“إنا فدائيون”.. قناوي المقاوم

عبد المنعم قناوي أحد أبطال السويس (منصات التواصل)

بما يليق بالأبطال جاءت جنازة المقاوم المصري ابن السويس عبد المنعم قناوي أحد أبطال حرب الاستنزاف المصرية وحرب أكتوبر. ففي مشهد مهيب أثبت الشعب المصري أنه لا ينسى أبطاله الذين ضحوا من أجله بحياتهم طوال السنوات من 1967 بعد الهزيمة في يونيو/ حزيران، وحتى انتصار أكتوبر/تشرين الأول 1973، وككل أبطال المقاومة الشعبية في المدينة الباسلة أدى دوره في البطولة وانزوى عاملا ومكافحا من أجل لقمة العيش.

يا للمصادفة أن تكون جنازة عبد المنعم قناوي في السويس، بالتزامن مع جنازة مهيبة أيضا في غزة البطولة والصمود للقائد الشهيد مروان عيسى نائب القائد العام لكتائب القسام، لتودع غزة بطلا من أبطال معركة طوفان الأقصى: الحرب التي استمرت 15 شهرا متواصلة وكللت بانتصار المقاومة الفلسطينية انتصارا تاريخيا على الكيان الصهيوني، بينما ودعت السويس المصرية بطلا من أبطال انتصار أكتوبر على ذات الكيان. مروان عيسى قائد بطل استشهد في ساحة معركة الطوفان، فيما عاش قناوي بطلا في شبابه يحارب الصهاينة، وبعدها عاش بكرامة ينشر روايات الأبطال والشهداء.

البسطاء يصنعون البطولات

عبد المنعم قناوي ابن السويس البسيط الذي رفض التهجير بعد الهزيمة، وكان أحد أبطال منظمة سيناء العربية لمحاربة الاحتلال الصهيوني لسيناء. ومن عاصر تلك الأيام -من أهل مصر- التي هجر فيها أبناء مدن القناة يتذكرون كيف هاجر أبناء السويس والإسماعيلية وبور سعيد إلى مدن مصر الداخلية بعدما دمر الصهاينة المدن الثلاث في حرب حزيران فغادر أغلب السكان إلى مدن الدلتا وبعضهم هاجر إلى القاهرة.

عاش أهالي المدن الثلاث في أماكن خُصصت لهم من المساكن الشعبية، وقضى بعضهم أوقاتا في مدارس وأماكن مخصصة حتى توفير إيواء لهم موعودين بالعودة عندما يتم محو آثار العدوان، وفي المقابل كان أبطال المدن الثلاث من الشعبيين قرروا البقاء فيها ومقاومة الاحتلال في سيناء.

بل شهدت هذه الأيام انتقال الكثير من المصريين إلى مدن القناة للانضمام إلى المقاومة الشعبية التي استمرت حتى أواخر 1973 مع اكتمال اتفاق وقف إطلاق النار في يناير 1974.  وكان عبد المنعم قناوي والكثير من أبطال المقاومة الشعبية التي أسست في حرب السويس 1956 قد قاموا بإعادة تنظيم أنفسهم للعودة لصفوف المقاومة، وظلوا بعد الهزيمة متمسكين بالمقاومة، وعلى رأسهم السيد عسران وكابتن غزالي.

ويصف قناوي تلك الأيام، وكان في الثانية والعشرين من عمره، قائلا ” بعد ضرب المطارات المصرية فكرنا في آلاف الجنود بسيناء الذين أصبحوا بلا غطاء جوي، وتوجهنا إلى بور توفيق وأخذنا لانشات (زورق بمحرك) وعبرنا إلى سيناء كنا نبحث عن الجنود المصابين لنقلهم إلى بور توفيق حيث قامت القوات المسلحة بإنشاء مستشفى ميداني”.

عند عودته وزملائه: محمود طه ومحمود عواد وأحمد عفيفي، استدعتهم المخابرات المصرية، وكانوا بصدد إنشاء منظمة سيناء العربية على غرار منظمة التحرير الفلسطينية، وسألهم ضباط المخابرات إن كانوا يريدون الانضمام إلى المنظمة الفدائية؟ وتم إنشاء المنظمة في السويس وشكلت المجموعة (39 قتال) في الإسماعيلية، وأيضا في بور سعيد، وتم تدريب شباب المدن الثلاث بواسطة القوات المسلحة ليكونوا فدائيين في الحرب ضد الاحتلال الصهيوني.

مفاجأة ناصر

تشكلت مجموعات من الفدائيين كل مجموعة كانت 12 فدائيا، وكان قناوي وعفيفي وعواد في إحدى هذه المجموعات التي قامت بعمليات خلف خطوط العدو في سيناء طوال حرب الاستنزاف وحتى الموافقة على مبادرة روجرز في أغسطس 1970. وشهدت تلك المرحلة ملاحم تاريخية لأبطال القوات المسلحة المصرية بعد إعادة تنظيم الجيش المصري بقيادة الفريق محمد فوزي والفريق محمد صادق، والفريق عبد المنعم رياض وسعد الدين الشاذلي. وكان أبطال المقاومة الشعبية من أبناء المدن الثلاث في قلب هذه المعارك خلال حرب وُصفت بأنها الحرب الرابعة ضد الكيان الصهيوني وامتدت ألف يوم، وهي الحرب التي يعترف الكيان الصهيوني بأنها هزيمته الكبرى.

عمليات فدائية كثيرة، شارك فيها قناوي الملقب بصقر السويس. ففي 5 نوفمبر/تشرين الثاني 1969 شارك قناوي في عملية خلف خطوط العدو، ويحكي أنها كانت من أخطر العمليات، إذ كان عليهم أن يتخطوا الأسلاك التي وضعها العدو كجرس إنذار لقواته حين حدوث هجوم أو تسلل، ويتم تفجير من يقوم بلمس السلك في محيط ثلاثة أمتار، وتم قطع السلك، لكن تنبه العدو فبدأ بتزويد قواته في تلك النقطة.

يقول قناوي: “مع كل احتياطاتنا لعدم معرفة العدو لأماكن الألغام التي وضعناها إلا أن أحد الضباط الصهاينة اكتشف اللغم وعندما اقترب منه قام الفدائي مصطفي هاشم بالتعامل معه وإصابته، ثم بدأت معركة ارتجالية بين الفدائيين من منظمة شباب سيناء والجنود الصهاينة، وخلال 9 دقائق -وهو زمن أقل من زمن العملية المتوقع- تم الهجوم على جنود العدو وتم أسر أحد هؤلاء الجنود، وتم القضاء على مجنزرة ودبابة”.

لم تكن مهام قناوي خلال حرب الاستنزاف متوقفة على القتال، إذ قام بمهام أخرى حيوية خلف خطوط العدو لجمع المعلومات ومراقبة التحركات. وكانت تتم دائما بعبور قناة السويس، متسللا والقيام بالمهمة والعودة مرة أخرى تحت احتمالات اكتشافه وتعرضه للشهادة. وفي إحدى العمليات، اكتشفت مجموعته أن “اللنش” (زورق بمحرك) الذي يستخدموه معطلا، ويحكي قناوي “ظللنا عالقين لمدة 36 ساعة ووصل الخبر إلى جمال عبد الناصر الذي أمر بإرسال قوات بحرية لسحبهم من شرق خليج السويس، وانتقلنا إلى منطقة السقالة، وعند عودتنا فوجئنا أن الرئيس عبد الناصر في استقبالنا، وقد كان لهذا أثر كبير في رفع معنوياتنا”.

في حصار السويس

ظل عبد المنعم قناوي بعد وقف حرب الاستنزاف موجودا في منظمة شباب سيناء يتعامل مع أهالي سيناء وكبار العشائر، ويقوم بتوصيل أوامر القوات المسلحة إليهم لمدة ثلاث سنوات حتى قامت حرب أكتوبر/ تشرين الأول. وكان قناوي في ذلك الوقت بسيناء، وصدرت له التعليمات بالعودة إلى القاهرة، وظل يتحين العودة إلى السويس، وقد كان!

في تلك الأثناء حدثت الثغرة ومع اقترابه من الدفرسوار، وكان يرتدي ملابس مشابهة لملابس الجنود الصهاينة تم إلقاء القبض عليه من المصريين، وعندما تم التعارف عليه تم إرساله إلى القاهرة، وعندما وقعت السويس تحت الحصار تم تكليفه بجمع معلومات من السويس، وقام بتوصيل معلومات أن السويس صامدة والمقاومة الشعبية بقيادة الشيخ حافظ سلامة قد قامت بتدمير 33 دباية للعدو، وعندما هاجم الصهاينة السويس قام الفدائيون -بعد رفض الشيخ حافظ الاستسلام- بعمل كمائن لدبابات العدو بقيادة الأبطال أحمد أبو هاشم، وغريب محمد، وعبد المنعم خالد.

وقد شهدت أيام حرب أكتوبر الكثير من الأعمال البطولية والفدائية لأبناء مدن القناة الثلاث، واستشهد الكثير منهم أثناء هذه المعارك بعد ملاحم بطولية نادرة خاصة خلال فترة حصار السويس التي استمرت حتى يناير 1974. وكانت أمنية عبد المنعم قناوي أن يتم إنشاء متحف يسجل بطولات أهل السويس خلال تلك الفترة. ومن نبلهم، عاد معظم من قدموا هذه البطولات بعد الحرب إلى حياتهم الطبيعية فعاشوا حياة بسيطة، ولم يطالبوا بأي مقابل لتضحياتهم الضخمة.

عاش قناوي لمدة نصف قرن يعمل سائقا على سيارة نقل، وظل حتى أيامه الأخيرة التي أمضاها في المستشفى يحكي عن أبطال المقاومة الشعبية من البسطاء. هؤلاء المجهولون الذين يضيئون سماء الأوطان بدمائهم، والذين لا يتركون أوطانهم وأرضهم حتى لو كانت دمارا وحطاما. وقد كانت السويس في تلك الأيام كغزة الآن إذ لم يترك أهل السويس بيوتهم المهدمة ولا مدراسهم ولا مستشفياتهم، وبقوا هناك يقاومون كما سيبقى أهلنا في غزة لا يتركون ولا يرحلون ليعيدوا بناء الوطن رغما عن نيكسون أو ترامب!

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان