سفاح المعمورة.. ما القصة؟

سفاح المعمو بمحافظة الاسكندرية، في مصر (منصات التواصل)

تفاصيل مثيرة، ومفزعة تتوالى في حكاية المحامي المصري نصر الدين السيد غازي (52 عاما)، المُتهم بقتل زوجته عُرفيا، وسيدة أخرى موكلة لديه، ومهندس على المعاش، ودفنهم تحت بلاط أرضية شقتين بمنطقتي المعمورة، والعصافرة، بمحافظة الإسكندرية (شمال مصر)، فيما تتوالى البلاغات حتى الساعة على الشرطة المصرية، وبينها بلاغ عن جثة رابعة بمكتبه، وعن سابقة قيامه باستئجار شقق كثيرة، بلغت 18 شقة في “الإسكندرية”، وعشر شُقق أخرى خارجها، وتبذل جهات التحقيق جهودا للتوصل إلى ما قد يكون خافيا من جرائم ارتكبها “المتهم”، ويجري حاليا فحص هواتفه المحمولة، وتفريغها مما تحويه من صور ومراسلات، ومقاطع “فيديو”. المحامي اُشتُهرَ إعلاميا خلال الأيام القليلة الماضية، بـ”سفاح المعمورة”، من أبناء محافظة كفر الشيخ، وتخرج في كلية الحقوق (عام 1995)، واعتاد استئجار شقق بالطوابق الأرضية، في منطقة شرق الإسكندرية، وإقامة سهرات حمراء بها، واتخاذها وكرا لعلاقات نسائية.

جثث ملفوفة بكيس بلاستيك، وبطانية

وفقا للمعلومات الأولية المتاحة فإن سفاح المعمورة أو الإسكندرية، استعان بثلاث سيدات ورجلين، لمعاونته في استدراج “ضحاياه”، وسحب أموالهم من البنوك بعد قتلهم، فهو يستولي بالتعذيب منهم على بطاقات “الفيزا”، وأرقامها السرية، وبيانات حساباتهم البنكية، قبل قتلهم. السفاح، كان قد تعرف إلى سيدة تدعى منى (45)، وتزوجها عرفيا عام 2021، وحسب اعترافاته، فإنه قتلها عام 2024، نتيجة غيرتها الشديدة عليه، وقام بدفن جثتها، ملفوفة بكيس بلاستيك أسود، تحت أرضية الشقة. بعد أشهر، قتل موكلته، تدعى تركية (63 سنة) لديها نزاع مع سمسار على شقة قيمتها مليونا جنيه مملوكة لها، ولديها 250 ألف جنيه رصيدا بالبنك. اختلف معها على الأتعاب بعد خسارة قضيتها، فقرر قتلها، واستولى على بطاقاتها البنكية، ومنها “فيزا” معاش شهري. أحاط جثة التركية ببطانية، ودفنها بجوار زوجته.

قصة السقوط.. وسهرات حمراء

سفاح المعمورة، استدرج ضحية ثالثة، وهو المهندس محمد إبراهيم (على المعاش)، لبيع شقة لديه، بعدما أوهمه بأنه سيبيعها له بمبلغ جيد. أسرة القتيل، كانت قد أبلغت عن اختفائه منذ قرابة ثلاث سنوات، وأنه حين خرج من منزله، كان ذاهبا لهذا المحامي (السفاح)، وأن معاشه يُصرف شهريا بـ”الفيزا”، إلا أن الشرطة لم تتوصل لحل اللغز في حينه. قصة سقوط سفاح المعمورة، لا تخلو من الغرابة والإثارة، فقد ارتاب سكان العقار في أمره، لاعتياده اصطحاب سيدات للشقة، وإقامة سهرات حمراء، تتسرب منها رائحة الحشيش إلى الشارع رغم إغلاق النوافذ، وقبل أيام عدة، سمع بعض السكان صرخات قادمة من شقته بالطابق الأرضي، فاقتحموا الشقة، ليجدوا بصحبته رجلًا آخر، وسيدتين في حالة ارتباك وتوتر، ولاحظوا أعمال حفر بإحدى الغرف، فقاموا بإبلاغ الشرطة، التي اكتشفت جثتي السيدتين (زوجته عرفيا، وموكلته).

 آيات قرآنية ومواعظ على “فيس بوك”.. للتمويه

لافت للانتباه، أن “سفاح المعمورة” يتمتع بسمعة جيدة كـ”محام”، قبل أن ينكشف أمره، وأن صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي، مزدحمة بآيات قرآنية، وشروح، ومواعظ دينية، ومعلومات تشير إلى تمتعه بقدر من الثقافة، وبحسب جيرانه في بلدته بكفر الشيخ، فهم في حالة ذهول، فقد كان يؤم المصلين في المسجد، ويطلقون عليه الشيخ ناصر، فكيف تستقيم هذه الازدواجية لـ”سفاح المعمورة”، من تظاهر بالتدين مع ارتكاب هذه الجرائم الشنيعة، غدرا، وقتلا، وسرقة لأموال قتلاه؟ لماذا المُبالغة في هذا التدين المغشوش، الذي يخفي عدوانية شديدة، وغلا وحقدا في القلب؟ ليس في هذا غرابة، فكثيرون، ومنهم سفاح المعمورة، يتحلون بهذه المظاهر، ويتسترون بها للتمويه على أفعالهم، وسلوكياتهم المشينة بما يتيح لهم خداع الآخرين، وكسب ثقتهم، والتلاعب بهم، ويبتعد بهم عن دائرة الشُبهات فيما يرتكبون من سلوكيات منبوذة، وجرائم.

عدوانية وتعذيب وقتل بمنتهى البرود

من زاوية نفسية، فمثل هذا “السلوك العدواني”، لدى المتهم، بارتكاب جرائم القتل المتسلسل، ليس وليدا للصدفة، أو انفعالا لحظيا، بل يستند -وفقا للدراسات النفسية- إلى جذور في التنشئة الأسرية، فقد يكون تربي مُدللا، أو عانى صدمات، وظروفا صعبة. بما أسس لديه اضطرابا نفسيا، يتحين الفرصة للتعبير عن نفسه بهذه العدوانية المُفرطة، بما مفاده تحوله إلى شخصية انتقامية، فيخطط لجرائمه في هدوء، وروية. مستمتعا، متلذذا، بالسيطرة على ضحاياه، وتعذيبهم، وقتلهم بمنتهى البرود، ثم يواصل تقمص شخصية المتدين، والشخص الذي يتمتع بالخلق الطيب، ويمارس حياته بشكل عادي جدا، دون أي شعور بالذنب، أو تأنيب الضمير، أو الألم، ففي حالة سابقة، معروفة إعلاميا بقضية “سفاح الجيزة”، قتل المدعو قذافي فراج (مولود عام 1971)، أربعة أشخاص، بين عامي 2015، و2017. بينهم زوجته، وسيدتان، وصديق عمره، وكلها بدم بارد وهدوء، للاستيلاء على أموالهم، ومقتنياتهم الثمينة، وقام بتعذيب ضحاياه بطرائق شديدة الإيلام قبل قتلهم.

سيف على الرقاب.. وعباءة الاتحاد الأوروبي

بالعودة لـ”سفاح المعمورة”، فعلى صفحته بموقع “فيس بوك”، المُسماة “المستشار نصر الدين”، الكثير مما يخدع البسطاء، وحسنيي النية، فهذه شهادة تقدير، غلافا للصفحة، منسوبة لهيئة ربما تكون وهمية، تُسمى هيئة معهد جنيف للتحكيم الدولي، تحت عباءات الاتحاد الأوروبي، وميثاق الأمم المتحدة. تأكيدا، فهي شهادة مضروبة، ومجرد ورقة مطبوعة، لا قيمة علمية أو أدبية لها، لكنها تسهم في صنع صورة مثالية، مع مظاهر التدين. لا سيما، وأنه يتخذ شعارا براقا على الصفحة بأن: “القلم سيف على الرقاب، فاستخدمه في الحق للحق، ولا تخشى في الله لومة لائم”، كما أن صفحته تحوي صورا له، وأمامه طعام فاخر في مطاعم راقية.. بما يشي، عن شعور بالحرمان يسكن نفسه، وهذه الصور، تُعد، تعويضا نفسيا، عما فاته من طعام كان يشتهيه.

علينا، ألا ننخدع بمظاهر التديُن المُبالغ فيها، والمثالية المزعومة، والشهادات العلمية المضروبة، التي يتزين بها سفاح المعمورة، وأمثاله.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان