استمرار ارتفاع الواردات العربية من أمريكا للعام الرابع

أشارت الإحصاءات الأمريكية إلى زيادة قيمة الصادرات الأمريكية إلى الدول العربية العام الماضي، إلى 68.2 مليار دولار بزيادة 2.9 مليار دولار عن العام السابق له، وذلك بنسبة نمو تبلغ 4.4%، وهو الرقم الأكبر لها في تاريخ العلاقات التجارية لأمريكا مع العرب.
وكانت تلك الصادرات -التي تعد بمثابة واردات عربية منها- قد انخفضت إلى 45.4 مليار دولار عام 2020 بسبب تداعيات فيروس كورونا وقتها، لكنها زادت إلى 49.8 مليار في 2021 ثم إلى 56.6 مليار في العام التالي، ثم إلى 65.3 مليار دولار في 2023.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsهل نقرأ الأدب لنحطم الخرافات العنصرية الغربية وننتصر على الاستعمار الثقافي؟!
«محمود خليل»..الاعتقال والترحيل ووقف التمويل!
لنتحدث بصراحة.. وداعا حل الدولتين
وجاءت زيادة الصادرات الأمريكية للعرب رغم دعوات المقاطعة لسلع الدول المساندة للعدوان على غزة خلال العامين الأخيرين، لكن القطاع العام الرسمي ما زال مهيمنا على جانب كبير من الواردات العربية، التي يتم توجيهها سياسيا.
وفي العام الماضي زادت قيمة الصادرات الأمريكية لتسع دول عربية هي: الإمارات ومصر والمغرب والأردن وسلطنة عمان وليبيا والسودان وفلسطين وجزر القمر، بينما انخفضت إلى 13 دولة عربية أخرى، لكن قيمة الارتفاع كانت أعلى من قيمة الانخفاض.
ومكنت تلك الصادرات الولايات المتحدة من تحقيق فائض تجاري مع الدول العربية بلغ 21.3 مليار دولار، وهو أعلى فائض أمريكي بتجارتها مع العرب خلال ثماني سنوات، لكنه يظل أقل مما تحقق لها من فوائض عامي 2015 و2016.
وفي ضوء نتائج التجارة الأمريكية مع العرب في العام الماضي والسنوات الخمس والعشرين الأخيرة يمكن رصد بعض الملاحظات.
أولا – تراجع نصيب العرب من الواردات الأمريكية البترولية: ففي العام الماضي استوردت الولايات المتحدة 6.450 ملايين برميل بترول يومي، كان نصيب الدول العربية منها أقل من 9%، بينما كان نصيب كندا والمكسيك 70%، ودول أمريكا الوسطى والجنوبية وأبرزها البرازيل وكولومبيا والإكوادور 16%، ودول إفريقيا وأبرزها نيجيريا وأنغولا 4%، ودول أوروبا وأبرزها إنجلترا، وكازاخستان والنرويج 1.5%، لتبقى نسبة 8% للدول الآسيوية ومعظمها دول عربية.
منافسة صادرات الخام العربي دوليا
وكانت الدول العربية المُصدرة للخام إلى أمريكا: السعودية بالنصيب الأكبر تليها العراق وليبيا والإمارات والكويت والجزائر، ومثلت واردات أمريكا من الخام الليبي كل وارداتها من ليبيا ومن الخام العراقي نسبة 76% من وارداتها من العراق فضلا عن المشتقات، و64% من وارداتها من السعودية فضلا عن المشتقات.
وبلغت كميات تصدير الخام الأمريكي العام الماضي إلى العالم 4.090 ملايين برميل يومي، اتجه معظمها إلى الصين والهند واليابان وسنغافورة وكوريا الجنوبية وهولندا وإنجلترا، لتنافس صادرات الخام العربي بالأسواق الآسيوية والأوروبية.
ثانيا – الاستفادة من اتفاقيات التجارة الحرة لتعزيز الصادرات: عقدت الولايات المتحدة أربع اتفاقيات للتجارة الحرة مع المغرب والأردن وسلطنة عمان والبحرين، مكنتها من زيادة قيمة صادراتها إلى تلك الدول واستمرارها في تحقيق فوائض تجارية معها، فبعد نفاذ الاتفاقية مع المغرب بداية عام 2006 زادت الصادرات الأمريكية إلى المغرب، ليستمر تحقيقها فائضا تجاريا معه منذ ذلك الحين حتى العام الماضي.
ومع سلطنة عمان التي سرى الاتفاق معها بداية 2009 انخفضت التجارة أول عامين، ثم تزايدت خلال السنوات التالية مع استمرار تحقيق فائض أمريكي في أغلب تلك السنوات، ومع البحرين وبعد سريان الاتفاقية عام 2006 زادت التجارة لصالح الفائض الأمريكي في أغلب السنوات، وقد حقق الأردن -الذي سرت اتفاقيتها معه أواخر 2001- فائضا تجاريا مدة سبع سنوات، ثم عادت الأمور لصالح أمريكا بعد ذلك مدة ست سنوات.
ثالثا – فائض تجاري تاريخي مع بعض العرب: طوال الأربعين عاما الماضية حققت الولايات المتحدة فائضا تجاريا مع مصر بلا انقطاع، وفي السنوات السبع والثلاثين الأخيرة حققت فائضا تجاريا مع الإمارات بلغ العام الماضي وحده 19.5 مليار دولار، لتحتل المرتبة الثالثة بقائمة دول الفائض الأمريكي بعد هولندا وهونغ كونغ، كما حققت فائضا تجاريا مع لبنان منذ 1992 مدة 32 عاما بلا انقطاع، وحققته نفس المدة مع السودان ما عدا عاما واحدا وهو 2020 عام كورونا بعجز ضئيل، ومع المغرب بنفس الفترة ما عدا عامين بعجز محدود خلالهما.
ومع قطر تحقق فائض مستمر منذ 2002، ومع كل من سوريا والبحرين تغلبت سنوات الفائض، ويلاحظ أنه رغم فرض أمريكا عقوبات في بعض السنوات على بلدان مثل السودان وليبيا وسوريا، فقد استمرت صادراتها إلى تلك البلدان مع انخفاضها بسنوات العقوبات؛ مما أتاح لها تحقيق فائض تجاري معها.
وقد بقيت دول قليلة تتميز بتحقيق أمريكا عجزا تجاريا معها غالبا، وهي العراق والسعودية والجزائر وليبيا بسبب واردتها البترولية منها، ومع ذلك فقد حققت أمريكا فائضا تجاريا مع السعودية ومع دول نفطية كالكويت وقطر العام الماضي.
توظيف الواردات لمواجهة الانحياز الأمريكي
رابعا – مكانة أمريكا على خريطة الواردات العربية: تشير خريطة دول الصدارة بالواردات بالدول العربية عام 2023 -حيث لم تظهر نتائج العام الماضي بها حاليا- إلى احتلال أمريكا المركز الأول بين دول العالم بواردات قطر، والمركز الثاني بواردات مصر والكويت، والمركز الثالث بواردات الإمارات والأردن، والمركز الرابع بواردات المغرب والمركز السادس بواردات كل من البحرين ولبنان، والمركز السابع بواردات سلطنة عمان.
وساهم ذلك التوجه في احتلال دول عربية أماكن متقدمة بقائمة دول الفائض الأمريكي العام الماضي، بمجيء الإمارات في المركز الثالث ومصر في الـ12 والمغرب في الـ13 وقطر في الـ20 والكويت في الـ29.
خامسا – توظيف الواردات بعد الانحياز الأمريكي الصارخ: بعد المواقف المتكررة التي اتخذتها الإدارة الأمريكية بمساندة الإبادة الجماعية في غزة والضفة الغربية، وسعي ترامب لتجهيز سكان غزة إلى دولتي مصر والأردن، وانحيازه للموقف الإسرائيلي فيما يخص الأسرى الإسرائيليين وعدم اكتراثه بالأسرى الفلسطينيين بسجون الاحتلال أو آلاف الشهداء والجرحى بغزة، يجب توظيف الواردات العربية لتكون أحد وسائل التصدي لذلك الانحياز الأمريكي.
خاصة أن الولايات المتحدة تعاني من عجز تجاري سلعي مزمن بلغت قيمته العام الماضي تريليون و202 مليار دولار، وإذا كانت الولايات المتحدة قد حققت فائضا تجاريا مستمرا مع العرب منذ عام 2015 أي مدة عشر سنوات، فإنها تحقق عجزا تجاريا مع غالب مناطق العالم، حيث بلغت قيمة عجزها التجاري العام الماضي مع دول آسيا 757 مليار دولار، ومع دول أوروبا 267 مليار دولار ومع دول إفريقيا 7 مليارات دولار.
وها هي الولايات المتحدة تستخدم الحرب التجارية في خلافاتها مع الصين والمكسيك وكندا، وتهدد باستخدامها مع الدانمارك وبنما والاتحاد الأوروبي، رغم أن الخلافات بينهم لم تصل إلى حد هذا الدمار الشامل الذي شهدته غزة وهذا العدد الضخم من الشهداء والجرحى.
وحبذا لو تم التنسيق في ذلك مع باقي أعضاء منظمة التعاون الإسلامي، فإذا كانت قيمة صادرات أمريكا إلى الدول العربية قد بلغت العام الماضي 68.2 مليار دولار، فقد بلغت صادراتها إلى باقي دول المنظمة 68.5 مليار دولار، ليصل إجمالي صادرات أمريكا إلى دول المنظمة السبع والخمسين 137 مليار دولار، وهو ما يضعها في المرتبة الرابعة دوليا بالصادرات الأمريكية بعد صادراتها إلى كل من كندا والمكسيك والصين.