ماذا هم فاعلون بالمقاومة؟

خلّفت كلمات البيانات الرسمية ردا على طلب الرئيس الأمريكي ترامب تهجير الفلسطينيين والدعوة إلى قمة عربية إسلامية طارئة بالقاهرة في 27 فبراير/شباط الجاري 2025، المقدرة من أوساط غير رسمية؛ سؤالًا يستحق الاهتمام بدوره وهو: ماذا هم فاعلون بالمقاومة؟
اليوم تقود حركة المقاومة الإسلامية (حماس) الكفاح الوطني الفلسطيني المسلح والمشروع بمقتضى المواثيق والأعراف الدولية ضد احتلال عنصري استيطاني إحلالي صهيوني. وهذه حقيقة يستحيل أن يتنكر لها من أحب الحركة والإسلاميين أو من كرهها وكرههم.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsانسحاب الأهلي وعلاقته بإعلان أبو تريكة
الأديب التركي سزاني قراكوج: كيف نحقق البعث الإسلامي؟!
في ليلة القدر.. متى تعود الأمة ذات قدر؟
وبين 1965 واتفاقات أوسلو 1993، كانت منظمة التحرير الفلسطينية، وفي صدارتها حركة فتح، في قيادة هذا الكفاح. واعتبارا من عام 1974 حازت وما زالت اعترافا من النظامين العربي والدولي ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني.
مفارقة عدم
الاعتراف بالمقاومة المسلحة
المفارقة الآن، هي هذا الاعتراف المتزايد بحماس بوصفها قيادة لكفاح الشعب الفلسطيني بين أوساط عربية وعالمية غير رسمية، وليس فقط بين أبناء الشعب الفلسطيني. وحتى من اليهود الأمريكيين، حيث أظهر استطلاع رأي أعلنت نتائجه وزارة شؤون الدياسبورا (الشتات) الإسرائيلية في 22 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي تعاطف 37% ممن هم بين 15 و18 سنة، منهم مع حماس.
الكل يعلم أن حماس جاءت أولا في الانتخابات التشريعية 2006 الوحيدة بالضفة وغزة والقدس الشرقية. وللأسف يظل كل كلام عن إنجاز المصالحة الوطنية مع السلطة وفتح “جعجعة بلا طحن”. لكن النظام الرسمي العربي يتمسك بالإبقاء على حماس خارج أبواب اجتماعاته تماما، واحتكار المنظمة (فتح) سلطة أوسلو (محمود عباس) للاعتراف والتمثيل والحضور.
قد يكون هناك منطق مقبول في الحرص على تمثيل يتجاوز حكم قطاع غزة والحفاظ على اعتراف دولي منذ السبعينيات، إلا أن الاستمرار في هذا الموقف يعني مراعاة لوصم واشنطن وتل أبيب لحماس ومجمل المقاومة الفلسطينية بالإرهاب.
تختفي المقاومة عموما من بيانات ومقررات جامعة الدول العربية على مدى عقود، مقابل حضور من زاد في عرابين اعتماده عند المستعمرين المحتلين الإباديين ورعاتهم وحلفائهم بإعلان قرار قطع الدعم المالي المخصص لأسر شهداء وأسرى مقاومة المحتل قبل أيام.
إنكار مزمن
لا مؤشرات حتى بعد هجوم طوفان الأقصى البطولي وحرب الإبادة على غزة على تغيير سياسة وخطاب ينكر المقاومة ويسقطها، حتى من بلاغة خطابه الرسمي. والشاهد بيان ومقررات القمة العربية الإسلامية السابقة بالرياض في 11 نوفمبر/تشرين الثاني، الخالية من كلمتي “مقاومة” و”حماس”، وبيان مجلس وزراء الخارجية العرب في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2023 الذي يساوي بين المقاومة وحماس وبين إسرائيل.
الانتقال إلى شراكة
القضاء على المقاومة علنا
وثمة اليوم ما يدعو إلى التحسب والتفكير في “طبخة ” أو أكثر مطلوبة من القمة المقبلة كي ينتقل النظام العربي الرسمي جهارا نهارا من التنكر لمقاومة الاحتلال وشرعيتها وحصارها إلى المشاركة علنا في القضاء عليها واجتثاثها، والفصل بينها وين ناسها، وتحت غطاء حماية الشعب الفلسطيني من عواقب “حماقاتها”، مع ضغوط أمريكية لتبني الربط بين التخلص من حماس والمقاومة وإعادة إعمار غزة.
وخلال الأيام القليلة الماضية، لم ينتظر السيد أحمد أبو الغيط الأمين العام للجامعة العربية، ولو الاحتفاظ بأوراق للمساومة في توقيت مناسب، فقال: “على حماس التنحي عن غزة إذا اقتضت المصلحة الفلسطينية ذلك”.
كما صعدت شخصيات تشغل مناصب على قمة النظام الإعلامي العربي، وبالقاهرة، من الهجوم على حماس، فنهتها عن الاستمرار في ادعاء النصر وحملت المقاومة مسؤولية معاناة الشعب الفلسطيني لا الاحتلال وإرهابه.
مواجهة الواقع “لا واقعية الوقوع والسقوط”، تتطلب إدراك استغلال خصوم مقاومة الشعوب للاحتلال الأجنبي وظلم استبداد وفساد احتكار السلطة والثروة بالداخل إحدى نقاط ضعف حماس والمقاومة، التي انكشفت بقوة مؤخرا، وهي العجز عن حماية المدنيين من العدوان.
خطر مزدوج
التهجير وشطب المقاومة
هذه إذن هي اللحظة الحرجة الآن، ومخاطرها وتحدياتها المزدوجة بين مشروع تهجير قسري “ترانسفير” آخر للشعب الفلسطيني وشطب مقاومته، تتقدمها حماس. وهذا لأنه فوق كل ما سبق، يعاني النظام الرسمي العربي منذ عقود المزيد من الضعف والهشاشة إزاء الضغوط الخارجية، جراء الاعتماد المتزايد على معونات وقروض الرأسمالية العالمية بقيادة واشنطن وحمايتها.
صحيح أن قطاعات واسعة من الجمهور العربي تحمد لبعض أركانه اليوم الجهر بالاعتراض على طلب ترامب المشاركة في تهجير قسري “ترانسفير جديد”. لكن هل يمكن الرهان وبثقة تامة على صلابة هذا الاعتراض؟ أو منع القبول بخيارات استعمارية أقل من “الترانسفير”، لكنها تحمل المزيد من التراجع عن الحقوق السياسية لفلسطين، ونزع سلاح مقاومتها.
في هذا السياق، لا يمكن التغافل عن حرص مكونات رئيسة بالنظام العربي على تجنب الصدام مع واشنطن وتل أبيب، أو الذهاب بالخلافات إلى حد يهدد استقرارها ووجودها ويرفع الحماية عنها، ويضحي بمصالح وعلاقات البزنس التي تجمع بين قوى سياسية اجتماعية عندنا مع الرأسمالية العالمية المتوحشة.
وهل نتغافل عن تراجع مستوى الردود الرسمية والدبلوماسية العربية على حرب الإبادة على غزة؟ وإلى دون مستوى مراجعة التطبيع الدبلوماسي والاقتصادي، كما حدث خلال انتفاضة الأقصى قبل نحو ربع القرن.
ترحيل من
القاهرة “بالبيجامات”
من أجل فهم هذه اللحظة الحرجة للعالم العربي والقضية الفلسطينية، نتذكر عيوبا بنيوية تاريخية كامنة داخل هذا النظام في تعامله مع المقاومة.
قبل نحو ثمانية أعوام، قالت لي السيدة هيلدا أرملة جورج حبش مؤسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في حوار من تونس نشرته الأهرام في 23 فبراير/شباط 2017 عندما سألتها عن فترة إقامة الأسرة بحي المنيل في القاهرة بين 69 و1970 إنها لم تخل من منغصات، على الرغم من التقدير المتبادل والإنساني بين عبد الناصر وحبش. وأشارت إلى مراقبة أمنية للمسكن، وترحيل طلاب ينتسبون للجبهة بملابس النوم (البيجامات) من مطار القاهرة.
ولو شئنا التجريد واستخلاص السمات العامة، لقلنا إن الأنظمة العربية منذ 1948 على اختلاف ما تقوله اعتمدت، حتى قبل حماس، التعامل مع المقاومة الفلسطينية بقواعد حاكمة تشوش على التضامن والدعم والمساندة، من بينها:
- هاجس الخوف من دفع أوضاعها الداخلية إلى حالة ثورية (تثوير المجتمعات)، تربك وتضر بموازين القوى مع مواطنيها، وعلاقاتها الإقليمية والدولية. وفي البال أن المظلومية الفلسطينية تعمل بمثابة شرارة أو قادح للتمرد والثورة على المظالم كافة بالمجتمعات العربية.
- الاحتواء والتوظيف واستخدام تنظيمات وقيادات المقاومة ورقة بين أوراق قوتها وتفاوضها مع القوى الإقليمية والدولية، وهو ما أسفر عن صدامات بين المقاومة وأنظمة عربية، اتخذت طابعا مسلحا عنيفا كما في الحالتين الأردنية والسورية، وكذا اللبنانية مع مراعاة طبيعة السلطة في بيروت والانقسام السياسي المجتمعي حول المقاومة. ولم يخرج في حالات أخرى، مع النظام المصري مثلا، عن سقف التضييق الأمني المخابراتي والأزمات السياسية العلنية والمكتومة دون اللجوء للسلاح، والحمد لله.
*
عندما يرتفع منسوب الأمل بالقمة العربية هذه المرة، فهذا لا يعني زوال انعدام الثقة بها وبنتائجها وتأثيرها تماما. وعندما يبدأ التمهيد بالقصف الإعلامي الدعائي من داخل النظام الرسمي العربي ضد مقاومة الاحتلال، فهذا يستدعي المزيد من التفكير والحذر. لذا يتعين التحسب لضغوط أمريكية إسرائيلية نحو صفقة مقايضة تأجيل تهجير إجباري واسع النطاق بشطب المقاومة.
فماذا هم فاعلون بالمقاومة؟