“ماسبيرو” المشكلة والحل (2) بين التوسع الإداري والترهل الوظيفي

هل يمكن أن نستعيد ماسبيرو؟ ونعيد بريقه وجمهوره في ظل كل ما يحيط بِنَا من منافسة؟
إذن فلنبدأ من البدايات ونسأل هل وجود ماسبيرو وحيدا مدللا في المنطقة العربية هو سبب كونه ولد عملاقا؟!
اقرأ أيضا
list of 4 itemsمصطفى حسني ومبروك عطية بين إسلام السوق والابتذال
التصوف في الدراما التركية “سر النفس”
البحث عن الأمل في غزة
هل استعيد معكم أسماء من بدأ في ماسبيرو، وهل نحكي عن رواد الإذاعةً والتليفزيون بأخلاقهم وقيمهم وتقاليدهم العريقة؟ أم نتحدث عن كبار الكتاب والمفكرين الذين قدموا أحاديث مباشرة والتقى بهم كبار المذيعين في تليفزيون الجمهورية العربية المتحدة مثل: على شط النيل، اتنين على الهواء، أمسية ثقافية، كاميرا 9، وغيرها كثير.
هل أحدثكم عن محمود مرسي مذيعا، وبهاء طاهر مذيعا، وطاهر أبو زيد وعلي خليل وسلوى حجازي وأماني ناشد وعصمت حمدي وطارق حبيب؟ لن أحدثكم.. فقط أقول لكم شاهدوا قناة ماسبيرو زمان ستجدون الإجابة عن السؤال المهم لماذا ولد ماسبيرو عملاقا؟
هل أحدثكم عن القناة الثالثة وتجربتي فيها، ودفعات الإعلاميين الذين بدؤوا معها، وأسبوعان قبلها في استوديو الشباب والرياضة، وخلال نهار طويل أستمع فقط للمذيعين وأتعلم وأنتقد ما أشاء، وكنت طالبا في السنة الثانية بكلية الإعلام، ونروي حكاية الإذاعي الكبير جلال معوض وهو يأخذني إلى منزله ليصحح لي النطق ومخارج الألفاظ، وأنا لم أكن أنوي أن التحق بالإذاعة مذيعا. وأحدثكم أيضا عن هؤلاء الذين كانوا إذا مروا في طرقات ماسبيرو نقف انتباه! بل ونختفي من الطرقات احتراما لهم.
أحدثكم عن الإذاعي مدحت زكي المخرج والمدير؟ الذي كان يجلس في اجتماعات القناة الثالثة أسبوعيا مرتين يحلل كل كلمة ولقطة أخذتها الكاميرا في البرنامج، يعطي دروسا في الاستراتيجية الإعلامية، وهو الذي أدخلني ماسبيرو بمكالمة تليفونية مني لمجرد كوني طالبا في السنة الثالثة بكلية الإعلام. وتذكروا معي أن الحياة كانت تتوقف في القاهرة الكبري على أنغام موسيقي برنامج ريبورتاج المذاع بالقناة الثالثة، وتذكروا تغطية القناة لزلزال 1992، ولأحداث الأمن المركزي 1986. هل أحدثكم عن كل هذا لنعرف ما هي مشكلة ماسبيرو وما الطريق للحل؟
قطاعات متعددة وعاملين بالآلاف
تتعامل الإدارات في ماسبيرو منذ بداية الألفية الجديدة ومع وصولنا لثورة يناير مع قطاعات الهيئة الوطنية للإعلام كما تتعامل الدولة مع عدد السكان في مصر، فتتصور أن الثروة البشرية عبء عليها، وأن كثرة الهيئات والشركات والمصانع هي كارثة بعدم استطاعتها إدارتها. وهكذا ترى أي قيادة في ماسبيرو كثرة القطاعات والمحطات التليفزيونية والشركات كارثة الهيئة وليس ثروتها وسبب مشكلتها وليس حلها. وقد تتطابق هذه النظرية مع الكثير من المثقفين والنخبة. ولا أنسى صديق قيادي في جماعة الإخوان المسلمين منذ عدة سنوات طلب مني إعداد ورقة عن حل مشكلات ماسبيرو، وأثناء النقاش كان همه الأول عدد القطاعات والمحطات وأعداد العاملين، والواقع أني صدمت من نظريته.
أجد تلك النظرية لدى أصدقاء عديدين من الليبراليين، وعند قيادات كثيرة بالنظام المصري ما قبل ثورة يناير وما بعدها، يريدون التخلص من الثروة لوجستية وبشرية. الواقع أن عدد العاملين بالهيئة الوطنية للإعلام وصل مؤخرا إلى أقل من 15 ألفا في كل قطاعاتها وشركاتها.
وتحولت قطاعات مهمة إلى مجرد هياكل وظيفية وإنتاجية تنتظر إطلاق الرصاص عليها كخيل الحكومة، وتحولت شركات كبيرة كصوت القاهرة بشركاتها الثلاث إلى ما يشبه “الخرابة”، لوجود تلك النظرة إلى إمكانيات الهيئة البشرية واللوجستية. أما الشركات التي لا يتصور أي شخص له علاقة بالإعلام أو التسويق خسارتها كالإنتاج الإعلامي، والنايل سات، فالواقع أنها تخسر بسبب الفساد الإداري فيها، وهاتان المؤسستان تحديدا هما من أسباب ديون ماسبيرو التي يتهمون أهل ماسبيرو بها منذ عشرين عاما، ولا ذنب لكل أبناء ماسبيرو فيها إذ اقترضها صفوت الشريف لبناء مدينة الإنتاج الإعلامي وشركة النايل سات وهي إحدى خطايا الشريف بجوار الخطيئة التالية.
الترهل الوظيفي خطيئة الشريف الكبرى
في ماسبيرو ومع بدايات التسعينات بدأ يدخل إليه أقارب أعضاء مجلس الشعب وأبناء دوائرهم، وكان صفوت الشريف يمنح كل عضو مجلس بعض التأشيرات لأقاربه وأهالي الدائرة. وأصبحت الوظيفةً في ماسبيرو بديلا للتوظيف في الوحدةً المحلية ومجلس المدينة ومركز الشباب ووزارة الزراعة. وكان ٩٩٪ من هؤلاء أولاد الحزب الوطني والعائلات المؤثرة في الانتخابات. ومن بين هؤلاء بدأ ظهور ما يسمي بموظف الإعلام المخبر.
مع قدوم أبناء القرى من ناخبي أعضاء مجلس الشعب أصبح التخصص الإعلامي ليس مهما، فجاء خريجو كليات الزراعة والتربية الرياضية والتجارة ليصبحوا مقدمي برامج ومعدين ومخرجين، وتضاءلت مهام لجان الاختبار للقبول بالوظائف المهنية أمام “الواسطة” كطريق للتعيين بالتليفزيون والإذاعة وقد توسعت تلك الوسيلة مع تعدد القنوات الإقليمية والمتخصصة.
قد كان قطاع الإنتاج لتميزه بعيدا نسبيا عن تلك المأساة، وحاولت الإذاعة المصرية خلال تلك السنوات الحفاظ على تقاليدها في الاختبار والتعيين، ولكنها لم تسلم من الوسيلة الثانية التي تسببت في ترهل الجهاز الوظيفي في ماسبيرو وهي أبناء العاملين. وإذا كان القانون يمنح أحد أبناء العاملين الحق في التعيين فقد صار كل أبناء العاملين موظفين في ماسبيرو وليس مهما المؤهل أو التخصص. أذكر أن أحد المديرين أخبرني أن موظفا بقطاع الأمن عين أربعة من أبنائه بوظائف متنوعة في ماسبيرو، هذا فضلا عن أبناء القيادات والمذيعات القدامى.
هذا التوسع في التعيين سواء عن طريق مجلس الشعب أو الشورى، وأبناء العاملين، وخاصة في المواسم الانتخابية أوصل عدد العاملين في ماسبيرو في يناير 2011 إلى 43 ألفا. وكان قطاع الهندسة الإذاعية أكثر قطاعات ماسبيرو عددا لاتساعه. يبدو الرقم ضخما، لكن لو وضعنا أرقاما لعدد المحطات التليفزيونية، والقطاعات وشركات الهيئة نكتشف أن العدد ليس كبيرا.
اتحاد الإذاعة والتليفزيون (الهيئة) تمتلك مثلا 156 مركزا للإرسال على مستوى الجمهورية، و7 قطاعات، و4 شركات إنتاجية وهندسية، و18 محطة تليفزيونية، و56 محطة إذاعية. ويعتبر قطاع الإنتاج من أقل القطاعات عددا لاعتماده على فرق عمل من خارج المبنى (ممثلوون، مؤلفون) ويقتصر عمله على الفنيين من مخرجين، ومصورين، ومهندسي صوت، ومهندسي ديكور، ومونتاج وإضاءة ولأبناء ماسبيرو مواهب فريدة في تلك المجالات.
أما القطاع الذي كان يتوحش ويترهل بشكل كبير فهو قطاع الأمن، الذي تحول دوره عبر السنوات وخاصة بعد عام 2000 من قطاع لتسهيل العمل إلى قطاع أمن سياسي يتدخل في كل ماسبيرو إعلاميا وتوظيفا، وسياسية، ويحدد الموظف، المدير، الرئيس، الضيوف.
وتلك كانت المأساة التي حلت بماسبيرو وكانت ثاني الأسباب في ابتعاد ماسبيرو عن رسالته ومكانته.