حرب الذكاء الاصطناعي

(1) فرنسا تقود أوروبا
نظمت فرنسا هذا الأسبوع قمة للذكاء الاصطناعي في العاصمة الفرنسية باريس يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين دعت إليها عددا كبيرا من الزعماء ورؤساء الشركات العملاقة العاملة في هذا المجال الهام والمتطور.
تحدث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في القمة مستعرضا الفرص المتاحة لفرنسا خصوصا وأوروبا عموما للالتحاق بهذه المنظومة التي سيؤدي التفوق فيها إلى احتكار المستقبل.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالبحث عن الأمل في غزة
النفط والغاز في مصر.. تراجع الإنتاج ونمو الاستهلاك
المعارضة التركية وأزمة الاستقواء بالخارج
ماكرون من أشد المدافعين عن أوروبا المستقلة وأحقيتها التاريخية التي تؤهلها لمكانة مرموقة ومتقدمة عالميا تتوافق مع مجدها الغابر وإنجازاتها الكبيرة في جميع المجالات العلمية، التي بنت عليها كافة دول العالم نهضتها الصناعية والتقنية لاحقا، كما يحب ماكرون أن يذكر دائما أن القيم الأوروبية الغربية ما زالت قادرة على قيادة العالم بتفوق على غيرها وبشكل أفضل، لكن هذا الطرح تضرر كثيرا بعد المواقف الغربية المتخاذلة والمزدوجة المعايير إزاء الحرب الإسرائيلية على غزة.
هنتك تراجع عالمي عن مفهوم العولمة الذي سيطر على العالم في الربع الأخير من القرن الماضي، وبدأت الأصوات ترتفع وتطالب الحكومات الوطنية باستعادة السيطرة على تدفق السلع والخدمات ورؤوس الأموال والبشر والمعلومات، ولهذا نجد تقدما للتيارات الشعوبية القومية، وفي ظل تراجع القيم الليبرالية يبدو ما يعرضه الرئيس الفرنسي على الأوروبيين منذ توليه حكم فرنسا مقبولا ومنطقيا لتعزيز أمن أوروبا والدفاع عن مصالحها في ظل هذه المتغيرات العالمية وخاصة بعد التهديدات الترامبية.
دول العالم أصبحت أمام أسئلة وجودية تستدعي سرعة الاستجابة وإلا فسيكون مصيرها الفناء أو التخلف عن الركب والتراجع إلى مراتب دنيا على أقل تقدير.
ولقد أعلن الرئيس الفرنسي أن بلاده ستستثمر حوالي 109 مليارات يورو على مدى السنوات القادمة في الذكاء الاصطناعي، وأن فرنسا لديها بنية تعليمية وتدريبية وبحثية تؤهلها لذلك وكذلك الدول الأوروبية الأخرى.
(2) أمريكا تتصدر والصين تلحقها وباقي العالم يحاول
تعتبر أمريكا هي الدولة الرائدة عالميا في مجال الذكاء الاصطناعي، بفضل شركات التكنولوجيا العملاقة مثل غوغل ومايكروسفت وميتا وأوبن أيه آي وغيرها من شركات وادى السيلكون، ولديها أكبر عدد من الأبحاث المنشورة وبراءات الاختراع في هذا المجال، تليها الصين التي تهدف إلى أن تصبح الرائدة عالميًّا في الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030، ولديها عدد من الشركات العملاقة في هذا المجال مثل بايدو وتينسنت، وعلي بابا، وسينس تايم، وفور بارادايم وغيرها. ولقد استطاع التطبيق الصيني “ديب سيك” منافسة تطبيق “شات جي بي تي” الأمريكي، وأدى إلى إثارة الذعر والقلق في أمريكا، لأن التكلفة المنخفضة لهذا التطبيق مقارنة بالتطبيق الأمريكي وقيام شركة صينية ناشئة بتقديمه مجانا للعالم طرحا سؤالا حول التكلفة المرتفعة لتقنية الذكاء الاصطناعي في أمريكا وأسبابها غير المنطقية، وهو ما أدى إلى تراجع قيمة أسهم هذه الشركات في بورصة وول ستريت.
بعد أمريكا والصين يأتي عدد من الدول الأوروبية المتميزة في ابتكار واستخدام الذكاء الاصطناعي مثل بريطانيا وألمانيا وغيرهما، ثم تليها دول آسيوية، كما تعد إسرائيل من الدول المتقدمة في هذا المجال. وللأسف ليست هناك دولة عربية في قائمة الدول الرائدة في هذا المجال، لكن هناك توجّه لدى عدد من الدول العربية وخاصة الخليجية للاستثمار في مجال الذكاء الاصطناعي الذي يستخدم على نطاق واسع الآن، ومن المتوقع أن تزيد استخداماته مستقبلا ويعتمد عليه الإنسان في حياته أكثر فأكثر.
(3) الاحتلال قادم على أكتاف الروبوت
كانت القوة البحرية البريطانية من أسباب صعود بريطانيا بداية من القرن الثامن عشر وتكوين إمبراطورية بريطانيا العظمى التي لا تغيب عنها الشمس. قوة الجيش الأمريكي وتفوقه الكمي والكيفي بميزانية هي الأضخم عالميا إذ تعادل ميزانية الجيوش الخمسة التالية له مجتمعة؛ جعلا هذه الدولة هي العظمى عالميا والقادرة دوما على استخدام عصا الترهيب، كما أن اقتصادها القوي والأول عالميا يسمح لها باستخدام الجزرة للترغيب.
الأعداد الكبيرة للقواعد العسكرية الأمريكية في العالم التي تصل إلى نحو 800 قاعدة عسكرية منتشرة في 80 دولة بالعالم جعلت التفوق العسكري الأمريكي كاسحا ولا خلاف عليه، لكن في ظل تطور الذكاء الاصطناعي يمكن لدولة معادية للولايات المتحدة الأمريكية أن تخرج هذه القواعد العسكرية عن العمل باستخدام هجمات سيبرانية تعطل الأجهزة التي تصل بينها من جهة والتي تصلها بالقيادة المركزية في واشنطن من جهة أخري، كما يمكن أن تتحول الأسلحة في يد الجنود الأمريكيين إلى قنابل موقوتة تستهدفهم بدلا من أن تستهدف أعداءهم، كما فعلت إسرائيل مع أجهزة الاتصال “البيجر” التي كانت في حوزة أعضاء حزب الله في سبتمبر/أيلول من العام الماضي وقامت بتفجيرها عن بعد.
الحرب باستخدام الذكاء الاصطناعي ستختلف بشكل كبير عن الحروب التقليدية، وستؤدّي التكنولوجيا دورًا محوريًّا في تحديد الاستراتيجيات، واتخاذ القرارات، وإدارة العمليات العسكرية.
سيتم التوسع في استخدام الأسلحة الذاتية التشغيل مثل الطائرات المسيّرة والروبوتات القتالية ذات الأهداف المحددة، ويمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لشن هجمات إلكترونية على البنية التحتية للعدو، مثل شبكات الطاقة، والاتصالات، والأنظمة المالية وغيرها مما يشل الدولة المستهدفة تماما، كما يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في تصنيع قنابل ومتفجرات موجهة لجينات بشرية بعينها دون غيرها، حيث يمكن تصفية شعب بطائرات مسيّرة وقنابل تسقط من السماء دون الحاجة إلى الاشتباك الميداني على الأرض، وهو ما فعلته إسرائيل جزئيا في تدمير غزة وقتل الآلاف من أهلها وقادة المقاومة، كما أن التجسس سيكون أكثر دقة وفاعلية باستخدام الذكاء الاصطناعي.
أطماع ترامب الاستعمارية التي تحدث عنها صراحة ورغبته في الاستيلاء على كندا وغرينلاند وبنما وغزة وثروات أوكرانيا من معادن نادرة، يمكن أن تتحقق بدون أن يفقد الجيش الأمريكي جنوده ويستنزف خزائن سلاحه باستخدام الذكاء الاصطناعي، الذي سيصبح ثورة في عالم التسليح والحروب مثلما كان استخدام البارود والبندقية في وقت ما في الماضي وأدى إلى تفوق العرق الأبيض الغربي في حروبه لاستعمار دول عديدة في إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية.
أضف إلى كل ما سبق، استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في سلب العقول والوعي وتجييش الناس بمسح إرادتهم الفردية وتحويلهم إلى مجرد تابعين عبر استخدام شرائح تزرع في عقولهم تتحكم فيها كمبيوترات عملاقة تجعلهم مجرد عبيد منفذين لأوامر مبرمج الكمبيوتر المهيمن عليهم، وهذا الجزء بصفة خاصة أحد المجالات التي يعمل عليها الملياردير الأمريكي إيلون ماسك والتي يمكن أن يحول بها الناس إلى مجرد مصفوفات كما جاء في ثلاثية ماتريكس.
التوسع في الاعتماد على العالم الافتراضي في حياتنا، يجعلنا رغما عنا جزءا من منظومة عملاقة تستخدم الخوارزميات لمراقبة سلوكنا والتجسس علينا وتوجيه أفعالنا إلى ما يفيد ملاك الشركات العملاقة العاملة في هذه المجال الذين أصبحوا حقا وصدقا إقطاعيي القرن الحادي والعشرين، وهم يسيطرون على عقولنا ويحولون مسارات حياتنا بما يسمى الترند لنتحول إلى مجرد وقود يحترق ليضيء معبد أرباب هذا العالم الوثني الجديد.