أنتم الرجال حقا.. على مر الزمان!

من هنية، والسنوار، والضيف، إلى نصر الله، وهاشم، وشكر، هؤلاء قادة عظام للمقاومة العربية الإسلامية ضد العدو الصهيوني، هم ليسوا وحدهم، معهم رموز عظيمة أيضا، وسيخلدهم التاريخ جميعًا، تاريخ الرجولة والبطولة والكرامة.
ليس القادة والرموز وحدهم، بل كل من يواجه العدو من الصفوف التالية في المقاومة، وكل من يتصدى للمحتل بمواقف سياسية وفكرية وثقافية وعلمية ودينية وأدبية وفنية واضحة وصريحة وشجاعة وجادة، هم أيضا الرجال والأبطال، بل عموم الناس في أقطار العرب والمسلمين، وفي كل زاوية من هذا العالم ممن يدعمون المقاومة ويقفون مع الحقوق الفلسطينية والعربية المشروعة السليبة ويطالبون باستعادتها؛ بالقوة العسكرية، أو بالسلم العزيز، هؤلاء جمهور واسع من الرجال الشرفاء الذين لم يصمتوا أو ينافقوا أو ينكسوا رؤوسهم أو يغمضوا أعينهم عن رؤية الحقيقة ودعمها.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsسوريا الشرع.. بين اقتناص الفرصة ومتاهة المجتمع الدولي
سورة الشورى والأسس الأولية للمجتمع السياسي
حينما تكون الدراما هدفًا وطنيًا
مَن غير المقاومة الذي يقول اليوم: “لا” للعدو، والعدو ليس الإسرائيلي وحده؟
المقاومة.. والهوان العربي
لم يعد النظام الرسمي العربي في وارد القيام بأي مواجهة مع العدو، أو التصدي له، أو الرفض الجاد المؤثر لأفعاله، أو الابتعاد عنه، أو فك الارتباط به، أو سحب سفرائه وطرد دبلوماسييه الجواسيس من عواصمه، أو إغلاق السفارات، أو اتخاذ أي فعل من أفعال المقاومة السياسية الشريفة، وفي زمن الهوان والاضمحلال العربي ليس هناك غير المقاومة الشعبية حيثما وُجدت، وأينما كانت، ومتى تحركت، ووقتما قدرت الظروف وهادنت.
تقديري أنه لا يجوز اتخاذ موقف سلبي من المقاومة ضد العدو؛ مقاومة السلاح والسياسة والاقتصاد والتجارة والسياحة والثقافة، وكل أشكال المقاومة المدنية الشعبية الأهلية؛ لأن النكوص عن المساندة، ولو بكلمة واحدة، معناه أن الصهيوني سيفرض خطته وأجندته ومؤامرته وهيمنته وسيطرته على ما بقي من فلسطين، وأراض في بلدان عربية، لا يُستثنى منها بلد حتى مصر، لإقامة ما يُسمى إسرائيل الكبرى.
حذار من إسرائيل الكبرى
وما مطلب ترامب بتهجير الفلسطينيين من غزة، ووضع يديه عليها، والعدوان الحالي على الضفة، والاتجاه لإعادة احتلالها، والسيطرة على أجزاء من جنوب سوريا بجانب الجولان، وتصريحات نتنياهو المنتشية بأن خريطة الشرق الأوسط تتغير، هذا وغيره هو تحرك عملي تدريجي نحو تنفيذ الأهداف المُؤسِّسة للصهيونية بإنشاء إسرائيل من النيل إلى الفرات.
لا ينبغي أن نسخر من هذا الهدف، أو نقلل منه، فالحلف الصهيوأمريكي الاستعماري المدعوم من الصليبية الأوروبية المتخفية جادّ وماض في هذا الطريق طالما أن النظام الرسمي العربي مستسلم للخارج مستبدّ قمعي للشعوب بالداخل لمنعها من استنهاض قوتها لردع أعدائها.
رسالة حرب الإبادة
حرب الإبادة في غزة لم تكن مسبوقة في تاريخ الصراع مع العدو بهذه الفظاعة، ولم تكن مسبوقة عالميًّا في تدمير هذه المساحة المحدودة من الأرض بكمية نيران هائلة، وهذا السلوك البربري الهمجي رسالة بالدم والنار إلى العرب بأن هذا سيكون مصير كل من يتجرأ على تحدي المشروع الصهيوني الاستعماري، فلا كرامة لعربي مُطّبع، أو مُفّرط، أو مُتغافل، أو شارد، وهنا تظهر قيمة المقاومة والجماهير، فهذه هي الورقة الوحيدة ذات القدرة على المواجهة الحقيقية على الأرض لإفشال المخططات الخبيثة للأعداء.
ننتقد أحيانًا بعض قرارات وحسابات المقاومة، لكن المبدأ الأساسي الثابت أن المقاومة ضرورة تفرض نفسها ووجودها في ظل غياب الدور الرسمي العربي في صدّ العدو، وتحدّي العدوان ولو بمواقف سياسية ودبلوماسية تكون مُقنعة وموثوقًا في مصداقيتها.
كلهم رجال
لا فرق في الرجولة والجسارة والقيمة بين شهداء كبار مثل إسماعيل هنية، ويحيى السنوار، ومحمد الضيف، ومروان عيسى، وصالح العاروري، وحسن نصر الله، وهاشم صفي الدين، وفؤاد شكر، ورفاقهم من القادة، وبين رموز تليهم في الرتبة والدرجة والمسؤولية، وبين الشهداء العاديين في غزة والضفة وجنوب لبنان وبيروت واليمن وسوريا والعراق، وفي إيران أيضا، الجميع في البطولة سواء.
وقد تابعنا التشييع المَهيب في بيروت الذي يليق بالقائدين الكبيرين؛ نصر الله وصفي الدين، ويومًا ما سيكون هناك التشييع الشعبي التاريخي اللائق بجميع شهداء المقاومة، والمدنيين، منذ بدء نزف الدماء الزكية، في فلسطين المحررة الأبية.
صراعات معقدة
استمرار راية المقاومة خفاقة قد يشفع لكل من يحملها، حتى لو اختلت حساباته وبوصلته في بعض الأحداث والقضايا والملفات لبعض الوقت، وعندما دخلت في صراعات مع أطراف وطنية أو عربية شقيقة لها، كما حصل من حزب الله في سوريا، ومن الحوثيين في اليمن، ومن عراقيين ضد عراقيين، فإن هذه انتكاسات، لكنها أيضا صراعات معقدة يصعب التوصل فيها إلى الحقيقة المطلقة.
والإدانة الكاملة لطرف ضد آخر بحاجة إلى بحث وفحص ودرس شامل وعميق للأحداث بسبب تشابك الخيوط واختلاط الأوراق واختلاف الانتماءات السياسية، وتناقض بعض الأهداف الوطنية والقومية.
لا مانع من الاختلاف في هذا الاجتهاد، لكن مع هذا التردي الرسمي العربي ينبغي تضييق أي هوة بين فصائل وقوى المقاومة العربية، واستبعاد العامل الطائفي والأيديولوجي في النظر إليها.
في سوريا مثلًا، كان هناك سوريون في ضفة الثورة والمعارضة يتصارعون ويشتبك بعضهم مع بعض، وبعد إسقاط الأسد فإن هناك تصرفات قد لا تنسجم مع الطبيعة التي يجب أن يكون عليها النظام الثوري الجديد، وهذا مثال لكون السياسة والظروف والواقع والأوضاع تتسم بتعقيدات كبيرة، وبالتالي يصعب أن يكون هناك لونان فقط؛ أبيض وأسود، أو إجابتان فقط؛ صواب وخطأ، بل هناك ألوان وإجابات متعددة.
يا شهداءنا الكرام منذ أول عزيز ارتقى في هذا الصراع الطويل مع الصهيوني والصليبي، وحتى ينتهي هذا الصراع المرير يومًا باندحار الغاصب المحتل.. أنتم ستظلون الرجال حقًّا على مرّ الزمان.