كيف ننجح في إسقاط مشروع التهجير؟

ما فشل فيه الكيان المحتل بحرب الإبادة، يسعى إليه ترامب بضغط سياسي فج ووقح.
على قدم وساق تواصل الإدارة الأمريكية الجديدة نسف الخط الأحمر الخاص بتهجير الفلسطينيين، يحدث ذلك في ظل ممانعة مصرية أردنية رسمية، ورفض شعبي عارم.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsفائض تركي غير مسبوق في تجارتها مع العرب
العالم في خطر مع ترامب
تفجيرات منبج وعلاقتها بزيارة الشرع لأنقرة
أعاد الرئيس الأمريكي تأكيد ضرورة الحصول على موافقة مصرية أردنية على قرار تهجير الفلسطينيين من غزة إلى الدولتين، وألمح بشكل مباشر إلى مساعدات قدمتها أمريكا إلى القاهرة وعمّان تستدعي “رد الجميل”!
في الإصرار الأمريكي على التهجير ما يدعو إلى الاعتقاد أن هناك ترتيبات تمَّت بين إسرائيل وإدارة ترامب، وأن الأخير تعهد بتحقيق ما فشلت فيه آلة التدمير الصهيونية.
معركة جديدة وصعبة أمام النظامين الرسميين في مصر والأردن، تحتاج إلى جهود رسمية وشعبية، وإلى حسابات سياسية بالغة الدقة من أجل الخروج بأفضل النتائج الممكنة.
التهجير تاريخيًّا
فكرة تهجير الفلسطينيين إلى دول أخرى ليست جديدة، بل كانت “سيناريو” مطروحًا باستمرار على مدار العقود الماضية.
محاولات تصفية القضية الفلسطينية لم تتوقف أبدًا على مدى سنوات طويلة، هذه حقيقة يؤكدها التاريخ.
شهادات التاريخ تكشف أيضًا أن ابتلاع فلسطين التاريخية بدأ أصلًا بنكبة التهجير عام 1948.
وقتها تم تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، وظهرت دعوات حينها في بعض الأوساط الدولية لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في الدول المجاورة مثل لبنان وسوريا.
الفكرة الملعونة تكررت كثيرًا على مر السنين في ظل الأزمات التي تواجه القضية الفلسطينية، لكنها كانت دائمًا تُواجَه برفض قاطع من الدول المستهدَفة، ومجابهة حقيقية لها من الشعوب العربية.
قبل أن يغادر منصبه رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية عام 2020، أعاد دونالد ترامب طرح أفكار مشابهة عُرفت حينها بـ”صفقة القرن”.
في التسريبات التي نشرها الإعلام وقتها، كانت رغبة التهجير واضحة في صفقة ترامب المشبوهة، إذ رأى الرئيس الأمريكي أن إبعاد الفلسطينيين عن غزة هو أحد أهم الحلول للقضية الفلسطينية، وأن التهجير قد يكون وسيلة لطي صفحة الصراع المفتوحة منذ عشرات السنين!
في التسريبات آنذاك، كان هناك ما يوحي باختيار مصر وجهة محتملة لاستقبال الفلسطينيين في حال تنفيذ هذه الخطة الخبيثة.
بقلق رسمي وغضب شعبي، لم تجد الفكرة دعمًا دوليًّا كبيرًا، ولم تتحرك خطوات مهمة إلى الأمام.
أنهى ترامب ولايته الأولى بـ”صفقة القرن”، وعاد في الثانية بالدعوة إلى التهجير دون لف أو دوران أو مناورات من أي نوع.
فشلت الأولى، وستفشل الثانية!
رفض مصري له أسبابه
حتى الآن بدا الرفض المصري على المستويين الرسمي والشعبي واضحًا وغير متردد.
داخل المؤسسات الرسمية تراث من التصدي لمحاولات التهجير، وتواتر لصيغ الرفض للمشروع المشبوه.
مصر الرسمية ترى أن فكرة تهجير الفلسطينيين ستكون لها تداعيات سلبية كبيرة على مستويات عدة، محليًّا وإقليميًّا.
في حسابات السياسة، لا يمكن القبول بأن يكتب التاريخ أن تصفية القضية الفلسطينية بدأت بأيادٍ مصرية.
على المستوى الدولي، فإن مصر – بوصفها داعمًا أساسيًّا للحقوق الفلسطينية- ستجد نفسها في موقف صعب أمام العالم العربي والإسلامي، إذا ترددت في رفض كل صيغ التهجير.
ينظر المحيط العربي والإسلامي إلى الدولة المصرية بأنها سند رئيسي للحق الفلسطيني على مدى التاريخ ومنذ نكبة الاحتلال.
هذا البعد السياسي في تقديري هو الأهم في الرفض المصري للتهجير، ويسبق كل ما عداه من أسباب يسوقها البعض، وترتبط بالتأثيرات الاقتصادية المتوقعة إذا تحقق الهدف الأمريكي الصهيوني.
إذا أضفنا الرفض السياسي والأخلاقي لتصفية القضية الفلسطينية بيد مصرية إلى مخاوف أخرى مشروعة ترتبط بالأمن القومي المصري، فإن الرفض المصري يغدو منطقيًّا وقويًّا وثابتًا ومشروعًا.
مواجهة التهجير سياسيًّا وشعبيًّا
الذهاب إلى العالم العربي ومخاطبة الشعوب العربية باتا ضرورة لا يجب تركها أو إهمالها، فكل مشروعات التهجير وتصفية القضية يمكن للشعوب العربية إسقاطها بضربة واحدة.
أمام النظام في مصر فرصة لأن يوسع زاوية الرؤية ويخاطب شعوب الدول العربية لتكون طرفًا في مواجهة فرضها الاستعمار القديم الجديد، ويرعاها رئيس أمريكي لا يؤمن إلا بالقوة.
الصمت العربي الرسمي حتى الآن على ما طرحه دونالد ترامب يبدو غريبًا وغير مفهوم، لكن المؤكَّد أن مواقف الشعوب الرافضة واضحة ولا تخطئها عين.
المؤكَّد أن موقف مصر شعبيًّا ورسميًّا كان واضحًا وجازمًا في رفض تهجير الأشقاء الفلسطينيين خارج أراضيهم.
هذا الرفض تلزمه خطوات أخرى مهمة، ترتبط بإعداد الجبهة الداخلية المصرية لمواجهة قد تكون صعبة وممتدة إلى وقت لا يعلم مداه إلا الله.
الخطوات المطلوبة
في غياب الدعم الشعبي الجاد والحقيقي وغير المصطنع، لا يمكن الرهان على صمود النظام المصري وحيدًا في مواجهة عواصف عاتية هوجاء قادمة من رئيس أمريكي يدير السياسة بمنطق “التجار” وبغطرسة الاستعمار القديم.
أولى الخطوات المطلوبة هي لم شمل المجتمع المنقسم، ووقف صيغ الاستقطاب الحاد الذي بدأ منذ نحو عشر سنوات.
في القضايا الوطنية الكبرى يمكن استبعاد الخلافات السياسية مؤقتًا، والتعاون بروح الفريق الواحد مع احتفاظ كل طرف بوجهة نظره وبموقعه في العمل السياسي.
مصر تحتاج إلى مجال عام مفتوح يجمع كل الأطياف الوطنية، ويصهرها في خانة الرفض الكلي والحاسم لدعوات التهجير وما يواجه الأمن القومي من تهديدات.
الإفراج عن سجناء الرأي وبدء صفحة جديدة في عمر الوطن يبدو أمرًا ضروريًّا في مرحلة جديدة بدأت من عمر الدولة المصرية.
لا يمكن الفصل بين جبهة داخلية قوية وموحدة، وإنهاء كل صيغ الهيمنة والتسلط على العمل العام وإغلاق مجاله.
مواجهة الأفكار الخبيثة الآتية من ترامب وإسرائيل لا ينبغي أن تتوقف على النظام الحاكم، بل يجب أن تتجاوزه إلى رفض شعبي واسع بمشاركة من قوى سياسية حقيقية ومؤثرة.
وفي هذا الالتحام هزيمة مؤكَّدة لكل المشروعات المشبوهة التي سقطت في الماضي، ويمكن إسقاطها من جديد.