عندما يستسلم العالَم للتطرف

آل غرين قال إن خطة ترامب لغزة وصمة عار وتطهير عرقي
ترامب (رويترز)

لو أن اقتراحًا كان قد صدر عن العقيد الليبي السابق، معمر القذافي، ذات يوم بتخصيص مساحة من الولايات المتحدة الأمريكية، لإيواء المستعمرين اليهود، حلًّا للمشكلة الفلسطينية، لطاردته اتهامات بالجنون ومعاداة السامية، ليس من الإعلام الأمريكي فحسب، وإنما من الإعلام الغربي أيضا، وربما العالمي كله، ولو أن اقتراحًا كان قد صدر عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بشأن مسلمي البوسنة، لترحيلهم إلى المملكة المتحدة، لاجتمع مجلس الأمن الدولي على الفور، لتوقيع عقوبات إضافية على الأمة الإيرانية، ولو أن زعيم أي دولة عربية اقترح استضافة ألمانيا أو فرنسا لأكراد تركيا أو العراق، حلًّا لأزمتهم التاريخية، لتم وضعه في قوائم الإرهاب الأوروبية.

أما عندما يتعلق الأمر بالشعب الفلسطيني، المضطهد والمطارد، على مدى أكثر من سبعة عقود، فتصبح كل الاقتراحات والمؤامرات قابلة للنقاش، ما دام الطرف الآخر هو إسرائيل، أو الولايات المتحدة الأمريكية، فما بالنا عندما يتعلق الأمر بالصهيونية العالمية، التي استطاعت بالفعل إقناع العالم، ذات يوم، بإنشاء دولة على أنقاض أخرى في الأراضي الفلسطينية، وما زالت حتى الآن تطارد ما بقي من الشعب صاحب الأرض، تحت سمع وبصر المنظمات الدولية، والعواصم العالمية، ودول الجوار المعنية بالشأن الفلسطيني، على اعتبار ما يمثله لها من عقيدة دينية، وأهمية قومية، ودواع أمنية.

الحقيقة المؤكدة، هي أن ما هو مطروح أمريكيًّا الآن، بشأن انتزاع الشعب الفلسطيني من أرضه، سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية، ليس ضربًا من التطرف فقط، أو الشطط السياسي، بل هو ضرب من الجنون، يصل إلى حد الإرهاب المعلن، الذي تجب مواجهته بما يتناسب مع حجمه، وليس بمجرد استنكار من هنا، أو إدانة من هناك، على اعتبار أننا أمام نازية جديدة، تتجه بالعالم نحو منزلق خطير، يمكن أن يعصف بالأخضر واليابس، اعتمادًا على القوة العسكرية، التي أطلق عليها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب: سلطة الولايات المتحدة، في معرض رده على سؤال بشأن السلطة التي يستند إليها في الاستيلاء على أراضي الفلسطينيين.

فلسطين مجرد بداية

ولأن العالم الغربي لا يمكن التعويل عليه، في نصرة الحق الفلسطيني، انطلاقًا من سوابق تاريخية، ومعطيات حالية، تصبح القضية الفلسطينية الآن في إطار الطرح الحالي، رهنًا بالموقف العربي، الذي يجب أن يضع في الاعتبار أن فلسطين مجرد بداية، في سلسلة الأطماع الصهيونية، المعلنة بالخرائط والتصريحات، والممارسات على أرض الواقع، وإلا لما استولت إسرائيل على أراض سورية جديدة، فضلا عن هضبة الجولان المحتلة، لمجرد أن واتتها الفرصة لذلك، وها هي تقيم هناك الآن أربع قواعد عسكرية، في إشارة إلى أنها لا تنوي الانسحاب منها يومًا ما، وتحاول ممارسة الحالة نفسها في الأراضي اللبنانية، من خلال المماطلة في الانسحاب، الذي نص عليه اتفاق وقف القتال، بل وإقامة منشآت عسكرية أيضا.

من هنا، تأتي أهمية القمة العربية الطارئة، التي دعت إليها مصر، في الثامن والعشرين من هذا الشهر، لمناقشة هذه الأوضاع الملتبسة، التي وضعت القادة العرب، في موقف لا يحسدون عليه أمام شعوبهم وضمائرهم في آن واحد، وعلى الجانب الآخر أمام مستقبلهم، إذا وضعنا في الاعتبار أن هناك من يرى أن ذلك المستقبل رهن بالرضا السامي الأمريكي، أو الموافقة الأمنية الإسرائيلية، وهو ما جعل الشعوب لا تأبه في معظم الأحوال، لاجتماع هنا، أو قمة هناك، حتى لو كانت طارئة، تتعلق بأخطر ما يهدد أمن بلدانهم واستقلالها، على المديين القريب والبعيد على السواء.

الغريب في الأمر أن هناك، بين العواصم العربية، وإعلامييها وسياسييها ومثقفيها ومحلليها، من يتعاملون مع الطرح الأمريكي، بشأن ترحيل مواطني غزة عن وطنهم، على أنه رؤية قابلة للنقاش أو التطوير، كما أن هناك من يدرس ويبحث، ومن يحاور ويناور، ومن يلتقي المسؤولين الأمريكيين للاستماع والإذعان، ومن يتعامل معها على أنها بمثابة مشروع استثماري أو عقاري، ترديدًا لذلك الهذيان، الذي نخشى أن يصبح محلًّا للنقاش أو المساومة في القمة المزمعة، يمكن البناء عليه بأي شكل من الأشكال، في غياب خطاب رسمي حازم، يتصدى لذلك الذي يردده الرئيس الأمريكي بشكل يومي، رغم خروجه عن المنطق واللياقة، وكل أصول العمل السياسي والدبلوماسي.

الشعوذة تحكم العالم

ربما كانت مصادفة مهمة، أن تزامن إعلان ترامب أطماعه الشخصية في قطاع غزة، الذي يبعد نحو 14 ألف كيلومتر عن الولايات المتحدة، مع إعلان أطماع بلاده في جزيرة غرينلاند الدنماركية، أو قناة بنما في أمريكا الوسطى، أو دولة كندا في أمريكا الشمالية، أو أطماعه في جزء من مداخيل نفط وثروات بلدان خليجية، وهو ما أكد للعالم من أقصاه إلى أقصاه، أننا أمام مرحلة تاريخية فاصلة من الهذيان والتطرف في آن واحد، يمكن أن تقود إلى حرب عالمية لا تبقي ولا تذر، تعيد بنا الذاكرة إلى الزعيم النازي أدولف هتلر، الذي كلف العالم نحو 50 مليون قتيل، وعاد به عشرات العقود إلى الخلف والتخلف.

أعتقد أنه إذا كان هناك بين قادة الصهيونية العالمية، من يردد أن ترهات ترامب، هي بمثابة أفكار خارج الصندوق، فإن المنطقة العربية في حاجة إلى طرق للمواجهة خارج الصندوق أيضا، تعتمد على الدخول في تحالفات خارجية مناوئة، ووقف فوري للتطبيع مع الكيان الصهيوني، والتلويح بإعادة النظر في العلاقات مع إدارة ترامب تحديدًا، بما يفشل كل المخططات، التي بدا أنها مستمدة من تلموديات مزيفة، تم إقناعه بها، تتعجل نهاية العالم، لظهور ما يعرف بالمسيح الدجال، أو حتى السيد المسيح، أو أي شيء من هذا القبيل، الذي يشير إلى أن العالم أصبح محكومًا بغيبيات وطقوس وشعوذة ومخابيل في صورة منظرين أو مسؤولين.

وقد يكون مقبولًا استساغة وجود جماعات، أو تنظيمات متطرفة، أو إرهابية، أو حتى شيطانية تنطلق من عوالم خفية، ذلك أنه يمكن مواجهتها في كل الأحوال، وقد مر العالم عبر التاريخ، بالكثير من هذه المعتقدات والجماعات، إلا أن الأمر يصبح على قدر كبير من الخطورة، حينما نجد أنفسنا أمام أنظمة سياسية كبرى، تهيمن على العالم، تمتلك الكثير من أسلحة الدمار، تمارس الطقوس والأفكار نفسها التي تعتنقها مثل تلك التنظيمات أو الجماعات، وهو ما يجب أن ندق له ناقوس الخطر على وجه السرعة، ولو تعلق الأمر بأي مكان على كوكب الأرض؛ ذلك أن الاستسلام لذلك التطرف والعبث بطرد الشعوب من أوطانها، تحت عناوين الريفيرا والجمال والاستثمار، هو الشر المطلق، وسوف يمثل الاستسلام له، خيانةً مطلقة أيضا.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان