكابي في مناصب دبلوماسية، ليس لكفاءتهم، بل لولائهم لعقيدة تُسوّغ الاحتلال تحت غطاء النبوءات الدينية.
طرح علني
لا شك أن الخطاب الأمريكي السياسي والديني نحو القضية الفلسطينية، شهد تحولًا جوهريًا في العقود الأخيرة، حيث باتت النبوءات التلمودية تُطرح علنًا لتبرير الدعم غير المشروط للصهيونية. تلك السياسة التي تستند إلى أفكار مارتن لوثر في كتابه “عيسى ولد يهوديا” سنة 1523 وقال فيه إن اليهود هم أبناء الله وإن المسيحيين هم الغرباء الذين عليهم أن يرضوا بأن يكونوا كالكلاب التي تأكل ما يسقط من فتات من مائدة الأسياد.
هاكابي، المنتمي لتيار المسيحية الصهيونية المتطرفة، يُعتبر من أبرز الداعمين لإسرائيل في الولايات المتحدة، إذ يؤمن هؤلاء بأن قيام إسرائيل الكبرى هو شرط مسبق لعودة المسيح ليحكم الأرض.
في مايو 2017، خلال زيارة ترامب لإسرائيل أثناء ولايته الأولى لأمريكا، قاد هاكابي قافلة تضم 5000 مستوطن إلى نابلس تحت ذريعة الصلاة في “قبر يوسف”. وأعرب يومها عن استيائه لصعوبة الوصول إلى المكان تحت حماية الأمن الإسرائيلي، لذا كانت هذه الزيارة جزءًا من جهوده للضغط على الحكومة الإسرائيلية لتغيير الواقع في الضفة الغربية، بما يسمح للمستوطنين باقتحام المدن الفلسطينية بحرية دون الحاجة إلى حماية عسكرية.
اليمين الأمريكي التيار الأقوى
اللافت أن هاكابي ليس وحده في هذا التوجه؛ بل يمثل تيارًا قويًا داخل اليمين الأمريكي، وخاصة في الأوساط الإنجيلية، التي تعتبر دعم إسرائيل واجبًا دينيًا. هذه الفكرة جعلت من الشخصيات مثل هاكابي أدوات فعالة في تشكيل السياسة الأمريكية تجاه الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، حيث يتم استخدام نفوذهم لدفع الإدارات الأمريكية إلى اتخاذ قرارات تتماشى مع الرؤية الصهيونية المتطرفة.
يقول هاكابي في حوار مع قناة إسرائيلية: “لست مستعداً لاستخدام مصطلح الضفة الغربية. لا يوجد شيء من هذا القبيل! أتكلّم عن يهودا والسامرة، وأخبر الناس أنه لا يوجد احتلال. إنها أرض يقيم فيها أناس وفق عهد ملكية مشروعة منذ 3500 عام، منذ زمن إبراهيم.
ولفهم العلاقة التي تربط أمثال هاكابي -العضو البارز في الحزب الجمهوري- بإسرائيل، أذكر هنا ما قاله أحد النشطاء المناهضين للصهيونية خلال الحرب على غزة: “إذا كان الحزب الديمقراطي يعشق الصهيونية، فإن الحزب الجمهوري يعبدها”. هذا التصريح يعكس بوضوح حقيقة الولاء الأعمى بين بعض القوى السياسية في الولايات المتحدة وإسرائيل، ذاك الذي لا يقتصر فقط على الدعم المعنوي، بل يمتد إلى الدعم المادي الكبير، حيث يتسابق هؤلاء السياسيون في جمع التبرعات سنويًا لصالح تمويل الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة ومشاريع تهويد القدس.
مناخ سياسي متطرف
محاولة تفسير ما قاله السفير الأمريكي في إسرائيل ليس صعباً، ويتضح ذلك من علاقة الرجل بجماعات “الهيكل”، التي تجاهر علنًا بسعيها إلى هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم، ومؤخراً نجد أن هناك تكهنات بدأت تتسرب حول حدوث اقتحام جديد للمسجد الأقصى في عيد الفطر القادم، إذ يدور الحديث عن “ذبح البقرات الحمر” في إسرائيل، وهي طقوس دينية يهودية ترتبط بنبوءات توراتية قديمة تتعلق ببناء الهيكل الثالث على أنقاض المسجد الأقصى.
في الحقيقة، إن الغرب المساند للصهيونية لم يعد قادرًا على التحدث بدبلوماسية، فلسان حاله يقول:” لقد طفح الكيل”، فأصبح التصريح المباشر أمرًا لا مفر منه، فالرغبة الملحة في التخلص من الفلسطينيين والتهديد بتوسيع إسرائيل وإنشاء إسرائيل الكبرى، عبارت أصبحت تتكرر بشكل فج، وما زال العرب يتحدثون بنعومة دبلوماسية، كمن يواجه العاصفة بابتسامة.
واللافت أنه وسط هذا الكم من التصريحات المستفزة من مسؤولين إسرائيليين وأمريكيين، يحاول بعض أبناء جلدتنا المتأثرين بالفكر الغربي، العلماني في شكله والمتطرف دينياً في جوهره، التأكيد على أن الحرب المستمرة في فلسطين منذ الحروب الصليبية وحتى يومنا هذا، ليست إلا صراعاً سياسياً واستعماراً هدفه السيطرة على الأرض والموارد، لكن الغرب ذاته يتحدث بلسان مبين: “إنها حرب دينية، بلا زيادة أو نقصان”.