انتبه.. العالم يعود إلى الخلف

دونالد ترامب إيمانويل ماكرون البيت الأبيض
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يصافح نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون في البيت الأبيض (رويترز)

منذ اعتلاء الرئيس دونالد ترامب، وفريقه البروتستانتي، الوزاري والأمني، عرش الولايات المتحدة الأمريكية، الشهر الماضي، أصبح واضحًا أن العالم يعود إلى الخلف، خصوصًا في ظل وجود تلك الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، أو إن شئت قل الإرهابية، التي تسيطر، من خلال أذرعها القوية، على مسارات السياسة الأمريكية، ليس فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط فقط، بل في القارات المختلفة، بما يخدم الصهيونية العالمية، حتى لو كانت النتيجة النهائية دمار أجيال، وفناء أخرى، وذلك على مسمع ومرأى من عواصم وشعوب، صدعت العالم بمواعظ ومحاضرات وإملاءات، حول الديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان والحيوان، وما شابه ذلك.

في البداية، تجدر الإشارة، إلى أن أمر الممارسات الأمريكية المثيرة للجدل حول العالم هذه، لا تتمحور في معظمها حول أسباب تتعلق بالولايات المتحدة نفسها، ذلك أن العقوبات على جنوب إفريقيا، على سبيل المثال، في أقصى جنوب القارة السمراء، تأتي انتقامًا من موقفها اتجاه الكيان الصهيوني، خلال حرب الإبادة على قطاع غزة، كما أن العقوبات على محكمتي العدل والجنائية الدوليتين وقضاتهما، إنما هي أيضًا انتقام معلن للسبب نفسه، بينما يأتي التصعيد بمزيد من العقوبات على إيران، الواقعة في القارة الآسيوية، لحساب الكيان الصهيوني أولًا وأخيرًا.

الأكثر دهشة، هو أن إسرائيل حاضرة بقوة على مائدة مفاوضات فض الاشتباك بين روسيا وأوكرانيا، ذلك أن التخلي الروسي عن إيران في المرحلة المقبلة -على الرغم من اتفاقيات الشراكة الاستراتيجية بين البلدين- يعد أهم شروط التدخل الأمريكي لإنقاذ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، من ورطة الاستنزاف هذه، فضلا عن الانسحاب الروسي من سوريا ومن القواعد العسكرية هناك، لحساب الكيان الصهيوني في المقام الأول، وذلك بعد الإطاحة بالرئيس بشار الأسد، الحليف الاستراتيجي لموسكو، ثم ترتيب الأوراق في دمشق على النحو الذي لم تعد معه الجبهة السورية، تشكل معضلة للكيان من أي نوع، على المدى القريب، على أقل تقدير، وما يتبع ذلك من إغلاق الإمدادات عن الجبهة اللبنانية.

عودة إلى عصور الظلام

وعلى الرغم من إعلان ترامب، منذ حملته الانتخابية، وحتى ما بعد تنصيبه، أنه سوف يعمل على وقف الحروب وفض النزاعات في العالم، فإن الممارسات على أرض الواقع، تشير إلى غير ذلك، في ضوء تصعيد على كل الساحات تقريبًا، حتى أصبحنا أمام ساحات جديدة في معظمها، كما هو الحال في كندا، التي يطمع في ضمها لبلاده، أو حتى غرينلاند الدنماركية، التي يسعى إلى الاستيلاء عليها، أو قناة بنما، التي يرغب في احتلالها، أو قطاع غزة، الذي أعلن عزمه امتلاكه، وغير ذلك من الأزمات، من المكسيك والبرازيل، إلى الصين وكوريا الشمالية، وحتى الجزائر والمغرب، ومصر والأردن.

وربما لم يكن أشدّ الناس تشاؤمًا يتصور أن العلاقات الأمريكية الأوروبية، يمكن أن تشهد أزمة سياسية يومًا ما، لأي سبب من الأسباب، على اعتبار أن حلف الناتو، الذي يجمعهم، هو في حد ذاته كافٍ للوقوف في خندق واحد، في مواجهة الأخطار بشكل عام، إلا أن القارة الأوروبية أصبحت تشعر الآن بالضعف الشديد، بل والانكشاف والعجز، أمام القوة العسكرية الروسية من جهة، والقوة الاقتصادية الصينية من جهة أخرى، في ظل تحولات أمريكية، أصبحت تبحث عن المصالح الذاتية، دون الحاجة إلى تحالفات إلا إذا كان المقابل مجزيًّا ماديًّا من خلال “الإتاوات” السنوية، أو حتى عينيًّا، كما هي حالة أوكرانيا، التي سوف تتنازل عن مقدراتها الطبيعية طوعًا أو كرهًا.

هي حالة تعود بنا إلى عصور الظلام، أو عصور القوة، أو عصور الاستعمار، أو سمّها ما شئت، حتى لو كانت عصور الفتوات وقطاع الطرق، أو عصور القراصنة، أو التتار، وما شابه ذلك، فإن الفارق الوحيد يكمن في عملية التغليف الحديثة، ارتداء البدلة والكرافتة أمام الميكروفونات لفرض الشروط، بدلًا من الأزياء العسكرية التقليدية قديمًا وحديثًا، الابتسامة والمصافحة على مائدة المفاوضات، بديلًا عن إشهار السيوف والخناجر، توقيع العقوبات بالمقاطعة والحصار والتجويع، حتى من خلال المنظمات الدولية برفع الأيدي قسرًا وقهرًا، بدلًا من المواجهات والخسائر التي قد لا تجدي نفعًا.

      خطأ الأنظمة العربية

بالفعل، يسير العالم الآن إلى الخلف، وبسرعة قصوى، من خلال مجموعة من الموتورين أو المرضى النازيين، بما يجعل الخوف والرعب من المجهول حالة عامة، تزامنت مع قدوم العام الجديد، الذي تشير المعطيات إلى أنه يحمل في جعبته الكثير من المتغيرات على كل الأصعدة، جغرافيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، خصوصًا في منطقتنا العربية، التي بدا واضحًا أنها تشكل محور الارتكاز، أو محور الأحداث، ما استمر وجود ذلك الكيان الصهيوني بالمنطقة، بأطماعه التوسعية المعلنة، وممارساته الدموية، الآخذة في التفاقم، بالانتقال من جبهة إلى أخرى، ومن إبادة إلى أخرى، ومن دمار إلى آخر، في غياب الضمير العالمي.

الأمر الجدير بالتنبيه في هذا الصدد، هو ذلك الخطأ الذي ترتكبه الأنظمة العربية جميعها الآن، ممثلًا في اعتقاد أن هذا النظام أو ذاك، أو هذا الشعب أو ذاك، بمعزل عن الخطر، أو بمعزل عن أطماع ذلك الكيان الصهيوني التوسعية، وهو خطأ لو تعلمون عظيم، سوف تسدد الأجيال المقبلة بسببه فاتورة باهظة من الدم والمال، والأرض والعرض، وكل شيء تقريبًا، وربما تكون قراءة التاريخ كفيلة باستيعاب وفهم هذه الأوضاع، بعد أن بدا أنه يكرر نفسه، بعد قرن من الزمان، على الرغم من أن مؤامرات التقسيم في السابق لم تكن معلنة على المشاع، كما هو الحال الآن.

على الرغم من كل ذلك، أعتقد أن الأمر يمكن أن يكون مختلفًا الآن، على الصعيد العالمي، عن سابقه قبل مئة عام، على يد سايكس -بيكو، بما يجعل من مقاومة مخططات ترامب ونتنياهو، حاليًّا أمرًا يسيرًا إذا كانت هناك إرادة، ذلك أن العالم كله مهيّأ الآن للتضامن في مواجهة ما يجري، والأسباب في ذلك كثيرة، نتيجة المخاوف من المستقبل من جهة، ونتيجة إدراك طبيعة المخطط الصهيوني من جهة أخرى.

الكرة الآن في ملعب العالم العربي بشكل خاص، وذلك بضرورة استغلال الفرصة، من خلال تصدر الصفوف الأمامية، وحمل مشعل القيادة، التي كانت مصر جديرة بها يومًا ما، في ظل قيادة تاريخية، مهما كان حجم الجدل حولها، وهو الأمر الذي تفتقده المنطقة العربية، منذ نصف قرن من الزمان، وهو ما جعل الشعوب تتشوق الآن لقيادة على مستوى الأحداث، تكون جديرة بالدعم والفداء والحمل على الأعناق، ذلك أن منطقتنا قد عادت إلى الخلف بما فيه الكفاية، حتى إنه لم يعد هناك متسع للعودة أكثر، فهل من مبارز يُحمل على الأعناق؟!

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان