في رمضان وبعده.. احتضن الإخلاص والعزة واجعلهما وقودك الدائم

نخطط جميعًا للفوز بأفضل ما يمكننا في رمضان، ونجتهد -ما استطعنا- ونقاوم “الإغراءات” وما أكثرها، ونُسكت أصوات المحبطين “ونحفز” أنفسنا بتذكيرها بالمكاسب الهائلة في رمضان.
ونحرص على الزيادات في العبادات ومضاعفة التركيز في أدائها، ونسعى لأكبر قدر من ضبط النفس وترديد جملة “اللهم إني صائم” عند التعرض لما يكدرنا في تفاصيل الحياة اليومية في شهر رمضان، ونسعى “للتحكم” في ردود أفعالنا؛ حتى لا نقول أو نفعل ما “يُفسد” صيامنا.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsلعبة السياسة في تركيا.. “غلطة الشاطر بألف”
“لحظة حزينة في عالم السينما”.. إلقاء الحجارة على الأوسكار!
ورطة الجامعة العبرية
ولسان حال الكثيرين: هو شهر واحد في العام، ومن الذكاء والحكمة ألا نخسر مكاسبه وأن “نقتنصها”، وقد يكون آخر رمضان لنا، متع ربي الجميع بالعمر الطويل والعمل المقبول ورضا من الرحمن يزيد ولا ينقص أبدًا.
نعمة وعبادة
ننسى في زحمة الضغوط التي “تنال” منا جميعًا لأسباب مختلفة وبدرجات متفاوتة أيضًا أن رمضان ليس شهرًا للصيام فقط لنجني مكاسبه ثم “نسمح” لها بالتسرب من بين أيدينا بعد انتهائه، بل هو شهر “للتدريب” على ما يجب احتضانه طوال العمر.
ولعل أهم ما يجب الفوز به هو “نعمة” وعبادة الإخلاص، ولا شيء كالصيام يمكن أن يقربنا إليه، فلا بد من إخلاص النية بالصيام لله وحده وتحمُّل مشاق الصيام “قربى” وطاعة للرحمن، وواقعيًّا يمكن ادعاء الصيام أمام الناس والأكل والشرب في الخفاء.
وجوهر الإخلاص أن يكون ما نفعله في العلن هو ما نفعله في الخفاء، وألا نبتغي غير وجه الله عز وجل، وأن نبتعد عن كل مظاهر الرياء والرغبة في الحصول على إعجاب الناس بتصرفاتنا الدينية أو الدنيوية.
تسليم والتزام
من الإخلاص تمام التسليم للرحمن والالتزام بأوامره وتجنب ما ينهى عنه سبحانه وتعالى “دون” السؤال عن الحكمة أو الفوائد الدنيوية، وهذا لا يتعارض بالطبع مع التدبر في الدين وفهم التعاليم.
فالصيام عبادة نتقرب بها إلى الله عز وجل، ولا نهتم بما يقال عن فوائده الصحية؛ فلا نصوم لتتحسن صحتنا، ولا بالشعور بالفقراء وما شابه ذلك، إذ يكفي أن الله “شرَّفنا” بالصيام وهو من أركان الإسلام الخمسة لنفعله.
وفي قلوبنا “ووعينا” الآية الكريمة {وما أُمِرُوا إلا لِيَعبدوا اللهَ مخلِصينَ لهُ الدينَ}، وقوله عز وجل {وما آتاكُمُ الرسولُ فخُذوهُ وما نهاكُمْ عنهُ فانتَهُوا}.
وقد أمرنا الله ورسوله بالإخلاص، فكيف لا نتخذه منهجًا في أعمارنا، ولنبدأ بترسيخه في رمضان ليصبح واقعًا “نتنفسه” في جميع تفكيرنا وأفعالنا.
ارتياح وتحرُّر
في الحديث القدسي يقول رب العزة “كلُّ عملِ ابنِ آدمَ لهُ إلا الصيام، فإنهُ لي وأنا أجزي بِه”.
فلنتنافس مع أنفسنا لنصوم حبًّا وخضوعًا وإخلاصًا لله عز وجل، ونتدرب على أن تكون نياتنا الإخلاص للرحمن في جميع أعمالنا كل يوم وطوال العمر وفي السر والعلن.
وسنرتاح نفسيًّا وتتضاعف طاقاتنا بعد “التحرر” من الخضوع للناس والاحتياج إلى رضاهم عنا، وفعل ما يجلب تقديرهم وإعجابهم في الواقع وعلى وسائل التواصل الاجتماعي؛ مما يجعل بعضنا في حالة لهاث دائم وجوع نفسي متواصل، ينهك الطاقات ويُبعد عن الإخلاص ويوقع في “هاوية” الرياء، ويباعد من يفعله عن العزة فيكون “تابعًا” لما يزيد إعجاب الناس به، فيفقد ما يميزه ويبتعد عن ذاته الحقيقية دون أن يدري.
ومن الإخلاص والعزة الامتناع عن الحديث في الواقع أو الكتابة على وسائل التواصل الاجتماعي عن عباداتنا وأعمالنا الصالحة في رمضان وسائر شهور العام، ومن يقول إنه يفعل ذلك “لتشجيع” الغير على الاقتداء به؛ فبالإمكان التشجيع بذكر فضائل هذه الأعمال دون ذكر أننا نفعلها، أليس كذلك؟
قوة وعزة
ومن يتدرب على نزع الاحتياج إلى الناس، ويزرع العزة والإخلاص في عمره، ينجو من خسائر لا تُعَد ولا تحصى في الدارين، والعكس صحيح.
وفي الحديث الشريف: إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا، وابتُغي به وجهه.
للفوز بالعزة، فلنذكّر أنفسنا دائمًا بالدعاء النبوي الشريف “اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد”.
الإخلاص والعزة يمنحنان من يختارهما القوة والصلابة، ويجعلانه “يواجه” كل المشاق التي لا تخلو منها أي حياة ومنها مشقة الصيام، فيتحملها بأفضل ما يمكنه، وفي قلبه “نور” لطيف يربت عليه، وتسري في دمائه “ابتسامة” تهوّن عليه ما يلقاه، وكله “يقين” أن الرحمن سيكافأ إخلاصه بأضعاف ما يتمناه.
يقين ومكافأة
وحتمًا سيزول كل وجع، وسيتبقى ما يجعله “يتنفس” الهنا والبركة والرضا وراحة القلب في الدارين بعد أن ينجح في الفوز بالدين والدنيا بالإخلاص لله عز وجل في كل ما يفعله “ويطرد” كل الحسابات الدنيوية من قلبه وعقله وأفعاله، ويزرع “العزة” في ثواني عمره وسنواته، ويوقن أن الله “وحده” الكافي.
كما سيمنحه ثواب الصوم من واسع فضله، سينير له حياته في الدارين مهما واجه من صعاب، فستنتهي “بمكافأة” كما ينتهي يوم الصيام بفرحتين؛ إحداهما عند الإفطار، والثانية وهي الأجمل والأوسع والأدوم عند لقاء الرحمن.
لا حياة بلا أنواع الوقود الذي تسير به كل وسائل الحياة، ويعتقد الكثيرون أن الطعام والشراب وتوافر المال أهم وقود للإنسان.
ولا نجادل في أهميتها لكن الوقود “الحقيقي” لكل من يرغب في حياة حقيقية هما الإخلاص والعزة، فبهما وحدهما يتمكن من العيش برأس مرفوعة لا يحنيها إلا لله عز وجل طلبًا لحبه ورضاه، ولا يلتفت إلى الناس.
ودومًا يتذكر القول البديع “لا تحزن ولا تفرح إلا بما ينير قبرك”، ولا شك أن ما ينير الحياة في الدارين هو الصيام “بإخلاص” وعزة عن كل ما يغضب الرحمن في رمضان، وفعل كل ما يقربنا إلى الفوز برضا اللطيف بعباده دائمًا وأبدًا.