ترامب وسنواته الأربع!

“نحن إزاء رجل بغيض ملئ بالكراهية، لا أرى فيه الحد الأدنى من الخير، وكل شيء فيه فاسد، إذا فاز في الانتخابات الرئاسية فهناك أشياء ستحدث لا أحد بوسعه تصورها، إنه نرجسي خبيث مضطرب عقليًا واجتماعيًا، إلى حد أنني لا أتصوَّر أن بوسعي تجسيد شخصيته”.
هكذا قال النجم الأمريكي الحائز على جائزتي “أوسكار” و”غولدن غلوب”؛ روبرت دي نيرو، في حوار تلفزيوني، واصفًا الرئيس ترامب إبّان الانتخابات الأمريكية الماضية.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالنفط والغاز في مصر.. تراجع الإنتاج ونمو الاستهلاك
المعارضة التركية وأزمة الاستقواء بالخارج
لعبة السياسة في تركيا.. “غلطة الشاطر بألف”
لك أن تتخيَّل، أن دي نيرو الذي بدأ مسيرته الاحترافية، منذ عام 1968، فجسَّد على مدى أكثر من نصف قرن، كل الأنماط الإنسانية، ومنها أكثر نماذج الشر المُركَّبة تعقيدًا، على غرار رجل العصابات آل كابوني مثلًا، يرى أنه لا يقدر على تأدية شخصية الرئيس الأمريكي، لما تمتلئ به من شرور.
ولك أن تتخيل أيضًا، أنه أطلق هذه الآراء على الملأ، دون أن يمسه ضر، أو يُهشِّم زوار الفجر باب منزله، ولم يختفِ قسريًا في سرداب مظلم تحت الأرض، كما يحدث في عالمنا العربي البائس، جراء التفوه بكلمات أدنى من ذلك، وأحيانًا جراء “بوست” هزلي ساخر على شبكات التواصل.
لكن بغض النظر عن هذه المفارقة، فإن كلام دي نيرو، لا يؤخذ باعتباره مجرد كلام مرسل، لشخصية عامة تناهض ترامب، في مجتمع لا يزال أصحاب الرأي الآخر فيه قادرين “على الأقل حتى الآن”، على الإفصاح عن ما في صدورهم، من دون أن يُنكّل بهم.
ابنة أخ ترامب: إنه معتل اجتماعيًا
قبل دي نيرو، كانت ماري ترامب ابنة أخ الرئيس، وهي اختصاصية نفسية، قد نشرت كتابها “فن الصفقة”، فخلصت فيه إلى أن عمها “معتَّل اجتماعيًا”.
وبطبيعة الحال فإن الرئيس الأمريكي، وكما هو معهود عنه من سرعة الاستثارة فإنه يغض طرفه عن الوصف القاسي، وإذا به يرد من فوره: “أعتقد أنني عبقري ومستقر جدًا على المستوى العقلي”.
لا يَخفى بالطبع حجم النرجسية في رد الرئيس، الذي أدى صعوده المباغت إلى مسرح السياسة الدولية عام 2016، إلى نشوء علم يسميه بعض المختصين تَفَكُهًا بـ”الترامبولوجي”، ونطاق اهتماماته يتمثل في تحليل سمات ترامب الشخصية على نحو خاص.
في سياق “الترامبولوجي”، ثمة دراسات سيكولوجية رصينة تناولت السمات الرئيسة لشخصية الرئيس، الذي يستحوذ على مفاتيح الحقيبة النووية، وجميعها تؤيد ما قاله كل من النجم الكبير وابنة أخيه.
من هذه الدراسات دراسة أكاديمية مشتركة، لجامعة “سانت جون” وكلية “سانت بنديكت”، نُشرت في يوليو/تموز من عام 2020، تحت عنوان: “أسلوب قيادة الرئيس الأمريكي دونالد جيه ترامب”، وأجراها الباحثان أوبري إميلمان وآن ماري، عبر اتباع منهج التقييم غير المباشر المنسوب لعالم الشخصية ثيودور ميلون.
بعد سلسلة من جمع البيانات ذات الصلة بالسيرة الذاتية، وتقارير وسائل الإعلام، وتحليل خطابات ترامب، انتهت الدراسة إلى أنه يتسم بـ”الطموح الجامح والأناني إلى درجة انتهازية، كما أنه متحكَّم لا يخلو من العدوانية، وشكاك متقلب المزاج، ويكره الروتين، وكثيرًا ما يتصرف باندفاع، مع ميل إلى الالتفاف على القانون”.
غني عن البيان أن هذه الاستخلاصات، وعلى رأسها الانتهازية والعدوانية، تحيلنا بالضرورة إلى الضغوط التي يمارسها ترامب حاليًا على القاهرة وعمَّان، سعيًا إلى إرضاخ العاصمتين الحليفتين لأحلامه باستيعاب الغزيين بعد تهجيرهم من أرضهم، وفق ما سمّاه “التهجير الطوعي”، وهو مصطلح لم يسبقه إليه أحد من الأولين والآخرين.
يمارس “المقاول الرئيس” إذن السياسة حسب قواعد البيزنس، بطريقة تجمع بين الانتهازية والعدوانية، فإذا به يضغط ويبتز ويلوّح بالعصا والجزرة، ومن ثم يبدأ التفاوض بعد استنزاف خصمه عصبيًا.
بُعيَّد فوزه بالانتخابات مباشرة، قرر ترامب رفع الجمارك على الصادرات الصينية بنسبة 60% ثم سرعان ما خفَّضها إلى 10%، وهو الأمر الذي فسرته الصحافة الأمريكية بأنه ينم عن رغبته في تدشين مفاوضات مع التنين الأصفر، من منطلق “أنه الأقوى”.
مسألة القانون الدولي ليست في الحسابات، وقد تبدى ذلك جليًا حين رد على سؤال لصحفية أمريكية، حول الشرعية التي سيستند إليها لتهجير الغزيين قائلًا: “الشرعية الأمريكية”.
كذلك يتصرف كل نرجسي مهووس بذاته، مغرور بقوته الباطشة، لا يمد بصره ليرى العالم من حوله.
شهادات علماء النفس عن “حالة ترامب العقلية” جميعها تؤكد ذلك أيضًا، ومن أكثرها دلالة ووضوحًا ما أدلى به مجموعة منهم في “فيلم” وثائقي أمريكي، جرى بثه عام 2020، كان عنوانه “غير مؤهل”.
3 عوارض للنرجسية
العلماء قالوا إن ترامب يعاني بشكل فادح من ثلاثة عوارض رئيسة لـ”النرجسية الخبيثة”، التي اعتبروها اضطراب الشخصية الأكثر تدميرًا، وتتمثل أبرز تلك العوارض في “البارانويا” أي جنون العظمة، والسادية أي التلذذ بإيلام الآخرين، وأخيرًا إضمار العداء للقواعد والأعراف القانونية والاجتماعية.
في ضوء ما أصبح مؤكدًا من “اضطراب ترامب”، ليس ثمة شك في أن تصريحاته بتهجير الغزيين، تغدو أكثر خطورة مما تبدو في ظاهرها، إذ تتخطى الانحياز الأمريكي المعهود لتل أبيب، لتصير تماهيًا “شعبويًا متعصبًا” في التيار اليميني الأكثر تطرفًا في حكومة الاحتلال، والأخطر أن رفض الاستجابة لتلك التصريحات، سيعني “خدش نرجسية” الرجل الذي يميل إلى القسوة لإنهاء “صفقاته”.
في المشهد الأخير من “فيلم” (غير مؤهل) وصف عالم النفس الأمريكي جون غارتنر الرئيس ترامب قائلًا: “أمثال هؤلاء القادة يظهرون على مدار التاريخ، وهم مدمرون بشكل غير اعتيادي، ومنهم هتلر وستالين وموسوليني”، مضيفًا “صحيح أن الأمر ليس بمستوى هتلر من السوء، لكن التشخيص واحد، وأنا أتحدث لأن واجبي الأكاديمي أن أحذر الشعب الأمريكي”.
أغلب الظن أن قادة العرب في حاجة إلى تدبر هذا التحذير الخطر، إذا كانوا يرغبون بحق في أن يكبحوا جماح “هتلر البيت الأبيض”، أو قل “أدولف ترامب”، خلال سنواته الأربع الرئاسية، التي ستكون شديدة الوطأة عليهم جميعًا، سواءً كانوا حلفاء معتدلين أو خصومًا متشددين، بحسب الموازين الأمريكية الجائرة.
حتى الآن لم ينفذ ترامب شيئا من تصريحاته، لكن ذلك لا يعني أنها تصريحات للاستهلاك الإعلامي يلجأ إليها رجل تقول أكثر من دراسة سيكولوجية منها دراسات أمريكية إنه نرجسي محب للظهور.