أكرم إمام أوغلو.. هل تبخر حلم رئاسة الجمهورية التركية؟!

أكرم إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول وزوجته (رويترز)

يبدو أن تركيا على موعد مع تطورات سياسية وحزبية شديدة الخطر، بعد أن تصاعدت حدة حالة الغليان والصراع المحموم على الساحة السياسية الداخلية، وهو ما ينذر بوقوع أحداث قد لا تحمد عقباها في المنظور القريب؛ بسبب الرغبة المحمومة لدى المعارضة في إجراء انتخابات عامة مبكرة، وإزاحة حزب العدالة والتنمية عن السلطة في البلاد، وما أدى إليه هذا التوجه من تنافس شديد بين أبرز مرشحي المعارضة لخوض الانتخابات الرئاسية على وجه التحديد.

أكرم إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول يعد أبرز الأسماء الموضوعة في قلب العاصفة، بعد أن أصبح هدفا لقوى فاعلة على الساحتين السياسية والحزبية بهدف عرقلة مسيرته، والوقوف في وجه تطلعاته الرامية إلى الوصول إلى سدة الحكم بالبلاد وتبوّؤ منصب رئيس الجمهورية.

فقد ازدادت شراسة المعارك التي أصبح عليه مواجهتها بمفرده، وتبرئة نفسه من سلسلة الاتهامات الموجهة إليه، التي تتمدد يوما بعد يوم، لتتحول إلى قائمة طويلة من التهم بدءا من المحاباة وتعيين مقربين منه في مناصب حساسة داخل بلدية إسطنبول، ومرورا باتهامه بالرشوة، وتسهيل منح مناقصات البلدية التي يرأسها لرجال أعمال داعمين له ضد منافسيه داخل حزبه الشعب الجمهوري، إلى جانب ادعاءات بفساد في الذمة، وتطاول على موظفين عموميين، وانتهاء بالتشكيك في صحة شهاداته الجامعية.

وهي اتهامات في حال تأكيدها عبر التحقيقات القانونية التي تجريها الجهات الإدارية والرقابية المختصة، وينظر بعضها أمام المحاكم، من الممكن أن تقضي فعلا على مستقبله، وتضع حدا لطموحاته، وتدق المسمار الأخير في نعش وجوده على الساحة السياسية.

دعاوى قضائية واتهامات بالفساد والتزوير

يواجه إمام أوغلو خمس دعاوى منظورة أمام القضاء، بينها قضايا تم الحكم عليه فيها بالحبس مدة سبع سنوات، ولا تزال في مرحلة الاستئناف، وهناك أيضا مطالب من الادعاء العام بمنعه من ممارسة العمل السياسي، ثم ظهرت فجأة على السطح ادعاءات جديدة حول عدم صحة شهادته الجامعية التي حصل عليها من جامعة إسطنبول.

فقد قدّم بعض مناوئيه شكاوى بهذا الشأن للجهات المختصة مطالبين بسرعة التحقيق فيها؛ لتتدخل النيابة العامة عبر مرسوم رسمي وجهته إلى الجامعة طالبت فيه بإفادتها حول صحة الشهادات الأكاديمية الخاصة بإمام أوغلو، وكافة التفاصيل المرتبطة بتاريخ وآلية انتقاله إليها خاصة بعد أن أفاد المجلس الأعلى للتعليم بوجود مخالفات إجرائية.

ووفق هذه الادعاءات فإن إمام أوغلو درس الهندسة في جامعة جيرنا الأمريكية بشمال قبرص التركية، على الرغم من أنها لم تكن آنذاك معتمدة لدى المجلس الأعلى للتعليم التركي، وبعد مدة انتقل إلى كلية إدارة الأعمال في جامعة إسطنبول الحكومية.

هيئة الدفاع عن إمام أوغلو أكدت أن وجود أي خلل إجرائي في الشهادات الجامعية لموكّلها يقع على عاتق جامعة إسطنبول بصفتها الجهة التي وافقت على طلب انتقاله الأكاديمي من إحدى جامعات قبرص إليها، واعتمدت الوثائق المقدمة منه.

ورغم منطقية هذا التوجه الدفاعي فإن رد الجامعة سيكون هو العنصر الفاصل في مسار التحقيقات التي تجريها النيابة العامة، فإما أن تتم تبرئته من هذه الاتهامات، ومنحه الفرصة لممارسة حياته السياسية بصورة طبيعية، وإما أن يُعدّ هذا الرد دليل إدانة حاسما على واقعة التزوير، بما يمنح الجامعة الحق في إلغاء هذه الشهادات، وعدّها كأن لم تكن.

وهو ما يعني إغلاق الباب في وجه إمام أوغلو، وتوقف مسيرته السياسية لعدم قدرته على الترشح لخوض الانتخابات الرئاسية المنتظرة، التي من أهم شروط التقدم لها الحصول على شهادة جامعية معترف بها.

ومع ذلك فسيمكنه الاحتفاظ بمنصبه رئيسًا لبلدية إسطنبول، واستمرار عضويته في الهيئة العليا لحزب الشعب الجمهوري، إلى حين الفصل في القضايا الخمس الأخرى، التي يواجه فيها أحكاما بالحبس والعزل من جميع مناصبه، والمنع من ممارسة العمل السياسي خمس سنوات كاملة.

فتح تحقيق في صحة الشهادات الجامعية لأكرم إمام أوغلو جاء بعد يوم واحد فقط من إعلانه نيته الترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة، بعد نجاحه في الحصول على موافقة مئة من نواب حزبه بالبرلمان؛ مما يجعله أخطر المنافسين لأردوغان، لذا رأى البعض أن هذا التحقيق يحمل أبعادا سياسية وقانونية بهدف التشويش على سمعته، ومحاولة عرقلة مسيرته، وإقصائه عن الترشح للرئاسة.

أردوغان يستهدف إمام أوغلو بصورة علنية ومباشرة

إمام أوغلو الذي أعلن أنه بصدد اتخاذ إجراءات قانونية ضد من يروج هذه الادعاءات الكاذبة وصف الأمر بأنه “تراجيديا كوميدية”، منددا بمن يقف خلفها، سواء من داخل حزبه أو من خارجه، وسعى لدحض ما عده افتراءات عليه عبر نشر شهادات تخرجه من جامعة إسطنبول، وشهادة الماجستير الخاصة به على الموقع الرسمي لبلدية إسطنبول.

الرئيس أردوغان كان حاضرا بقوة في المشهد، حيث وجه شخصيا للمرة الأولى انتقادات حادة وعلنية ومباشرة لرئيس بلدية إسطنبول، بدت كأنها إطلاق الشرارة الأولى في معركة سياسية حامية الوطيس سيطول أمدها لفترة من الوقت.

إذ علق على لافتات ترويجية باسم إمام أوغلو تم عرضها في الميادين والشوارع لإبراز ما حققته بلدية إسطنبول من إنجازات تحت رئاسته بالقول: “لقد رأيت اللافتات أكرم أفندي، أثبت ذلك، وانظر ماذا يفعل أردوغان”، مضيفا: “أحلامك لن تدنو حتى من الأماكن التي وصلت إليها إنجازاتنا”.

خلافات وانشقاقات داخل أجنحة الشعب الجمهوري

لم تقف مشكلات إمام أوغلو عند الصراع بينه وبين العدالة والتنمية ورئيسه أردوغان فقط، بل امتدت إلى داخل حزبه الشعب الجمهوري، حيث تفاقمت الخلافات بينه وبين الجناح الموالي لكمال كيليجدار أوغلو الرئيس السابق للحزب.

فقد اتهم كيليجدار إمام أوغلو باستغلال نفوذه في انتخابات المؤتمر العام للحزب التي أطاحت بكيليجدار أوغلو لمصلحة صديقه أوزيل، عبر استخدامه لأحد رجال الأعمال المعروفين، الذي تولى مهمة شراء أصوات المندوبين والدفع لهم، مقابل الحصول على امتيازات ومناقصات من بلدية إسطنبول.

وذلك إلى جانب أزمة خلافه مع منصور يافاش رئيس بلدية أنقرة، التي بدأت تطفو على السطح، لرفض الأخير خوض الانتخابات التمهيدية التي دعا إليها رئيس الحزب أوزغور أوزيل لتحديد اسم مرشحهم لخوض السباق الرئاسي المقبل.

يافاش الذي أعرب عن نيته الترشح للرئاسة، اعترض على سعي قيادة الحزب لتحديد اسم من سيتم الدفع به لخوض الانتخابات الرئاسية مع أنه لم يتم تحديد موعد مبكر لإجراء هذه الانتخابات، المقررة عام 2028، معتبرا ما يحدث نوعا من العبث السياسي في ظل إمكانية حدوث الكثير من التطورات على المشهد السياسي في تركيا.

تصريحات يافاش أكدت وجود خلافات قوية، وحالة من الانشقاق الذي يتسع داخل حزب الشعب الجمهوري، منقسما إلى عدة أجنحة، مما ينذر باحتمال خروج بعض قيادات الحزب، وتشكيلهم أحزابا جديدة، أو الانضمام إلى أحزاب قائمة فعلا على الساحة السياسية.

يبدو منصور يافاش أوفر رموز حزب الشعب الجمهوري حظا لتطبيق هذا السيناريو، فهو محافظ التوجه قومي الهوى؛ مما يجعله أكثر تواؤما مع توجهات حزب الحركة القومية السياسية واقتناعاته الأيديلوجية، ولديه فرصة جيدة لتبوّؤ منصب حزبي رفيع المستوى بداخله يمكنه من الترشح لرئاسة الجمهورية في ظل تراجع الحالة الصحية لرئيسه دولت بهشلي.

اتهامات وخلافات يواجهها إمام أوغلو سياسيا وحزبيا تشير في مجملها إلى أن المرحلة المقبلة ستشهد المزيد من التطورات على الساحة السياسية لتركيا، قد يتغير بسببها المشهد العام برمته، فتختفي شخصيات وتحل محلها شخصيات أخرى.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان