من صلاح إلى مرموش.. لماذا ينجح المصري بالخارج أكثر من نجاحه في بلده؟!

عمر مرموش (غيتي)

منذ السبت الماضي وعمر مرموش اللاعب المصري المحترف في نادي مانشستر سيتي الإنجليزي حديث الإعلام الرياضي في بريطانيا والعالم بسبب الأهداف الثلاثة (هاتريك) التي أحرزها في فريق نيوكاسل يونايتد خلال 14 دقيقة فقط من عمر الشوط الأول، وقد صعدت هذه الأهداف بفريقه إلى المركز الرابع بالدوري.

هذه المباراة كانت الثالثة التي يشارك فيها مرموش مع السيتي الذي انتقل إليه من ناد ألماني هذا العام، واستمراره بهذا المستوى يساهم في الدفع بفريقه إلى الأمام للمنافسة على الفوز ببطولة الدوري التي حصل عليها 10 مرات.

الحديث عن تألق مرموش لم يتوقف، وجرى وصفه بأنه ملك جديد يسير على طريق الملك العتيد ابن بلده محمد صلاح المحترف في ليفربول الإنجليزي أيضا، الذي يُقدم موسمًا كرويًّا مذهلًا.

وإذا استمر الأداء الرائع للهداف صلاح فإنه سيقود فريقه للتويج بالدوري الإنجليزي، وإذا فاز ليفربول بدوري أبطال أوروبا أيضًا بجهود وأهداف وتمريرات صلاح الساحرة فإنه سيكون الأكثر جدارة بالحصول هذه المرة على الكرة الذهبية باعتباره أحسن لاعب في العالم.

صلاح هذا الموسم هو النجم العالمي الأفضل بين مجموعة النجوم الكبار، وأظن أن ليفربول في حيرة شديدة حيث لم يحسم قراره بتجديد عقده، ويرجع ذلك غالبًا إلى اقترابه من إتمام عامه الـ33، لكن هناك أندية أوروبية كبيرة تريده، والأندية السعودية تكافح للحصول على توقيعه لواحد منها مقابل عقد مالي غير مسبوق.

هذا المقال ليس تحليلًا أو نقدًا رياضيًّا، فهذا شأن المتخصصين، علمًا بأن التخصص في الأنشطة الرياضية والفنية، بل في المجالات الإنسانية كلها، لم يعد حكرًا على كتاب بأعيانهم ذلك أن المتابع الذي يمتلك عينًا ذكية وعقلًا واعيًا بمقدوره التفكير والتحليل والكتابة والحديث بشكل مقنع وواقعي، وربما قريب مما تنتجه قريحة المتخصص.

اسمان يملآن العالم

إذا كان عنوان المقال يتضمن اسمي محمد صلاح وعمر مرموش فليس معنى ذلك أن النجاح المقصود بالخارج حليف الرياضيين وحدهم، ولا يعني أن النماذج المتميزة هم اللاعبون فقط، إنما القصد أن الخارج هو ساحة التميز والانطلاق والنبوغ لمصريين وعرب كثيرين في مختلف فروع العلم والمعرفة.

والواقع أن اسمي صلاح ومرموش يملآن العالم، فالأول نجم كبير قديم معروف، والثاني نجم صاعد أمامه فرصة لصناعة تاريخ كبير، ودون تزويق للكلام فإن نجوم كرة القدم والفن يحظون بشهرة واسعة، ولهم جاذبية خاصة لدى الجمهور ولو لم يكن لهم وزن ثقافي وفكري وسياسي مثلًا، وهذا حاصل في مختلف بلدان العالم.

العلماء هم الصفوة

لكن هذا لا يقلل من شأن وقيمة العلماء والمفكرين والأدباء، فهم الصفوة، وهم أصحاب المواهب والإبداعات البحثية والإنسانية، وهم الذين يشيدون قواعد الحضارة ويرتفعون بها إلى أعلى، وهم قاطرة النهوض والتطور بما يقدمونه من اختراعات وابتكارات علمية وإنتاجات أدبية وثقافية وفنية تهذب النفوس وترتقي بالوجدان.

العلماء هم البنّاؤون للإنسان عقلًا وفكرًا ومشاعرَ، وإذا ترافق ذلك مع توفر الحريات والمناخ السياسي المنفتح والنظام الديمقراطي الجاد فإن هذه المنظومة العلمية والإنسانية والسياسية ستصنع بلدًا وشعبًا متقدمًا متحضرًا يصعب أن يسقط أو يهدَّد أو يواجه أزمات تتعقد دون حلول، كما هي الحال في الغرب، وفي كل بلد يسير على هذا الطريق الوحيد الآمن.

المناخ الطارد

رياضيون مصريون يهربون من منتخباتهم خلال المشاركات الخارجية في بطولات دولية، وآخرون يغادرون مصر، وهؤلاء ينضمون إلى فرق دول أخرى، ويلعبون تحت أعلامها، ويحققون نتائج متميزة تُسجل للبلدان التي استقبلتهم ومنحتهم حقوقًا كاملة وأحسنت التعامل معهم وهو ما قد يفتقدونه في وطنهم الأصلي الذي يصير طاردًا لهم ولغيرهم في أنشطة وتخصصات ومهن مختلفة، بل طاردًا للعامة من الناس، بسبب انعدام فرص العمل المجزية، وإهدار قيم المساواة، وتفشي سرطان المحسوبية والواسطة والفساد، وتغليب القاعدة الأسوأ وهي الثقة على الكفاءة في الاختيار للوظائف والمناصب والمسؤوليات، ويحدث ذلك من قمة هرم الإدارة إلى أسفل مستوياتها.

مسيرة محمد صلاح في مصر عندما كان شابًّا واعدًا صادمة بسبب معاناته وعدم تقدير موهبته الكروية، ولولا أنه غادر إلى بلدان أوروبية للعب فيها لما كان هو صلاح فخر مصر والعرب اليوم، وبداية مرموش ربما كانت أفضل من صلاح، لكن اللعب بالخارج يبرز مواهبه وتألقه ويحقق له النجومية.

 زويل وآخرون

ولولا مغادرة الراحل أحمد زويل إلى أمريكا لما كان هو زويل صاحب نوبل في الكيمياء عام 1999، بقاؤه في كلية العلوم بجامعة الإسكندرية كان سيجعله مجرد أستاذ مثل ألوف الأساتذة بمختلف الجامعات حيث تُغطي الأتربة دراساتهم وأبحاثهم وكتبهم على أرفف المكتبات.

وهكذا الدكاترة محمد البرادعي الحاصل على نوبل أيضًا، ومجدي يعقوب، وعصام حجي، ومصطفى السيد، ومحمد العريان، والمهندس هاني عازر، والفنانان عمر الشريف، ورامي مالك، وألوف غيرهم، وحتى نعمت شفيق، رغم موقفها الكارثي باستدعاء الشرطة لطلبة جامعة كولومبيا الأمريكية المحتجين على إبادة غزة، وقد كلفها ذلك فقدان رئاسة الجامعة.

مصريون بلا حصر يجدون فرص العمل والتفوق في الخارج أكثر مما يجدونها في بلدهم الذي لا يساعد المناخ العام فيه على النجاح والتميز لعدم وجود المقومات لذلك.

عند غياب الحريات، وهي أساس التفكير الخلاق، فلا نهضة علمية وفكرية وفنية وأدبية وإنسانية، فالتكميم والقمع والتخويف يقتل بذرة النبوغ مبكرًا، بل يقتل إنسانية الإنسان نفسه.

كل البلدان التي تعيش السياسة المقيدة وتخضع للحكم السلطوي لا تنتج علماء وباحثين ومفكرين وفلاسفة وأدباء عظامًا يخدمون وطنهم والبشرية، ربما تبرز فلتات، لكنها تظل استثناءات تظهر وتختفي، أما أن يكون فيها أجيال من العلماء تتوالد وتتسلم راية الإبداع بعضها من بعض فهذا مستبعد تمامًا، والتصحّر الشامل في عالم الجنوب شاهد على ذلك.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان