دفن سليل طائفة “الحشاشين” بمصر.. هل هو إرث فاطمي أم اختراق معاصر؟

الامير كريم أغا خان (منصات التواصل)

شُيّعت الأسبوع الماضي جنازة الأغا خان الرابع الأمير كريم الحسيني، إمام الطائفة الإسماعيلية النزارية، أحد الفروع البارزة لـ”الإسلام الشيعي” الذي يرأس واحدة من أكبر مؤسسات المساعدات التنموية في العالم، حيث دفن في المقبرة العائلية التي تعود لجده السلطان محمد شاه الحسيني، المعروف باسم الأغا خان الثالث في أسوان.

تقع مقبرة (الأغا خان) على منطقة عالية تطل على نهر النيل، وقد بناها السلطان محمد شاه بعد أن قضى سنوات عديدة في أسوان للعلاج.

وصُممت المقبرة على الطراز المعماري الإسلامي بإشراف الدكتور فريد شافعي، الذي يُعد أحد أبرز المعماريين العرب.

ورغم تحوّل المقبرة إلى مزار سياحي شهير؛ إلا أن أسرة الأغا خان قررت -لاحقا- إغلاقها أمام الزائرين، ما أضفَى عليها طابع أكثر خصوصية وقدسية.

وفي ظل جنازة الأغا خان، الإمام الـ 49 للطائفة الإسماعيلية؛ تبرز تساؤلات حول طبيعة العلاقة بين هذه الطائفة ومصر، ودورها التاريخي والحالي في المنطقة.

من الحشاشين إلى التنمية.. تحوّل أم تمويه؟

بينما تُظهر الطائفة نفسها كمنظمة تنموية تسعى لتحسين حياة الناس؛ إلا أن تاريخها المليء بالصراعات، والتحالفات السرية وعلاقتها بطائفة الحشاشين، تثير الشكوك حول أهدافها الحقيقية.

الطائفة الإسماعيلية التي تعود جذورها إلى القرن الثامن الميلادي، اشتُهرت في التاريخ الإسلامي بفرعها المعروف بـ “الحشاشين”، وهي جماعة باطنية أسسها حسن الصباح في القرن الحادي عشر.

اعتمد الحشاشون على أساليب سرية واغتيالات سياسية لتحقيق أهدافهم، ما جعلهم مصدر رعب للعالم الإسلامي والصليبيين، على حد سواء.

اليوم، تظهر الطائفة الإسماعيلية كمنظمة تنموية تسعى لتحسين التعليم والصحة في المجتمعات الفقيرة، ومع ذلك، يرى بعض المحللين أن هذا التحول من جماعة سرية إلى منظمة خيرية قد يكون جزءا من استراتيجية أعمق؛ لتعزيز النفوذ السياسي والاقتصادي في المنطقة.

وترتبط الطائفة الإسماعيلية بمصر ارتباطا وثيقا عبر التاريخ، خاصة خلال العصر الفاطمي (969-1171م)؛ حيث كانت القاهرة عاصمة للدولة الفاطمية. ومع ذلك، فإن الاهتمام الحالي للطائفة بترميم الآثار الفاطمية، ومساجد آل البيت في مصر، يثير تساؤلات حول دوافعها الحقيقية.

ففي السنوات الأخيرة، قامت شبكة الآغا خان للتنمية بعدة مشروعات في مصر؛ منها ترميم القاهرة التاريخية، وإنشاء حديقة الأزهر، وذلك بعد تحويل مقلب قمامة إلى حديقة عامة، وبينما تُظهر هذه المشروعات كجهود لتحسين البيئة الحضرية؛ إلا أن البعض يرى فيها محاولة لتعزيز النفوذ الثقافي والديني للطائفة في مصر، خاصة في ظل وجود أنشطة تبشيرية في إفريقيا، ودول أخرى.

وصية الآغا خان الرابع بالدفن في أسوان

اختار الأمير كريم آغا خان الرابع أن يُدفن في أسوان؛ تيمّنا بجده الآغا خان الثالث الذي عاش في المدينة خلال سنواته الأخيرة. ومع ذلك؛ فإن اختيار مصر كمكان للدفن يثير تساؤلات حول الأهداف السياسية والروحية للطائفة، هل هو مجرد تكريم للإرث العائلي، أم محاولة لتأكيد الوجود الإسماعيلي في مصر؟

بعد وفاة الآغا خان الرابع، تولى ابنه الأمير رحيم الحسيني منصب الإمام الخمسين للطائفة الإسماعيلية، رحيم، الذي يحمل درجة الدكتوراه من إسبانيا، ويمثل الجيل الجديد من قادة الطائفة الذين يجمعون بين الإرث الروحي والرؤية الحديثة للتنمية. ومع ذلك؛ فإن ثروة الطائفة الهائلة التي تقدر بمليارات الدولارات، تثير تساؤلات حول استخدام هذه الأموال، وأهدافها الحقيقية.

وقد قامت الطائفة الإسماعيلية بعدة مشروعات تنموية في مصر؛ حيث أعادت شبكة الآغا خان للتنمية ترميم العديد من المساجد والمباني الأثرية في القاهرة.

كما دعّمت التعليم والصحة من خلال إنشاء مدارس ومستشفيات في المناطق الفقيرة.

الطائفة الإسماعيلية.. بين التنمية والنفوذ الخفي

إن دفن الأمير كريم آغا خان الرابع في أسوان يسلط الضوء على العلاقة المعقّدة بين الطائفة الإسماعيلية ومصر.

وعلى الرغم من الجهود التنموية التي تبذلها الطائفة الإسماعيلية عبر شبكة الآغا خان للتنمية؛ إلا أن هناك مخاوف من أن هذه المشروعات قد تكون جزءا من استراتيجية أوسع لتقوية نفوذها. ففي مصر، على سبيل المثال، يرى بعض المراقبين أن ترميم الآثار الفاطمية ومساجد آل البيت ليس مجرد عمل ثقافي أو خيري؛ بل محاولة لإعادة إحياء الهوية الإسماعيلية في بلد يعتبر مركزا تاريخيا للخلافة الإسلامية.

وفي إفريقيا، تنتشر الطائفة الإسماعيلية بشكل كبير، خاصة في دول مثل كينيا وموزمبيق؛ حيث تقوم بإنشاء المدارس، والمساجد، والمستشفيات، ومع ذلك؛ فإن هذه الأنشطة غالبا ما تكون مصحوبة بمحاولات لتعزيز المذهب الإسماعيلي بين السكان المحليين؛ ما يطرح عدة إشكاليات، فهل هذه المشروعات تهدف حقا إلى تحسين حياة الناس، أم إنها وسيلة لاختراق المجتمعات، ونشر المذهب الإسماعيلي؟

الثروة والنفوذ والاختراق

تمتلك الطائفة الإسماعيلية ثروة هائلة؛ ما يجعلها واحدة من أكثر المنظمات الدينية ثراء في العالم، وهذه الثروة تتيح لها القيام بمشروعات ضخمة في مجالات التعليم، والصحة، والثقافة، ولكنها -أيضا- تمنحها نفوذا سياسيا واقتصاديا كبيرا.

ففي مصر، على سبيل المثال، يرى البعض أن مشروعات الطائفة في مصر، على سبيل المثال، قد تكون مدخلا لتعزيز نفوذها في البلاد، خاصة في ظل العلاقات الوثيقة التي تربط قادتها بالحكومات الغربية.

وفي النهاية، تبقى الطائفة الإسماعيلية موضوعا مثيرا للجدل.

فهل تحولت الطائفة حقا إلى قوة إيجابية تسهم في بناء المجتمعات، أم إن هذا التحول مجرد واجهة لاستراتيجية أعمق تهدف إلى تعزيز النفوذ السياسي والاقتصادي في المنطقة؟

الإجابة عن هذا السؤال تتطلب مزيدا من البحث والتحليل؛ ولكن ما هو مؤكد أن الطائفة الإسماعيلية ستظل موضوعا يستحقّ المراقبة والدراسة.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان