ماليما.. “بعبع” أمريكا في جنوب إفريقيا
امسك شيوعي

“جوليوس ماليما”.. احفظ هذا الاسم جيدا، فهو زعيم إفريقي جديد، تصفه أمريكا بالشيوعي المحرض على قتل البيض، والمناهض للصهيونية.. وأعلنه الملياردير “ماسك”، المولود في جنوب إفريقيا، المقرب من” ترامب، “مجرما دوليا”، بينما يعتبره مؤيدوه بمثابة “سبارتكوس” جديد، والوريث الشرعي للروح الثورية للزعيم نيلسون مانديلا.
“ماليما” زعيم حزب “المناضلين من أجل الحرية الاقتصادية” اليساري الراديكالي، والنائب في البرلمان، يقف في قلب معركة تتصاعد وتيرتها بين القوى المدعومة من واشنطن وإسرائيل، التي تحلم بإعادة عقارب الساعة إلى عصر الفصل العنصري وهيمنة الامتيازات البيضاء، وبين القيادات السياسية والحركات المناهضة للاستعمار والاستيطان والرأسمالية.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsلنتحدث بصراحة.. وداعا حل الدولتين
الحويني.. محدِّث ملأ الدنيا وشغل الناس
رمضان في القاهرة القديمة!
مؤيدوه، الذين يقدر عددهم بالآلاف، يصفونه بأنه خطيب مفوه يعادي الإمبريالية والصهيونية على طول الخط، ويدافع بشراسة عن حقوق الفئات المحرومة.
لعب حزبه، الذي يحوز على 39 مقعدا في الجمعية الوطنية، دورا مهما مع حلفائه، في دفع حكومة بلاده لتبني جملة من القرارات الخارجية، والداخلية التي أغضبت من يعتبر نفسه سيد العالم الجديد، ففرض ترامب عليها عقوبات شتى.
ويكفي الإشارة إلى أن كيب تاون، هي التي جرجرت “إسرائيل” لمحكمة العدل الدولية، وأنها عضو في مجموعة “البريكس” المناهضة لهيمنة واشنطن، كما أنها واحدة من تسع دول شكلوا الشهر الماضي، تحالفًا دوليًا غير مسبوق، “تكتل لاهاي”، لمحاسبة إسرائيل وإنهاء الاحتلال.
وعد بلفور أمريكي
“ماليما”، وهو زعيم سابق لمنظمة شباب حزب المؤتمر الوطني الحاكم، قبل أن ينشق عنه، طرح خطوات ملموسة للرد على العقوبات الأمريكية وعلى هجوم أحفاد المستوطنين، الذين نظموا احتجاجات رفعوا خلالها لافتة “امنحوا الأمة البيضاء الاعتراف الذي نالته إسرائيل”!.
وهي نداءات متزايدة، تبدو كأنها دعوة لترامب، لإصدار وعد بلفور جديد، تعود جنوب إفريقيا بموجبه دولة عنصرية للمستعمرين البيض.
بوضوح وحسم دعا “ماليما”، إلى قطع كل الامتيازات عن الأقلية البيضاء المستوطنة، لأنهم، كما قال، لم يحصلوا عليها إلا بفعل الاستعمار والاستيطان.
وحث السلطات على تسهيل هجرتهم إلى الولايات المتحدة التي ترغب في استقبالهم كلاجئين، بل وطالب بإرسالهم مباشرة في سفن على الفور، إن كان هذا مطلب حليفهم أمريكا.
كما طالب بمقاطعة المنتجات الأمريكية، وتجريم المنظمات والأحزاب البيض، التي دعمت فرض العقوبات على البلاد، وقطع العلاقات مع إسرائيل.
وهاجم الزعيم الإفريقي، المعايير المزدوجة للقوى الكبرى قائلا، “أمريكا لا تحترم القانون الدولي، فلماذا يجب على حركة “حماس” احترامه؟!، مشيرا إلى أن “أمريكا هي التي تحارب فلسطين” وتستخدم إسرائيل “قاعدة عسكرية” لها في الشرق الأوسط.
اعتقال نتنياهو.. مهمة عاجلة
وبينما تواصل دول عربية وإسلامية حديث السلام مع إسرائيـل، دعا “ماليما” في مقطع “فيديو”، تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي المجتمع الدولي لتنفيذ قرار المحكمة الجنائية باعتقال مجرم الحرب “نتنياهو”، إذا كان يكترث بحقوق الإنسان والإبادة الجماعية.
واستكمل قائلًا “نتنياهو” يقول ذلك بلسانه علانية وبلا خجل “أننا سنقتل الفلسطينيين”. ومع ذلك، ما زال حرا طليقا.
جنوب إفريقيا رحبت بمذكرات الاعتقال، التي أصدرتها المحكمة الجنائية وأكدت التزامها بالقانون الدولي ودعت الدول جميعها إلى التصرف وفقا لمبادئ القانون الدولي.
تحركات بريتوريا أربكت واشنطن وتل أبيب، اللتين اعتادتا على إبقاء مواقف الدول الإفريقية تحت السيطرة من خلال الضغوط الاقتصادية والسياسية.
لكن “ماليما” وحزبه كسروا هذه القاعدة، مما دفع واشنطن إلى تصعيد استهدافهم، في محاولة لردع أي حزب أو حركة تفكر في السير على النهج ذاته.
عقارب الساعة لن تعود للوراء
وكما يتصاعد الصراع مع الإمبريالية والصهيونية، فإن الصراع الاجتماعي بين غالبية الشعب، وبين الأقلية المهيمنة على مقدرات ثاني أكبر اقتصاد في إفريقيا وصل إلى ذروته.
بعد خمس سنوات من التشاور العام والمناقشة البرلمانية، والضغوط التي قادها “ماليما”، أصدر الرئيس سيريل رامافوزا قانونا الشهر الماضي، يسمح بمصادرة الأراضي من أجل المصلحة العامة لتصحيح المظالم، التي وقعت خلال نظام الفصل العنصري خلال الفترة من 1948 وحتى 1994.
رامافوزا يقود حكومة وحدة وطنية، تتعرض لضغوط سياسية متباينة، بعد أن خسر حزب المؤتمر أغلبيته في انتخابات الرئاسة لأول مرة منذ 3 عقود، لفشله في تلبية مطالب الجماهير العريضة.
وتشير بيانات رسمية، إلى أن البيض يمثلون 7.2% من سكان جنوب إفريقيا البالغ عددهم نحو 63 مليونا، يمتلكون ثلاثة أرباع الأراضي الزراعية، بينما الأغلبية السوداء، التي تمثل حوالي 80% من السكان، تمتلك أقل من 4% من هذه الأراضي.
ممارسات غير أخلاقية!!
ورغم أن القانون يتضمن دفع التعويض المناسب إلا أن أحفاد المستوطنين البيض وحليفهم ترامب، أقاموا الدنيا ولم يقعدوها.
ترامب اتهم حكومة بريتوريا بالقيام بـ”ممارسات غير عادلة وغير أخلاقية”!.
ووجّه كل الوكالات الحكومية الأمريكية بـ”وقف المساعدات الخارجية أو المساعدة” لجنوب إفريقيا حتى تنهي مثل هذه الممارسات.
وأعلن استعداده لإعادة توطين “اللاجئين الأفريكانيين الذين يهربون من التمييز القائم على العرق الذي ترعاه الحكومة، بما في ذلك مصادرة الملكية التمييزية العنصرية”.
امسك شيوعي
الملياردير إيلون ماسك زعيم اليمين المتطرف الجديد نشر من جهته، تغريدات صريحة يدعو فيها إلى فرض عقوبات دولية على “ماليما” وحزبه، متذرعًا بأنه “تهديد شيوعي للسكان البيض”!!!
وعلى إيقاع التوقيت الأمريكي، أعلن الحزب الديمقراطي اليميني، الشريك الرئيس في الحكومة، والمعروف بدعمه لأمريكا وإسرائيل، رفضه للقانون، واصفًا إياه بغير الدستوري.
وسار أحفاد الغزاة الاستعماريين، في شوارع مدينة بريتوريا، معقل الأقلية البيضاء، حاملين لافتات كتب عليها “يحيا ترامب”، “وعودة جنوب إفريقيا العظيمة، تستلزم إعادة الفصل العنصري”.
ومن جهته حث “ماليما” الحكومة على مواصلة الإصلاح الزراعي، مخاطبا حلفاء أمريكا قائلا، “سنمضي قدمًا في استعادة أراضينا، وإن لم تعجبكم: “فاذهبوا إلى الجحيم”.
وأصدر حزبه، بيانًا وصف فيه “ماسك” بأنه “ملياردير عالمي مهووس”، يعيش وهم كونه “الحاكم الأعلى للعالم”، فقط بعدما استوزره ترامب!.
لكن خلّف هذه الادعاءات الزائفة يكمن واقع مختلف: ماسك، الذي ولد في جنوب إفريقيا لعائلة استفادت بشكل مباشر من نظام الفصل العنصري، ليس مجرد رجل أعمال، بل جزء من شبكة مصالح عالمية ترى في أي مشروع تحرري تهديدًا لاستثماراتها.
إصلاح زراعي جذري
ويقدم “ماليما” وحزبه مشروعا اجتماعيا مناهضا لبنية المجتمع الطبقية، وليس “للبيض”، كما تروج واشنطن.
فبرنامجه يقوم على تفكيك احتكار الثروة عبر إصلاحات جذرية، تشمل إعادة توزيع الأراضي وتأميم القطاعات الحيوية، وهي سياسات تقوض الامتيازات التاريخية للنخب الاقتصادية المتحالفة مع المصالح الغربية.
وخلال أكثر من قرن، عانى السُّكان الأصليون في جنوب إفريقيا من تاريخ طويل من الاستعمار، جردهم من أراضيهم وممتلكاتهم، وفرض عليهم قوانين وسياسات ترمي إلى إدامة هيمنة الأقلية البيضاء عليهم وعلى غالبية الأراضي.
ومنذ أن قاد مانديلا حزب المؤتمر للنصر في انتخابات عام 1994 التي أنهت الفصل العنصري، والمستوطنون يقاومون المحاولات “الخجولة” لحزب المؤتمر للمس بامتيازاتهم.
ورغم محاولات طمس الحقيقة، فالمسألة ليست صراعًا بين السود والبيض، كما يروّج لها اليمين وحلفاؤه.
ولكن الصراع الحقيقي بين من يناضلون من أجل العدالة، واستقلالية القرار السياسي، وعلى رأسهم “ماليما”، وبين من يسعون للإبقاء على امتيازات أقلية على حساب الأغلبية بأي ثمن، وتحويل جنوب إفريقيا إلى مجرد حديقة خلفية لواشنطن.