“أشهد أنني أخطأت.. وأقدم لكم اعتذاري”

حمدين صباحي: على الأمة أن تفتخر بالمقاومة الفلسطينية
حمدين صباحي (الجزيرة)

من كان منكم بلا خطيئة في حق ثورة يناير فليرم حمدين صباحي بحجر.

الرجل في شجاعة تُحسب له يقر ويعترف بأخطائه وخطاياه ويندم عليها ويعتذر عنها.

وهو كان ركنًا أساسيًّا في هذه الثورة ويقف خلفه تيار شعبي وسياسي وحزبي له وجوده وسط الناس.

في أول انتخابات رئاسية بعد يناير/كانون الثاني، حل صباحي ثالثًا، ولم يكن الفارق متسعًا بينه وبين الأول (مرسي مرشح الإخوان) والثاني (أحمد شفيق مرشح النظام القديم)، وكان متوقعًا أن يكون هو الحصان الأسود ويدخل الإعادة مع مرسي أو شفيق، لكن قوة التنظيم والحشد من الإخوان والنظام القديم كانت لها الغلبة، وفي النهاية فاز الإخوان، ومع فوزهم كانت مصر تنتقل من الثورة إلى بوادر الردة.

والردة هنا وصف استخدمه صباحي في مقالاته السبعة التي يُفند فيها مسيرته منذ 25 يناير 2011 حتى نشر المقالات في 25 يناير 2025، ويقصد بالردة مسار ما بعد 3 يوليو/تموز 2013 الذي أسس له وشارك فيه بموجة 30 يونيو/حزيران، كما يسميها صباحي، حيث لم تصمد جبهة الإنقاذ وتفككت وذهبت أهداف يونيو التي رسمتها الجبهة أدراج الرياح فلم يتحقق شيء منها؛ لا انتخابات رئاسية مبكرة، ولا حريات وديمقراطية، ولا عيش وعدالة اجتماعية، ولا حقوق وكرامة إنسانية، وإنما عودة النظام القديم تدريجيًّا برجاله وأفكاره وبنيته الأساسية وبصورة أشد وأقسى مما كان.

الرئاسة ومرشح الثورة

هل اقتحام الإخوان للرئاسة وتصديهم لحمل هذا المنصب الكبير والرفيع في مصر كان فيه انتكاسة يناير؟

صباحي في مقالاته لا يعتبر مرشحَي الإخوان للرئاسة سواء الأصلي خيرت الشاطر المسجون حاليًّا أو مرسي المرشح الاحتياطي الفائز بالمنصب والمتوفى عام 2019، لا يعتبرهما مرشحَي الثورة، وإنما يعتبر نفسه و”أبو الفتوح” وخالد علي وهشام البسطويسي و”أبو العز” الحريري وحتى العوا وعمرو موسى هم مرشحِي الثورة الحقيقيين، ويأخذ عليهم وعلى نفسه أنهم لم يتحدوا ويتكتلوا وراء مرشح واحد منهم ليكون فوزه مضمونًا من الجولة الأولى لحماية الثورة، وكان يرى نفسه هذا المرشح، لكن لا تأتي الريح دائمًا بما تشتهي السفن.

الردة عن يناير

صباحي في عامه الواحد والسبعين، وهو بعد 14 عامًا من ثورة يناير يقدم جردة حساب النفس بكل شفافية وصراحة، وهذا مُقدر له وكاشف عن حجم الردة عن يناير وأهداف موجة 30 يونيو، وفي كل سطر تجده يلوم نفسه، ويكرر كثيرًا أنه أخطأ، ويعتذر.

وضمن أهم اعتذاراته أنه تحدث عن فض اعتصام رابعة وذكر أنه عندما تم سؤاله وقتها هل هي مذبحة: قال، لا.

لكنه في مراجعاته يتراجع ويلغي هذا الـ”لا” ويقول إنها كانت مذبحة، وإن الفض لم يكن ينبغي أن يتم أبدًا بالدماء التي سالت، ويؤكد أن الاتفاق ساعتها أن يكون فض الاعتصام سلميًّا تمامًا، ويذكر أنه تم تقديم حلول ومخارج عديدة لهذه السلمية.

يقول صباحي إنني أخجل من نفسي عندما أجد أنني قلت إنها ليست مذبحة.

التقدير لصباحي على كشف الحساب القاسي الذي يقدمه عن نفسه في علاقته بثورة يناير وبما تلاه من بعد يوليو ويقف عند التفويض في 26 يوليو 2013 حيث يعتبر أن هذا التفويض أخذ أهداف يونيو في اتجاه آخر غير اتجاهها الأساسي بانتخابات رئاسية مبكرة وبناء دولة مدنية ديمقراطية، خلاصة قوله هنا أن النظام القديم الجديد بدأ يطل برأسه تدريجيًّا بعد هذا التفويض.

 خمسة أخطاء

ويلوم نفسه على مشاركته في الانتخابات الرئاسية 2014، إلا أنه ساعتها خضع لرأي من حوله، وهذه الانتخابات مثلت تراجعًا شعبيًّا مريعًا لصباحي حيث حصل على أصوات أقل كثيرًا جدًّا مما حصل عليه في 2012، والمهين أنه حلّ ثالثًا بعد السيسي ثم الأصوات الباطلة.

العنوان العريض لمراجعات حمدين صباحي لخصه في هذه العبارة:

“أشهد أنني أخطأت. وأقدم لكم اعتذاري”.

ومن هذا العنوان حدد خمسة نقاط في رصد أخطائه في مسيرة الثورة وهي:

الفشل في تشكيل مجلس رئاسي مدني يتولى السلطة في المرحلة الانتقالية.

التراخي في التوافق على مرشح يمثل الثورة في انتخابات 2012.

العجز في مواجهة بوادر الردة بعد 3 يوليو 2013.

ترشحه لانتخابات الرئاسة 2014.

التقصير في بناء التنظيم

ويقصد بالنقطة الأخيرة بناء التنظيم الشعبي السياسي القائد للثورة.

ويضرب ثلاثة نماذج على دقة وقدرة وفعالية التنظيم هي: لينين في الاتحاد السوفيتي حيث وصل إلى الحكم عبر الثورة البلشفية، وحسن البنا الذي وصل تنظيمه (الإخوان) إلى الحكم في مصر في 2012، وجمال عبد الناصر الذي أسس تنظيم الضباط الأحرار ومن خلاله غير النظام والحكم وأسس لدولة جديدة.

موقع المنصة نشر مراجعات وأخطاء واعتذارات حمدين صباحي في حلقات على مدار سبعة أيام، وهذا حدث مهم كان ينبغي أن يحوز اهتمامًا أوسع، فهو يقدم وصفًا عميقًا بلغة سياسية راقية وموضوعية للأخطاء التي جرت خلال عامين ونصف من عمر ثورة يناير، كما يفند مرحلة ما بعد 3 يوليو التي يعتبر تطوراتها ومساراتها ردة عن يناير.

الآخرون.. هل يراجعون أنفسهم؟

الحقيقة أن كل أطراف يناير دون استثناء سقطوا في أخطاء، بل خطايا قاتلة، ربما هناك أفراد كانوا أكثر وعيًا وإدراكًا لأخطار الانقسام والخصومة بين صناع يناير، بل والأخطار الكبرى للعصف بالديمقراطية الناشئة حتى لو جاءت الحكم بقوى غير ديمقراطية، أو أن هذه القوى لم تحسن إدارة السياسة والحفاظ على الديمقراطية، ولم تكن ثورية إنما تطبيعية مع الدولة العميقة وخصوم الثورة وجماعات المصالح والنفوذ وكانت النتيجة أن هؤلاء تحالفوا وأطاحوا بثورة يناير ومكاسبها ومخرجاتها.

هل يمتلك الجميع شجاعة صباحي ويقوم كل طرف بمراجعة نفسه بنزاهة وشفافية كاملة ويقر بأخطائه وتجاوزاته ويعتذر؟

هذا سيكون تحرك جاد وعملي على طريق المكاشفة والمصارحة والاستفادة من دروس الماضي بحيث لا يتكرر ذلك مستقبلًا، فالسياسة والأوضاع العامة لا تعرف الثبات الدائم مهما بدا أنها في حالة جمود أو موات.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان