استقبال البيت الأبيض لمجرم الحرب.. وأفكار لترويض ترامب

إنهاء الحرب في غزة أهم البنود في اللقاء المنتظر بين ترامب ونتنياهو في واشنطن
ترامب ونتنياهو (رويترز)

هل نحن إزاء تناقض والتباس يفسد فهم تأثير “الترامبية” العائدة على القضية الفلسطينية؟

السؤال يستحق الاهتمام جراء الارتباك مع انتقال سريع بين القول بأن رئيسا أمريكيا قويا، مقارنه بسلفه بايدن، فرض على إسرائيل صفقة وقف إطلاق النار في غزة، وبين قرارات وتصريحات بالجملة صادمة خلال أول أسبوعين بولاية ترامب الجديدة، تعطي الضوء الأخضر لعدوان كبير على الضفة الغربية تمهيدا لضمها بالكامل، ولإطلاق حملة تهجير قسري “ترانفسير” للفلسطينيين، بعشم مشاركة رسمية لمصر والأردن.

ثم دخول مجرم الحرب نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية المطلوب ضبطه وإحضاره دوليا البيت الأبيض يوم2 فبراير شباط 2025، كأول مسؤول أجنبي يستقبله الرئيس الأمريكي الجديد.

علاوة على مغزى التوقيت بعد أسبوعين فقط من تنصيب ترامب، ومع الموعد المقرر للتفاوض حول المرحلة الثانية من صفقة وقف إطلاق النار بغزة. وما سبق توجه نتنياهو لواشنطن من تصريحات عند الصعود إلى طائرة “جناح صهيون” بأن التعاون مع الإدارة الأمريكية الجديدة بإمكانه إعادة تشكيل ورسم الشرق الأوسط، والإشارة إلى “توسيع دائرة السلام”، بما يعني انتظار جائزة تطبيع كبرى.

“كن فيكون”

لاسمح الله

اللافت أن هذا التناقض والالتباس ليس بيننا وحسب.  فقد نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية قبل يوم واحد من تنصيب ترامب مقالا لناتانل فولوتش مفاده نهاية حقبة دعم واشنطن اللا مشروط لتل أبيب، ويترجم قلق نخبة الاحتلال الصهيوني لفلسطين من تحولات طرأت على الرأي العام والصحافة بالولايات المتحدة، بعد طوفان الأقصى وبطول حرب الإبادة على غزة.

يستند المقال، المنشور بالنسخة الإنجليزية للموقع الإلكتروني للجريدة تحت عنوان:” ردود الفعل على صفقة الرهائن تسلط الضوء على توتر العلاقات الأمريكية الإسرائيلية”، إلى أن نصف الأمريكيين أصبحوا لا يؤيدون إسرائيل وفق استطلاعات رأي موثوقة، ويلاحظ جديدا باتجاهات مقالات الرأي بالنيويورك تايمز والواشنطن بوست، وتعليقات وتفاعل القراء مع الصحيفتين.

وسرعان ما انقلب القلق في الصحف العبرية المتاح الاطلاع عليها عبر ترجمات عربية أو إنجليزية لاطمئنان وثقة بدعم لامحدود فاعل يعيد تشكيل الشرق الأوسط ورسم خرائطه.  وهكذا على نحو يشبه التناقض والالتباس عند كتابات عربية عديدة، وعلى اختلاف توجهاتها ومواقفها من مقاومة الاستعمار الصهيوني.

وهكذا تتبدى قناعة بأن ترامب يقول للشيء كن فيكون، لا سمح الله.

 إنقاذ إسرائيل من إسرائيل

ونتنياهو من نتنياهو

في الاعتقاد أن رفع هذا التناقض والالتباس يتطلب الانتباه إلى تدخل ترامب لإنجاز صفقة غزة جاء من منظور انقاذ إسرائيل وجيشها واقتصادها ونتنياهو جميعا من تكاليف وأعباء كارثية لاستمرار القتال وإطلاق ما تبقى من أسرى إسرائيليين أولا، وربما أخيرا. وكأن الهدف انقاذ إسرائيل من إسرائيل ونتنياهو من نتنياهو ليس إلا.

مصداق ذلك أن الصحافة العالمية بدأت تنشر حقائق صادمة عن هذه الخسائر، التي تتجاوز 67 مليار دولار وإغلاق 60 ألف شركة، ونقلا عن مصادر موثوقة داخل إسرائيل، مع صور لإسرائيليين يهود يفتشون بصناديق القمامة عن طعام، وفي “دولة” تقوم دعايتها لجلب الوقود البشري لمشروعها الاستعماري الاستيطاني الإحلالي على الترويج لعوامل جذب مغرية واعدة بالرفاه ورغد العيش وللأفضل لليهود المستهدفين بالهجرة الصهيونية إليها.

انقاذ إسرائيل وإخراجها من ورطتها بغزة تترجمه كلمة ترامب في حفل تنصيه، حيث لم تتطرق إلى الحرب والمعاناة هناك أومجمل الصراع الفلسطيني العربي/ الصهيوني إلا من زاوية وحيدة، هي ما يسمى “تحرير الرهائن الأمريكيين والإسرائيليين” لدى حماس. وهذا مع ملاحظة حضور اثنين ممن أطلق سراحهم سابقا وممثلين عن عائلات ممن لازالوا رهن الأسر حينها، ومجموعة كبار رجال الأعمال المتحمسين للصهيونية من ممولي حملة ترامب الانتخابية.

يلاحظ كذلك أن توظيف إعادة الأسرى الإسرائيليين وفرض نوع من الهدوء ولو المؤقت على الشرق الأوسط يأتي في سياق استعراض عضلات قوة الإمبراطورية الأمريكية، وإعادتها مندمجة مع قوة الرئيس ومؤسسة الرئاسة وشخصه.

ولذا يرفع الالتباس والتناقض حول الترامبية العائدة والقضية الفلسطينية الانطلاق لفك شفرته من نقطة ارتكاز “استعراض عودة قوة الإمبراطورية” معززة بحضور ودعم كبار أصحاب المشروعات المليارديرية الكونية، والاعتقاد بأن معظم خصومها في الداخل والخارج في حالة إنهاك.

بالتالي جاء جموح “القوة الإمبراطورية” نحو إعلان التصادم ومن الأيام الأولى لولاية ترامب الثانية مع الخارج، ومن أمريكا اللاتينية إلى أوروبا وشرق آسيا، وضد حقوق الشعب الفلسطيني ووجوده.

ما العمل؟

نحن بحاجة للتفكير في أوراق ضغط تروض ترامب وتكبح جماحه، وشعارات استعادة قوة الإمبراطورية الأمريكية على حساب حقوق الشعب الفلسطيني. ويجدر الإشارة على نحو خاص إلى أفكار من قبيل:

ـ إنهاء القبول باحتكار واشنطن معالجة القضية الفلسطينية ومجمل الصراع العربي الصهيوني، والثقة في قدرتها وحدها منفردة على إنجاز التسويات. هذا الخداع والتضليل الذي بدأه الرئيس السادات خلال عقد السبعينيات، وأخذ في الاتساع والمضي بعيدا بالدوائر الرسمية العربية بفعل متغيرات إقليمية ودولية بعد التسعينيات، آن أوان العدول عنه.

ـ تعزيز التعاون والعلاقات مع إيران والصين وروسيا، ومع دول أمريكا اللاتينية وأوروبا والمنظمات الإقليمية والدولية كافة، التي يتوعدها بتهديداته. وليس صدفة أن تكون هذه المكونات في النظام الدولي الراهن نفسها متقدمة في مواقفها تجاه قضية فلسطين.

  • حملة ممتدة للمطالبة بعودة اللاجئين الفلسطينيين، والسماح بتأسيس وعمل منظمات أهلية فاعلة بدول اللجوء العربية تشتغل على هذا الحق المضمون بقرار الأمم المتحدة 194 لسنة 1948، وتستفيد من خبرات تراكمت بالمهاجر البعيدة، وتقيم شبكات تحالف بينها.
  • طرح المصالح الأمريكية في المنطقة للتساؤل والمراجعة، من أسعار البترول إلى القواعد والتسهيلات والتدريبات العسكرية. وإذا ظل العجز عن اتخاذ إجراءات، فلا يخلو من فائدة هذا الطرح ولو على المستوى غير الرسمي، والسماح بهوامش تعبير في هذا الاتجاه.

ولعل النخب الحاكمة والفئات الاجتماعية المحيطة بها والمرتبطة معها،  تدرك بأن أوضاعها هي أيضا مهددة إذا انصاعت لغطرسة القوة الإمبراطورية. وإذا لم تفتح المجال العام وأمام المجتمع المدني وقوى خارج احتكار السلطة والثروة لتمارس ضغطا معاكسا حرا له مصداقيته ضد جموح الكاوبوي الأمريكي الباحث عن الذهب والتهجير والتطبيع على حساب الهنود الحمر العرب، مستغلا غياب تنظيمات وآليات تقاومه.  وهذا يتطلب الإسراع بمصالحات كبرى تحرر الطاقات السجينة والمهدرة في مجتمعاتنا.

  • الوعي بالترابط بين توجهات ترامب الخارجية العدوانية وإزاءنا وبين ما يمارسه داخل الولايات المتحدة من سياسات تمييزيه إقصائية ستؤدي إلى ردود أفعال مضادة لا يستهان بثقلها.

لذا هناك حاجة لأن تبذل القوى الحية غير الرسمية عندنا جهودا لبناء الجسور مع هذه القوى المتضررة وتعبيراتها التنظيمية والمؤسسية للعمل معا ضد عواقب صعود قوة الإمبراطورية الغاشمة.

*

وبالطبع نحتاج للوعي بخداع مفاده أن “السوبر ترامب” عندما يقول كن فيكون، فالخرافات يصنعها الاستسلام لها.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان