هل يتهيأ العالم للخلاص من إسرائيل؟

نتنياهو تحدث عن شعوره بالألم لتسلم جثامين 4 من الأسرى الإسرائيليين
نتنياهو (رويترز)

على الرغم من كل ما هو مطروح على الساحة السياسية العالمية، من جدل حول أطماع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في قطاع غزة المحتل، وما يجري من حرب إبادة في الضفة الغربية، وما يردده بنيامين نتانياهو رئيس وزراء الكيان الصهيوني، حول إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، بالتنسيق مع الإدارة الأمريكية الجديدة، إلا أن كل التصورات الواردة من العواصم والمنظمات الدولية حول المستقبل، تؤكد أن لغة العقل بدأت تفرض نفسها على السلوك السياسي والشعبي العالمي في آن واحد، بضرورة الخلاص من ذلك الجسم الغريب على المنطقة، أو ذلك النبت الشيطاني، الذي يسدد العالم بسببه “فواتير” باهظة من تدهور القيم الإنسانية والأخلاق والعدالة وحقوق الإنسان، ناهيك مما تسدده المنطقة من “فواتير” مؤلمة من الدمار والدماء والأرواح والتخلف.

تصريحات عديدة من مسؤولين سابقين بشكل خاص، من كل عواصم العالم تقريبًا، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية، تؤكد جميعها أن الكيان الصهيوني أصبح يمثل أزمة عالمية، ينبغي التوقف أمامها، بحل جذري، يعيد للشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة، وفي مقدمتها كامل الأرض التاريخية، ناهيك من الصحوة الشعبية، من أقصى العالم إلى أقصاه، التي نشهدها بشكل يومي في الشوارع والبرلمانات، بعد عقود من التغييب والتعتيم، نتيجة السيطرة الصهيونية على الآلة الإعلامية الغربية تحديدًا، وعلى صناعة القرار أيضًا في معظم العواصم هناك.

من أمريكا اللاتينية تنطلق الأصوات بشكل غير مسبوق، مؤكدة الحق الفلسطيني، وعدم شرعية دولة الاحتلال، ومن إفريقيا جاء التأكيد في قمتهم الأخيرة، الأحد الماضي، على أهمية وقف أشكال التعاون جميعه مع ذلك الكيان، واعتبار ممارساته في غزة حرب إبادة، ومن الصين في آسيا، مرورًا بماليزيا وإندونيسيا وكوريا الشمالية، وصولًا لإيران وباكستان، تأتي المواقف المناصرة للشعب الفلسطيني، بينما بدأت الأوضاع والمواقف السياسية تتغير رويدًا في دول الغرب أيضًا، نتيجة الضغوط الشعبية، ليس ذلك فقط، بل نتيجة مراجعات سياسية، على مستويات وزارية، ومؤسسات رسمية، خصوصًا الحقوقية والإنسانية منها، بالتزامن مع انطلاقة جريئة لمحكمتي العدل والجنائية الدوليتين، ومؤسسات الأمم المتحدة بمختلف اختصاصاتها.

أهمية الموقف العربي

ربما كانت الحلقة الأضعف، من بين تلك السلسلة العالمية، هي الموقف العربي المتخاذل، الذي لم يرقَ إلى أي من هذه المواقف، بعد أن أخذ في التراجع خلال العقدين الأخيرين تحديدًا، ففي الوقت الذي ساءت فيه علاقات الكيان في المنطقة، مع كل من إيران وتركيا -على سبيل المثال- لأسباب أيديولوجية، رأينا تطورًا في علاقات بعض البلدان العربية بالكيان، وصلت إلى حد التطبيع الكامل، بإقامة علاقات دبلوماسية، وتبادل تجاري، وتبادل زيارات، إلى غير ذلك من أمور لم يكن يستسيغها العقل يومًا ما، وهو ما أسفر عن مواقف متشددة لكيان الاحتلال من القضية، بلغت حد إصدار الكنيست قرارًا برفض إقامة دولة فلسطينية مستقلة، على أي جزء من الأراضي الفلسطينية، مخالفًا بذلك قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن.

وإذا كان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، قد رفع سقف الأطماع في قطاع غزة، إلى حد الشطط، أو الجنون، كما يراه بعض المراقبين، وذلك بترحيل سكان القطاع إلى خارج وطنهم، فإن الضرورة توجب الآن على القمة العربية المرتقبة، التعامل مع الموقف بالسياسة نفسها، وذلك برفع سقف المطالب، وذلك بترحيل الإسرائيليين إلى أوطانهم الأصلية، أو تخصيص وطن بديل، في أي مكان آخر من العالم، وليكن داخل الولايات المتحدة، أو ألمانيا الاتحادية، أو حتى في وطنهم السابق، داخل دول الاتحاد السوفييتي، فيما كان يعرف بجمهورية (أوبلاست) جنوب شرق روسيا، والمعروفة باسم (إيروبيدجان) العاصمة، التي كانت قد أسست عام 1928، إلا إنهم اعتادوا إنكارها، منذ أن بدأوا تحقيق أطماعهم في فلسطين.

المؤكد هو أن الرئيس ترامب، لن يستطيع تحقيق أيًا من أهدافه المثيرة للجدل، التي طرحها دفعة واحدة، وفي مقدمتها الاستيلاء على قطاع غزة بعد تهجير سكانه، أو الاستيلاء على جزيرة جرينلاند الدنماركية، أو ضم جمهورية كندا، أو الاستيلاء على قناة بنما، أو حتى الاستحواذ على نصف الثروات الطبيعية في أوكرانيا، أو إخضاع إيران وكوريا الشمالية، أو فرض الوصاية على كل من جنوب إفريقيا والبرازيل والمكسيك والجزائر، أو وقف تمدد المارد الصيني، ناهيك من الصدام المؤكد مع القارة الأوروبية، وربما مع اليابان وكوريا الجنوبية أيضًا، نتيجة أطماع وابتزاز وضغوط، لا يمكن القبول بها رسميًا أو شعبيًا في هذه الدول كلها.

الكيان بُني على باطل

نحن أمام حقبة تاريخية، ظاهرها التعقيد والصدام، إلا أن باطنها يحمل إيجابيات كبيرة، فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية تحديدًا، لو أُحسن استخدامها عربيًا، بالإصرار على أن كيان الاحتلال بُني على باطل، ومن ثم فهو كيان لقيط يجب اجتثاثه، خصوصًا بعد أن كشفت المقاومة الفلسطينية للعالم، أنه كيان هش، وليس كما روجت له الدعاية الغربية من أنه لا يقهر، أو تصعب هزيمته، كما أنه كيان نازي، لا يرعوي لأي عهود دولية، أو مواثيق إنسانية، إلا أن ذلك يستدعي بالدرجة الأولى، وقف عمليات التطبيع العربية بشكل خاص، مع ذلك الكيان، بل الانسحاب من الاتفاقيات كلها التي تم توقيعها معه خلال السنوات الأخيرة.

وفي ضوء الأزمة الأمريكية-الأوروبية، الآخذة في التفاقم، والأزمات الأمريكية مع مختلف دول العالم بشكل عام، تشير المعطيات كلها إلى أن عملية التخلي عن دعم الكيان الصهيوني غربيًا، أصبحت أمرًا مؤكدًا، ليس في المحافل الدولية فقط، بل على مستوى الدعم الثنائي، عسكريًا وماليًا، بعد أن أصبح يمثل عبئًا كبيرًا من الوجوه كلها، في الوقت الذي عانت فيه اقتصاديات هذه الدول من دعم جبهات أخرى، في أوكرانيا على سبيل المثال، أو عمليات تمرد واسعة النطاق بالقارة الإفريقية، فقدت خلالها السطوة والسيطرة على عدد غير قليل من البلدان، خصوصًا في السنوات الخمس الأخيرة.

على أي حال، الأمر لم يعد يتعلق بمجرد آمال أو تطلعات أو تمنيات، ذلك أن الأنباء الواردة من أروقة سياسية كبرى، من قارات مختلفة، بالتنسيق فيما بينها، تتحدث بالفعل عن هذا الطرح، الذي كان يجب أن يجد فيه العرب مخرجًا قدريًا واسعًا للأزمة الراهنة، إلا إنه على العكس من ذلك، بدت هناك عواصم عربية للأسف، تتبنى وجهة نظر ترامب واليمين الإسرائيلي في آن واحد، وهي المتعلقة بتهجير الشعب الفلسطيني، والقضاء على المقاومة، وتمكين كيان الاحتلال من كامل أرض فلسطين التاريخية، وربما كان ذلك سببًا رئيسًا، من بين أسباب عدة، لتأجيل انعقاد القمة العربية، التي كان مقررًا لها يوم الخميس المقبل في القاهرة، للتباحث حول تطورات الأزمة، وطرح تصور عربي لها، في مواجهة ذلك الطرح الأمريكي.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان