دعوة نتنياهو إلى زيارة ألمانيا وإمكانية الرد الشعبي

فريدريش ميرتس (رويترز)

قال فريدريش ميرتس زعيم ائتلاف المحافظين الفائز بنسبة 28.8% بالانتخابات التشريعية الألمانية، إنه سيدعو رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بعد وقت قصير من تشكيل الحكومة إلى زيارة ألمانيا، وإنه سيوجِد طريقة تمكنه من زيارة ألمانيا ومغادرتها من دون توقيفه، ضاربا عرض الحائط بتوقيع بلاده على المعاهدة التأسيسية للمحكمة الجنائية الدولية، التي أصدرت مذكرة اعتقال لنتنياهو ووزير الدفاع السابق غالانت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

ورغم أن ميرتس ما زالت أمامه عقبات لتشكيل الحكومة، في ظل رفض حزبه التحالف مع حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف، الذي جاء بالمركز الثاني بنسبة 20.5% من الأصوات، واعتراض شريكه بالائتلاف حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي على التحالف مع حزب الخضر الذي حصل على نسبة 12.3%، واضطراره إلى التحالف مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي يرأسه المستشار الألماني أولاف شولتس؛ فقد أراد ميرتس التأكيد على مساندته لإسرائيل استمرارا لنهج شولتس الذي ساعدها بالعتاد والمال والتأييد السياسي وقمع المتعاطفين مع غزة.

اقرأ أيضا

list of 4 itemsend of list

ويأتي ذلك في ضوء استخدام الرئيس الأمريكي ترامب للعقوبات التجارية على دول أخرى، واستخدام دول الاتحاد الأوروبي من قبله للعقوبات التجارية على عدد من الدول مثل إيران وسوريا وروسيا، ففي عام 2015 كان حجم التجارة بين ألمانيا وروسيا 52 مليار يورو، ثم تقلصت التجارة بينهما العام الماضي إلى 9 مليارات دولار فقط بعد العقوبات الأوروبية لروسيا بسبب حربها مع أوكرانيا، والاستغناء عن النفط والغاز الطبيعي الروسي، رغم كونه الأرخص لوصوله إليها عبر الأنابيب، في حين تزيد تكلفة النفط والغاز المُسال الواصل عبر الناقلات سواء من أمريكا أو من غيرها.

 فائض مع 38 دولة إسلامية

لهذا يصبح السؤال أليس من حق الشعوب العربية والإسلامية أن تستخدم سلاح الواردات للدفاع عن مصالحها والاعتراض على المواقف الغربية المنحازة لإسرائيل على حساب حقوق الشعب الفلسطيني؟ خاصة أن ألمانيا تحقق فائضا تجاريا كبيرا ومستمرا منذ سنوات بتجارتها مع العالم العربي، حتى إن هذا الفائض الألماني مع العرب تخطى ثلاثين مليار يورو قبل تسع سنوات، ولم يقل عن عشر مليارات في السنوات التالية ليصل العام الماضي إلى 17.2 مليار يورو.

ومع بلوغ قيمة الواردات العربية من ألمانيا العام الماضي 37 مليار يورو، وهو الرقم الذي يرتفع إلى 89 مليار يورو بإضافة باقي أعضاء منظمة التعاون الإسلامي، خاصة مع تحقيق ألمانيا فائضا تجاريا مع 38 دولة، من بين دول منظمة التعاون الإسلامي السبع والخمسين بلغ مجموعه 31 مليار يورو، وتضمنت قائمة دول الفائض الألماني: الإمارات العربية بقيمة 7.8 مليارات يورو والسعودية 7 مليارات يورو، وتركيا 4.8 مليارات، ومصر 2.4 مليار، وإيران 1.1 مليار، وأوزبكستان 997 مليون يورو، والجزائر 878 مليون يورو.

كما شملت دول الفائض الألماني: الكويت والأردن وقطر وسلطنة عمان وقرغيزستان ولبنان والبحرين والسنغال وبنين ومالي وأفغانستان وغينيا وبروناي وسوريا وغيرها. ورغم تركز واردات ألمانيا من الدول الإسلامية على النفط والغاز والمعادن والمواد الخام، فقد استطاعت تحقيق فائض تجاري مع دول منظمة التعاون الإسلامي في العامين السابقين.

ولعل الظروف الاقتصادية الحالية بألمانيا التي شهدت انكماش اقتصادها في العامين السابقين، والتي دعت إلى انتخابات مبكرة جرت الأحد الماضي خسرها الائتلاف الحاكم، وتوقعات صندوق النقد الدولي بنمو ضعيف لها العام الحالي بنسبة ثلاثة بالألف وبنسبة 1.1% العام المقبل، لعلها ظروف مناسبة كي تؤثر دعوة المقاطعة للسلع الألمانية، خاصة أن كلا من الصادرات والواردات والتجارة الألمانية السلعية قد شهدت العام الماضي تراجعا للعام الثاني على التوالي، وفي العام الماضي تراجعت الصادرات بنسبة 2.1% والواردات بنسبة 3.6% والتجارة بنسبة 3.1%.

ويعتمد الاقتصاد الألماني كثيرا على الفائض التجاري السلعي المستمر بلا انقطاع منذ عام 1952 وحتى الآن، إلا أن قيمة هذا الفائض متذبذبة خلال السنوات الأخيرة، حيث قل الفائض العام الماضي عما كان عليه قبل ثماني سنوات، كما تراجع بشكل كبير عام 2022.

عجز تجاري خدمي مزمن

وتبدو أهمية التجارة السلعية للاقتصاد الألماني الذي يعاني من المنافسة الصينية، حيث تشغل ألمانيا المركز الثالث بالتجارة الدولية بعد الصين والولايات المتحدة، وتحتل المركز الثالث بالصادرات الدولية بعد الصين والولايات المتحدة، بعد أن كانت بالمركز الأول في الصادرات الدولية حتى عام 2008، لتهبط إلى المركز الثاني ثم تشغل المركز الثالث منذ عام 2009 وحتى الآن، أما في الواردات السلعية فهي بالمركز الثالث بعد الولايات المتحدة والصين حيث تحتاج لكميات كبيرة من الطاقة.

وتعد ألمانيا المستهلك العاشر دوليا للنفط الخام بكمية 2.1 مليون برميل، ونظرا إلى كونها لا تكتفي ذاتيا من النفط الخام إلا بنسبة 6%، فإنها تشغل المركز السادس دوليا في استيراد الخام، وفي الغاز الطبيعي بلغت نسبة اكتفائها 6% أيضا؛ مما جعلها تحتل المركز الثاني في واردات الغاز الطبيعي بكمية 88.6 مليار متر مكعب عام 2023، كما تبلغ نسبة اكتفائها من الفحم 74%؛ مما أوصل وارداتها منه إلى 44.8 مليون طن عام 2022.

ويزيد من تأثير حملة مقاطعة السلع الألمانية امتدادها إلى مجال الخدمات، مثل السياحة وخدمات النقل والتشييد والخدمات التعليمية والصحية والمالية والتأمينية وغيرها من الخدمات، خاصة أن ألمانيا تعاني من عجز مزمن بتجارتها الخدمية الدولية منذ عقود، وهو العجز الذي بلغت قيمته عام 2023 نحو 71 مليار دولار، لتحتل المركز الثاني دوليا بقيمة العجز الخدمي بعد الصين.

ومما يشجع الدعوة إلى مقاطعة السلع والخدمات الألمانية نجاح التجارب السابقة للمقاطعة المواكبة للحرب على غزة، في خفض مبيعات عدد من الشركات الدولية التي طالتها حملات المقاطعة، وعلى الجانب الآخر عدم تنفيذ أي من توصيات مؤتمرات القمم العربية والإسلامية الخاصة بدعم غزة، وعدم احترام إسرائيل لاتفاقات وقف اطلاق النار بكل من غزة ولبنان والاستمرار في قنص المدنيين بهما، والحملة العسكرية الضارية بالضفة الغربية، التي تسببت في تهجير نحو أربعين ألف مواطن وهدم مئات من البيوت، والاستمرار في العدوان على سوريا حتى بعد تدمير معدات الجيش السوري.

والاستمرار في التعنت في إدخال المعدات إلى غزة لرفع الركام، للكشف عما تحته من ضحايا كي تعرف الأسر مصير أفرادها المفقودين، وهو الركام الذي قالت منظمات دولية إنه سيحتاج إلى عشر سنوات لرفعه، والتعنت في إدخال البيوت المتنقلة رغم ظروف البرد القارس التي تسببت في وفيات الأطفال الرضع، وتأجيل الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، رغم التزام المقاومة بالإفراج عن الأسرى الإسرائيليين حسب اتفاق المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان