هل يفلت السودان من السيناريو الليبي؟

ممثلو الدعم السريع في اجتماع نيروبي (رويترز)

السودان وليبيا جارتان عزيزتان لمصر جنوبا وغربا، وما يحدث فيهما هو محل اهتمام في مصر؛ على المستوى الرسمي نظرا لاعتبارات الأمن القومي، وعلى المستوى الشعبي نظرا للامتدادات العائلية جنوبا وغربا، ولاحتضان مصر لملايين المهاجرين من الدولتين.

انقسمت ليبيا بين حكومتين، الحكومة الأصلية في طرابلس (المعترف بها دوليا)، والحكومة الموازية في بنغازي المدعومة من قائد التمرد خليفة حفتر، والحكومات الداعمة له. والآن يبدو السودان مقبلا على السيناريو ذاته، أو هكذا يريد له البعض، ليكون إلى جانب حكومته المعترف بها دوليا والتي تتخذ من بورتسودان مقرا لها حاليا حكومة موازية في إحدى مناطق سيطرة الدعم السريع، موعودة سلفا بالاعتراف من بعض الأطراف الإقليمية الداعمة لتلك الميليشيات.

مساء السبت 22 فبراير/شباط 2025، وقَّعت قوات الدعم السريع ممثلة في نائب رئيسها عبد الرحيم دقلو (شقيق حميدتي الذي غاب عن المؤتمر) وقوى سياسية وجماعات مسلحة سودانية وثيقة تأسيسية جديدة في العاصمة الكينية نيروبي، وتحدد هذه الوثيقة ملامح السودان الجديد، كونه علمانيا، غير مركزي، بجيش وطني واحد مع الاحتفاظ للجماعات المسلحة بحقها في استمرار وجود تشكيلاتها العسكرية!! وعلى أن تؤسس هذه الوثيقة لتشكيل حكومة موازية جديدة.

خلافات عطلت الإعلان

كان من المفترض أن ينتهي لقاء القوى السياسية والعسكرية المناهضة للجيش في نيروبي بالإعلان عن تلك الحكومة الموازية، لكن خلافات ظهرت بين تلك القوى، بل خلافات داخل بعضها عطلت الإعلان عن الوثيقة التأسيسية لأيام، كما أنها حالت دون إعلان الحكومة الجديدة. وحسب المعلن من تصريحات قادة تلك القوى، فإن إعلان الحكومة سيتم لاحقا من داخل السودان دون تحديد لمدينة بعينها، وإن كان المخطط أصلا أن تُعلَن من الفاشر، لكن المعارك الحالية وتقدُّم الجيش السوداني على جبهات عدة منها جبهات دارفور نفسها يحول عمليا دون إعلان الحكومة من دارفور التي هي الخطة الاحتياطية لحميدتي باعتبارها موطن أهله وعشيرته.

الحكومة الموازية كانت هي القنبلة التي فجّرت تجمُّع المعارضة الرئيسي (تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية “تقدم” برئاسة رئيس الوزراء السابق حمدوك) التي انقسمت إلى شطرين، بين من يؤيدون الحكومة الموازية ومن يعارضونها، رغم استمرار معارضتهم للجيش. لم يقتصر الأمر على هذا الانشطار في المظلة التنسيقية بل تعداه إلى داخل الأحزاب والقوى السياسية نفسها، فحزب الأمة انقسم بدوره بين مؤيدين ومعارضين، إذ شارك رئيسه فضل الله ناصر برمة ومعه عدد من القياديين في اجتماع نيروبي المؤسس للحكومة الموازية، لكن المجلس الرئاسي للحزب رفض هذه المشاركة، ورآها خروجا على موقف الحزب، وقرر عزله من موقعه، وتكليف محمد عبد الله الدومة رئيسا جديدا. وتكررت الأزمة في الحزب الاتحادي الذي مثّله إبراهيم الميرغني بينما أعلن الحزب أنه سبق فصله منه، أما الحركة الشعبية (شمال) التي أعلنت بشكل مفاجئ دعمها للوثيقة والحكومة الموازية، ومثّلها في الاجتماع رئيسها عبد العزيز الحلو، ظهر أنها لم تكن في حالة اتفاق كامل على مجريات ما حدث في نيروبي، ما دعا الحلو إلى طلب مهلة للتشاور مع حركته، لإقناع المعارضين الذين يرفضون التعاون مع الدعم السريع.

غوتيريش يرفض

الشطر الآخر من “تقدم” الذي أصبح اسمه “صمود” ظل معارضا للجيش والدعم السريع معا، لكنه رفض فكرة الحكومة الموازية باعتبارها خطرا على السودان، كما أن الأمم المتحدة ممثلة في أمينها العام أنطونيو غوتيريش، الذي عبَّر عنه المتحدث باسمه ستيفان دوجاريك، انتقد مشروع الحكومة الموازية مؤكدا أن من شأنه أن يزيد من انقسام السودان ومفاقمة الأزمة. وعلى المستوى الشعبي، تصاعد الرفض للحكومة الموازية، وشهدت بعض المناطق السودانية مظاهرات شعبية مناوئة لها.

الحكومة السودانية القائمة نددت باجتماع نيروبي، وسحبت سفيرها لدى كينيا، وقدَّمت شكوى ضدها إلى الاتحاد الإفريقي، لكن الأهم أن الجيش السوداني الذي استرد زمام المبادرة خلال الشهور الماضية محررا العديد من المواقع التي كانت تسيطر عليها ميليشيات الدعم السريع، توعَّد عبر تصريحات متناثرة لقادته بعدم السماح بأي حكومة موازية، خاصة أنه تمكَّن من تحرير معظم مناطق العاصمة الخرطوم، ويواصل تحركه نحو القصر الجمهوري، ما يعني أن الحكومة الموازية -حال تشكيلها- لن تتمكن من دخول الخرطوم.

خلافات مستمرة

الخلافات لا تزال تتصاعد داخل القوى المُوقعة على وثيقة نيروبي، وكان أحدث مظاهرها إلغاء مؤتمر صحفي بشكل مفاجئ كان مقررا عقده مساء الاثنين الماضي، وعلى رأس القضايا الخلافية حتى الآن من يشغل موقع الرجل الأول في مجلس السيادة الجديد، وهل سيكون حميدتي أم عبد العزيز الحلو؟ وحصص كل طرف من المناصب والوزارات، كما أن موقف الأمم المتحدة، وموقف الجيش السوداني الحازم، قد يدفعان بعض الدول إلى التراجع عن تعهداتها بالاعتراف بالحكومة الموازية المرتقبة.

من الواضح أن مشروع الحكومة الموازية هو محاولة جديدة أو هو الخطة (ج) من ميليشيات الدعم السريع وحلفائها (من القوى المسلحة وحتى القوى المدنية) التي يئست من السيطرة الكاملة على حكم السودان عبر محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 إبريل/نيسان 2023، ثم يأسها مجددا من تنفيذ الخطة البديلة (ب) التي كانت تقضي بإثارة الفوضى وحرق الممتلكات واغتصاب النساء وسلب الممتلكات، بما يدفع الشعب السوداني إلى الانفضاض من حول الجيش، والمطالبة بالتفاوض مع الدعم السريع، وهو ما حدث عكسه تماما بالتفاف شعبي واسع خلف الجيش، ورفض للحوار مع الدعم السريع، والآن وصلنا إلى الخطة البديلة (ج)، وهي إعلان حكومة موازية تنازع الحكومة الحالية على تمثيل السودان دوليا، وتحاول فرض أمر واقع يدفع بعض الجهات إلى التعامل معها بأنها حكومة أمر واقع، وعلى الأرجح ستلحق هذه الخطة بسابقتيها.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان