ألمانيا بعد الانتخابات.. هل تشهد تحولات سياسة كبيرة؟

انتهت الانتخابات الألمانية بخسارة المستشار أولاف شولتس وفوز غريمه فريدريش ميرتس، زعيم الحزب المسيحي الديمقراطي، وبذلك يكون قد تم إزاحة اليسار وعودة اليمين إلى حكم ألمانيا. ومع ذلك، قد يكون هناك ائتلاف حاكم يجمع بين اليسار واليمين، وهو ما ستكشفه المناقشات الجارية حاليًّا.
رغم أن النتيجة كانت متوقعة بالنظر إلى إخفاقات المستشار شولتس في الداخل والخارج، فإن المعادلة الصعبة تكمن في حزب البديل اليميني المتطرف، الذي استطاع مضاعفة نسبته من 10% في الانتخابات السابقة إلى 20.8% في الانتخابات الحالية، ليحقق نسبة تاريخية وضعته في المركز الثاني بعد الحزب المسيحي الديمقراطي، الذي حصل على 28.6%.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالبحث عن الأمل في غزة
النفط والغاز في مصر.. تراجع الإنتاج ونمو الاستهلاك
المعارضة التركية وأزمة الاستقواء بالخارج
لا شك أن حزب البديل قد حقق نتيجة غير مسبوقة لحزب لم يمضِ على تأسيسه أكثر من 11 عامًا، مستندًا إلى معاداة الأجانب والمطالبة بإغلاق حدود ألمانيا. هذه النتيجة لا يمكن تجاهلها، خاصة أن الحزب يحظى بدعم الولايات المتحدة، إضافة إلى تأييد الملياردير الأمريكي إيلون ماسك؛ مما يضع الجميع أمام تحدٍّ كبير. فمن يدري، ربما يصل الحزب إلى الحكم يومًا ما أو يدخل في ائتلاف حاكم يعيد أجواء الثلاثينيات وصعود هتلر بعد خطاباته الشعبوية.
والأمر يزداد خطورة حين نعلم أن حزب البديل ينظر إلى التاريخ النازي الألماني على أنه مجرد “بقع صغيرة في الثوب”، وهو ما يثير القلق من عودة الفكر النازي، الذي جلب الدمار إلى أوروبا.
وجهان لملف الهجرة
ألمانيا الآن في مفترق طرق، ويمكن القول إن انتخاب ميرتس يمثل بداية حقبة جديدة، لكنها لن تكون خالية من المعوقات الداخلية والخارجية. داخليًّا، تواجه البلاد انكماشًا اقتصاديًّا دخل عامه الثالث، إضافة إلى ملف الهجرة، الذي يُناقش بوجهين: الأول انتخابي يعتمد على شيطنة المهاجرين لإثارة المخاوف وكسب الأصوات، والثاني اقتصادي يرى أنه لا بديل عن المهاجرين لسد النقص الحاد في قطاعات مثل الصحة، والخدمات، وتكنولوجيا المعلومات، والأعمال الحرفية.
أما على الصعيد الخارجي، فهناك تحديات عديدة، أبرزها كيفية التعامل مع عودة دونالد ترامب إلى المشهد السياسي الأمريكي، وفرضه رسومًا جمركية على الصادرات الألمانية، خاصة السيارات، إضافة إلى الحرب في أوكرانيا ومستقبل حلف الناتو.
أوروبا، التي شعرت بتخلي الولايات المتحدة عنها، تحتاج الآن إلى دور قيادي من ألمانيا للحفاظ على استقرارها وصياغة منظومة دفاعية وتجارية بعيدًا عن التأثير الأمريكي. في عهد شولتس، كان يُنظر إلى ألمانيا على أنها لا تتحمل مسؤولياتها داخل أوروبا، لكن الجميع الآن ينتظر أن تعود لأداء دور قيادي، خاصة وأن فريدريش ميرتس أبدى استعداده لذلك في تصريحاته.
فيما يتعلق بالملف الأوكراني، من المعروف أن ترامب يعقد مفاوضات مع الروس دون إشراك ألمانيا أو حتى أوكرانيا. ومن المعروف أيضًا أن ميرتس كان من مؤيدي استمرار إرسال المساعدات إلى أوكرانيا، بل إنه طالب المستشار شولتس أكثر من مرة بإرسال أسلحة متطورة وصواريخ كروز، التي كان شولتس يرفض إرسالها. فماذا سيفعل ميرتس الآن في هذا الملف الحساس؟
كيف يمكن التوصل إلى ائتلاف حاكم؟
لكن بغض النظر عن كل ذلك، فإن مهام المستشار الجديد لن تبدأ فعليًّا قبل تشكيل حكومة ائتلافية، وهو ما دفع الصحفية إيفا كوادبيك إلى تلخيص الموقف بقولها إن فوز ميرتس حتى الآن “انتصار بلا بريق”، لأنه بحاجة إلى شريكين على الأقل لتشكيل حكومة. وهنا يبرز التساؤل: كيف سيتم ذلك عمليًّا؟
هناك العديد من الخيارات الممكنة، حيث يحتاج الائتلاف إلى 316 مقعدًا في البوندستاغ من أصل 630 لتحقيق الأغلبية. ميرتس نفسه صرح قائلًا: “أنا أدرك المسؤولية” و”أعلم أن الأمر لن يكون سهلًا”، لكنه شدد على أن البلاد لا تستطيع تحمل عملية تشكيل حكومة طويلة. لذا، فهو يفضل مفاوضات ائتلافية سريعة وهادئة، ويفضل أن تكون مع حزب واحد فقط. لكن الخيارات ليست سهلة؛ فالتحالف مع حزب البديل غير ممكن سياسيًّا، والتحالف مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي، حزب المستشار السابق شولتس، أو مع الاشتراكيين والخضر، يواجه عقبة أخرى، حيث إن الحزب المسيحي الاجتماعي المتحالف مع ميرتس يعارض بشدة الخضر، محملًا إياهم مسؤولية أزمة الطاقة في البلاد.
استقالة رئيس الحزب الليبرالي ومستقبل شولتس غامض
لا شك أن المفاوضات ستكون ماراثونية، وستستمر بعض الوقت، ولن تخلو من الصراعات وتبادل الاتهامات. وكما جرت العادة، فإن هذه الخلافات تصب في مصلحة حزب البديل، لذا يجب على الأحزاب السياسية التوقف عن الاحتراب السياسي، وتقديم مصلحة ألمانيا على المصالح الحزبية، حتى تتمكن البلاد من مواجهة التحديات بمسؤولية.
ومن الجدير بالذكر أن بعض الأحزاب فشلت في التمثيل داخل البوندستاغ، مثل الحزب الليبرالي الحر، الذي لم يتمكن من تجاوز عتبة 5%. وقد أعلن رئيسه كريستيان ليندنر استقالته. أما شولتس، الذي لم يحصل حزبه إلا على 15% من الأصوات، فقد أعلن تحمله المسؤولية. وكما كتب الصحفي روبن ألكسندر، نائب رئيس تحرير صحيفة فيلت: “أولاف شولتس كان مستشارًا غير محبوب، وبعد فوات الأوان، اتضح أن من راهنوا على بوريس بيستوريوس، وزير الدفاع، الذي طالب البعض بترشيحه بدلًا من شولتس، كانوا على حق”. وهذا يطرح تساؤلًا حول مستقبل شولتس، وما إذا كان سيستمر في رئاسة الحزب والعمل السياسي، أم أنه سيضطر إلى تقديم استقالته نتيجة التراجع الحاد الذي شهده الحزب الاشتراكي الديمقراطي.