النصاب الإلكتروني FBC.. لماذا ينجح في بيع وهم الثراء السريع لضحاياه؟

التطبيق الذي مارس النصب على المصريين (منصات التواصل)

 

استيقظ المصريون خلال الساعات الـ72 الأخيرة على عملية “احتيال إلكتروني” واسعة، راح ضحيتها مئات أو آلاف الأفراد. استدراج الضحايا للإيقاع بهم، والاحتيال لسلب أموالهم، قامت بها منصة (FBC) للتداول الرقمي والربح الإلكتروني، إغراءً لهم بأرباح خيالية، يعقبها الثراء السريع، مقابل تشغيل مقاطع فيديو، وتحميل تطبيقات في مواعيد محددة. المنصة الوليدة على الإنترنت تؤدي دفعات الأرباح الأولى، لتغري المشترك بترقية “باقة” الاشتراك من 4200 إلى 11200 ليكسب 400 جنيه يوميا، ثم باقة أعلى، وهكذا. فالأرباح الخيالية أسكرت المشتركين، ولعبت برؤوسهم كما الخمر، فيسارع الواحد منهم إلى بيع ذهب الزوجة، ودفع ثمنه، أو بيع المواشي، أو حتى الاقتراض، لترقية الباقة، أملا في أرباح أعلى، وثروة أكبر في زمن قياسي.

صيني ويابانية.. وتحويشة العمر وانتحار

المنصة استولت -حسب بيان النيابة العامة المصرية- على ما يعادل 165 ألف دولار تقريبا (8 ملايين و219 ألف جنيه) من 310 مواطنين تقدموا ببلاغات رسمية. بينما تتوالى البلاغات لمواطنين آخرين، ممن سقطوا ضحايا للنصب. الأجهزة الأمنية أوقفت 15 متهما، بينهم متهم صيني، ومتهمة يابانية.. قررت النيابة حبسهم جميعا على ذمة التحقيقات، والتحفظ على أموالهم والأجهزة المضبوطة بحوزتهم. كما أمرت بضبط متهم أجنبي هارب. وأفاد مصدر برلماني مصري بأن “المنصة” اجتذبت منذ ميلادها، في يناير/كانون الثاني الماضي، مليون شخص في مصر والأردن ودول عربية عديدة، واستولت منهم على ما يعادل 6 ملايين دولار. مع سقوط المنصة، تداولت وسائل التواصل الاجتماعي قصصا ومآسي لمصريين من ضحاياها، فقد توفيت امرأة مُسنة بالسكتة القلبية على وقع الصدمة، فور علمها بضياع أموالها التي استثمرتها في المنصة، وانتحرت أخرى. وروى غيرهم أن معاناتهم دفعتهم إلى الاقتراض، وتقديم تحويشة العمر، للاستثمار في “المنصة”، وتبيَّن أن ثلاثة أجانب أسسوها، بالاشتراك مع 13 شخصا من محافظة البحيرة شمال غربي مصر.

“العتبة الخضرا”.. والمحتال الإلكتروني

عملية النصب بواسطة تطبيق FBC، الذي يطلق على نفسه “منصة”، هو سيناريو مكرر لما سبق معالجته في فيلم “العتبة الخضرا” السينمائي الكوميدي الشهير (إنتاج 1959) المأخوذ عن “عمليات نصب حقيقية” في الأربعينيات، عندما باع نصاب شهير يُدعى رمضان أبو زيد، حسن المظهر والهندام، لأحد الفلاحين “الترام” الذي جمع بينهما مصادفة. كما باع ميدان العتبة الخضراء لمواطن آخر، واستولى منه على 120 جنيها، وهي الوقائع التي جسدها الفيلم، لمؤلفه جليل البنداري، ومُخرجه فطين عبد الوهاب، بطولة إسماعيل ياسين وأحمد مظهر وصباح وآخرين. الفارق هو تطوير الفكرة لتتوافق مع مستحدثات التكنولوجيا والإنترنت، بواسطة محتال أو نصاب إلكتروني. “المحتال الإلكتروني” قد يكون موقعا أو تطبيقا إلكترونيا أو صفحة للتواصل الاجتماعي. أما الأساليب فكثيرة تفوق الحصر، أشهرها الإغراء بالاستثمار وجني أرباح مرتفعة جدا، بما يغري المستهدفين بالاحتيال.

كازينوهات القمار الافتراضية

فهذه منصات لـ”المراهنات” المرتبطة بمباريات كرة القدم أو المسابقات الرياضية، وغيرها لكازينوهات القمار الافتراضية، محاكاة متطورة للكازينوهات التقليدية في الزمن القديم، وتلك لعبة داخلها رهانات. وكلها أشد إغراء للشباب، وتصيبهم بـ”الإدمان”، وتسرق أموالهم بحيل شيطانية معقدة، لا يفطن إليها المشترك. لماذا تنجح عمليات النصب الإلكتروني؟ وما السر في انجذاب “الضحايا” وسقوطهم في حبائلها؟ فكرة النصب بالعموم تلعب على وتر الإغراء بجني أرباح هائلة، مضمونة ومؤكدة (بالإيهام والخداع) و”سراب” الثراء السريع، باستثمار أو دفع مبالغ صغيرة نسبيا. فالأرباح هنا مضمونة؛ يأتي شحن الباقة، والاستثمار عن بُعد، دون عناء أو جهد أو شقاء أو عمل. الفكرة مقبولة في ظل توفر خدمات كثيرة يتم تنفيذها للفرد عبر الإنترنت دون أن يبرح مكانه (سداد فواتير مرافق – شحن باقات الإنترنت والهواتف – تحويل أموال – استخراج أوراق)، فما الذي يمنع من جني الأرباح دون أن يبرح الفرد مكانه؟ كما أنها لا تختلف كثيرا عن إيداع الأموال في البنوك، وانتظار الأرباح بشكل دوري.

الربح الأعلى.. والترويج

صحيح أن المصارف والبنوك أكثر مصداقية وأمانا لأصحاب الأموال، لكن هذه الأفضلية للبنوك تتراجع، وتتهاوى أمام إغراء الربح السريع والأعلى الذي تُمني به هذه المنصات ضحاياها. مثلما أن “زيادة نسبة الأرباح للأموال المودعة في بنوكنا” طوال السنوات الماضية (27% في بعض الحالات) أسهمت في صرف أنظار الناس عن استثمار أموالهم في الإنتاج، والبحث عن أعلى فائدة أو ربح، بعيدا عن “وجع الدماغ”. لذا، فالفوز مؤكد لمثل هذه المنصات، خاصة أن منصة FBC روجت لنشاطها قبل انطلاقه بإعلانات وحملة علاقات عامة، جذبت إليها الكثيرين. تقليديا، يقال إن النصاب (إلكتروني في حالتنا هذه) يغازل صفة الطمع لدى ضحيته المفترضة أو المستهدفة، بينما واقع الحال يشي بأن “الطماع” لا يسقط وحده في براثن هؤلاء النصابين الجُدد، ولا حتى السُذج على شاكلة إسماعيل ياسين في “العتبة الخضرا”.

الاسم الأجنبي.. وقيمة المال

الضحايا كُثر متنوعون، من فئات ومستويات تعليمية وخلفيات ثقافية متباينة، لكنهم لا يرهقون عقولهم بالتفكير فيما إذا كان هذا الربح الخيالي منطقيا أم لا، فهم نتاج لنظام تعليمي يعادي التفكير النقدي، بما يُنتج أشخاصا اتكاليين سلبيين مطيعين، لا يميلون إلى إجهاد عقولهم. فيكون سهلا التلاعب بعقولهم، وبيع الوهم لهم، ومداعبة أحلام اليقظة لديهم، بواسطة “نصاب إلكتروني” محترف، يتخذ اسما أجنبيا براقا مثل FBC، فنحن العرب بطبيعة الحال ننخدع، وربما ننسحق إعجابا وانبهارا بكل ما هو أجنبي. مشكلة أخرى تكمن في منظومة القيم التي سادت مجتمعنا في العقود الخمسة الأخيرة، بإعلاء قيمة “المال” على ما عداه، والفردية و”الأنا مالية” (نفسي وليهلك الجميع من بعدي). فتلاشت المحاذير، المهم “كم أكسب أنا وأربح”؟ تلك هي القضية.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان