صلبوه وعذبوه حتى الموت.. لماذا قتل الأهالي الشاب العشريني؟

أثارت واقعة تعذيب بشعة لشاب عشريني مصري حتى الموت على أيادي آخرين، اتهموه بسرقة “فلتر” سيارة، استهجانا وغضبا واسعا في الشارع المصري. وجادل قطاع من الجمهور، مؤيدا ضرب الشاب وتعذيبه بحجه أنه سارق. الواقعة جرت قبل أيام قليلة في قرية “كوم الفرج” بمركز أبو المطامير في محافظة البحيرة شمال غربي مصر، إذ قام سائق وابنا شقيقه من أهالي القرية ذاتها بالقبض على عبد اللطيف محمد عبد اللطيف (21 عاما)، ثم اقتادوه، لماذا؟ بحجة أنه “لص”. والده خرج في مقطع فيديو، أبكى الكثيرين. روى القصة بأن ابنه تناول معه العشاء، وخرج لشراء سجائر، ولم يعد، مما أثار قلقه. في الصباح، فوجئ بالجيران يبلغونه بأن أشخاصا ألقوا جثمان ولده أمام الباب، فسارع به إلى “المستشفى”، ظنا أنه مُغمى عليه، ليفاجأ بأنه متوفى، متأثرا بجروح متفرقة، ونزيف حاد بالمخ. وزارة الداخلية ألقت القبض على المتهمين الثلاثة، الذين برروا فعلتهم الشنعاء بأنه حاول سرقة “فلتر” سيارة، فأمرت النيابة العامة بحبسهم أربعة أيام على ذمة التحقيق.
حبال المحاكم الطويلة.. وتنفيذ الأحكام
قتل الشاب على هذا النحو يدق أجراس الخطر، فالواقعة كاشفة عن خلل جسيم في التفكير الجمعي، لكونها مؤشرا على تزايد حالات لجوء المواطن المصري إلى القصاص لنفسه، بيديه من خصمه، أو ممن يختلف معه، أو يعتقد أنه ظلمه أو اغتصب حقه. فهناك الكثير من جرائم الضرب والقتل في هذا السياق، ناتجة عن قناعة بأن القانون لن يأتي للمواطن بحقه، وأن “المحاكم حبالها طويلة”. فإجراءات “التقاضي” بطيئة، وتكلفته مرتفعة، وربما تستمر التحقيقات وقتا طويلا، لتباطؤ إجراءات الضبط والتحري. ثم إذا حوكم الجاني فقد يفلت بجريمته، نتيجة التأخر في تنفيذ “الأحكام الجنائية”، إما لتراكم أعداد كبيرة منها بما يفوق طاقة الشرطة المعنية بالتنفيذ، أو للتقاعس في بعض الحالات، بما يستدعي إصلاحا لهذه المنظومة.
هناك نسبة غير هينة من المجتمع المصري تتعاطى مع اللصوص بـ”سلوك مخالف للقانون”، لكنه يمر دون حساب أو عقاب، فالكثير من عابري السبيل يتطوعون لضرب اللص حال ضبطه في الشارع متلبسا بالسرقة، أو حتى لو نادي منادٍ مشيرا إلى أحد المارة بأنه “حرامي”. في بعض الحالات يتدخل أحدهم ليحول بينهم وبين السارق، طلبا لتسليمه إلى الشرطة. لا يصل الأمر إلى الضرب العنيف للسارق حتى الموت، كما حدث مع قتيل البحيرة، فالسارق يتلقى بعض الضربات أو الركلات، والمعايرة بأنه “حرامي” دون القتل. المشكلة هنا أن الذين يتطوعون بضرب السارق، لا يُحاسَبون على هذا الاعتداء المخالف للقانون، فالشرطة تهتم بإلقاء القبض على السارق، ولا تنشغل بالمعتدين عليه وضاربيه، بما يوفر انطباعا بحق المواطن في النيل من اللص، سبا وشتما وضربا بما يتيسر من اللكمات أو الصفعات على الوجه أو الركلات.
لماذا لم يسلّموه إلى الشرطة؟
إذا عدنا إلى قضية مقتل الشاب عبد اللطيف في أبو المطامير، فلماذا وصل الجناة القتلة إلى هذه الدرجة من التجبر والبشاعة ضربا وتعذيبا وسحلا مدة 12 ساعة كاملة؟ لماذا لم يسلّموه إلى الشرطة، خاصة أنهم يتهمونه بمجرد “محاولة” سرقة فلتر سيارة (قيمته أقل من 10 دولارات)؟ كيف لهم التيقن من أنه كان سيسرق فعلا الفلتر؟ ولماذا منحوا أنفسهم الحق بأن يؤدوا أدوار الشرطة والنيابة العامة والقاضي والحكم بإدانة الشاب بالسرقة؟ وكيف لهم تعذيب الشاب حتى الموت عقابا على السرقة المفترضة، ليكونوا قد قاموا بكل الأدوار من أول الضبط حتى الإدانة بدلا من القاضي، بل وتنفيذ الحكم بالإعدام تعذيبا؟ في مقطع الفيديو الذي بُث على مواقع التواصل والمنصات الصحفية الإلكترونية، بدا والد القتيل رجلا من بسطاء الناس، وحالته ليست متيسرة. وقال إن ابنه طلب منه نقودا لشراء سجائر، فأعطاه عشرة جنيهات (بالكاد تشتري سيجارتين)، بما يعني معاناتهم من الفقر.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsانسحاب الأهلي وعلاقته بإعلان أبو تريكة
الأديب التركي سزاني قراكوج: كيف نحقق البعث الإسلامي؟!
في ليلة القدر.. متى تعود الأمة ذات قدر؟
بطبيعة الحال، فالفقر في الأسرة غالبا ما يكون مصحوبا بنوع من الضعف، وربما الهوان على “بعض الناس” الذين يرون أنفسهم أقوياء أو أحسن حالا. لذا، لا يخشون بأس أهل الشاب الضحية. ومعلوم أن بعض الناس لديهم ميول عدوانية كامنة في أعماقهم، قد تكون متراكمة ناجمة عن عنف أسري في التربية، أو ربما لكثرة ضغوط الحالة الاقتصادية، وعدم القدرة على تلبية مطالب الحياة، أو لوقوع ظلم عليهم من آخرين أقوى وذوي حيثية. لذا، فمثل هذه الميول قد تكون متوافرة لدى القتلة، فوجدوا في الضحية المسكين (حتى لو كان لصا) ضالتهم لتفريغ هذا العدوان المكبوت لديهم، تعذيبا للشاب، و”سادية” تمنحهم شعورا وقتيا بالقوة والسيطرة، عوضا عن الهوان الذي ينتابهم أمام الأقوى منهم.
الفوضى.. والانتصار الزائف
غاب عن الجناة القتلة، وهم يستأسدون على ضحيتهم، بعد أن أدانوه وحكموا عليه ونفذوا فيه “الإعدام” بالموت البطيء على مدار 12 ساعة، ماتت خلالها قلوبهم، وغابت عقولهم، وأسكرتهم نشوة هذا الانتصار الزائف. إننا بحاجة إلى قيام أجهزة التعليم والتربية والثقافة والأسرة بالتوعية بأن المتهم بريء حتى إدانته قضائيا، وأن المواطن عليه فقط الإبلاغ عن الجريمة أو “مرتكبها” وليست محاسبته، حتى لو كان متلبسا بالجريمة. أخشى أن تكون جريمة قتل الشاب المنسوبة إليه سرقة فلتر هي التطور الطبيعي للتساهل وترك اللص فريسة للمواطنين، دون محاسبة المعتدين منهم عليه. نختم بأن شيوع فكرة لجوء المواطن إلى نيل ما يظنه حقا له بيديه، يقود إلى “الفوضى” التي هي أشد خطرا من المجرمين واللصوص على الجميع.
نسأل الله السلامة لمصر.