لماذا نقلت إسرائيل مجازرها إلى الضفة الغربية؟

منذ معركة “طوفان الأقصى” في 7 من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وقيام الكيان المحتل بعملية إبادة جماعية للفلسطينيين في غزة، وهو يتحرش بالضفة الغربية في جنين ونابلس وطولكرم، ويجتاحها، ويقتل ويصيب العشرات يوميا. وبعد وقف إطلاق النار مع المقاومة حوّل العدو آلة القتل من غزة إلى الضفة الغربية.
ولأن الدم يبحث عن مساحة جديدة، فبعد أشهر من حرب غزة التي خلَّفت عشرات الآلاف من الضحايا الفلسطينيين، وتسببت في إدانة دولية غير مسبوقة للكيان؛ تتحول الآلة العسكرية الإسرائيلية فجأة إلى الضفة الغربية، حيث تتسع عمليات الاغتيالات والاعتقالات والهدم منذ أكتوبر 2023.
التوسع الاستيطاني.. مشروع لم يتوقف
هذا التحول يطرح أسئلة خطيرة، وأهمها هل تُعيد إسرائيل إنتاج سيناريو التهجير البطيء الذي طبقته في غزة؟ أم أن نتنياهو يحوّل الأنظار عن فشله في “طوفان الأقصى” باختراع أعداء جدد؟
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالطوفان والقيصر.. الجزيرة والانفراد.. التوثيق والتاريخ!
“سيناء” بقلم “حسن البنا”!
الأسبوعان الأكثر ضررًا في تاريخ الرئاسة الأمريكية
إن الضفة الغربية -وفق الخرائط الإسرائيلية- هي “الحديقة الخلفية” التي يجب إخلاؤها من الفلسطينيين لصالح المشروع الاستيطاني، وقد بدأت إسرائيل تسريع هذا الملف عبر زيادة وتيرة الهدم، ووفق بيانات الأمم المتحدة، هُدمت 1500 منشأة فلسطينية في الضفة خلال 2023، بذريعة “الترخيص”، في حين تُمنح تصاريح البناء للمستوطنات غير الشرعية.
والأمر الآخر هو تصعيد العنف الاستيطاني عبر مئات الهجمات المسلحة للمستوطنين ضد قرى، مثل “عراق بورين” و”ميعارا”، بحماية الجيش الإسرائيلي.
وكذلك الاستيلاء على الأراضي الزراعية من خلال إعلان مناطق عسكرية مغلقة في الأغوار التي تعد سلّة غذاء الفلسطينيين.
هذه الخطوات تؤكد أن الضفة الغربية -وليس غزة- هي الهدف الاستراتيجي الأكبر؛ لأنها الأرض الموعودة لـ”إسرائيل الكبرى”، وفق التوراة، ولن تكتمل دونها.
نتنياهو.. هروب إلى الأمام من المحاسبة
إن “طوفان الأقصى” في 7 من أكتوبر كان الصفعة التي كشفت فشل جهازَي الاستخبارات والجيش الإسرائيليين، وهدّدت بقاء نتنياهو السياسي، خاصة مع تحقيقات الفساد التي تطارده.
هنا، تبرز الضفة كورقة إنقاذ له، من خلال اختراع عدو جديد، وتصوير المقاومة في الضفة على أنها “خليّة سرطانية” مرتبطة بإيران، وحزب الله، لترويج أسطورة “الحرب الوجودية”.
والهدف الآخر هو إطالة أمد الحرب، فكلما زادت العمليات العسكرية، طال بقاء نتنياهو في الحكم تحت شعار “لا تبديل للقيادة أثناء العاصفة”. وكذلك إسكات الاحتجاج الداخلي؛ حيث إن الشارع الإسرائيلي الذي خرج غاضبا من فشل الدولة في حماية مستوطنات غلاف غزة، يُعاد توحيده عبر “العدو المشترك” في الضفة.
الجيش الإسرائيلي.. صناعة الحرب كـ”مهنة”
إن الجيش الإسرائيلي -وفق تقارير مراكز دراسات غربية- لم يعد أداة دفاعية فقط؛ بل تحوّل إلى مافيا عسكرية اقتصادية من خلال اختبار الأسلحة؛ حيث أصبحت الضفة -كما حدث في غزة- ساحة لتجربة تقنيات القتل الحديثة التي تُسوَّق لاحقا تحت شعار “جربت في ميدان المعركة”.
وكذلك التمويل غير المحدود؛ حيث إن ميزانية الجيش الإسرائيلي (24 مليار دولار سنويا) لا تُناقَش في الكنيست مطلقا، والحرب الدائمة تبرر زيادتها.
وكذلك الاستثمار في المستوطنات؛ لأن قادة الوحدات العسكرية السابقين يديرون شركات أمن خاصة؛ لحماية المستوطنات التي تدرّ أرباحا بمليارات الدولارات.
المشهد الفلسطيني.. مقاومة تتكيف وخطر التفتيت
وحاليا في الضفة، تُعيد إسرائيل إنتاج نفس كوارث غزة من خلال تدمير البنية التحتية للسلطة، وتصفية بعض عناصر أجهزة الأمن التابعة لعباس؛ لإضعاف آخر رمز للسلطة الفلسطينية، ومحاولة تغذية الانقسام، فالضفة لن تكون حماس ولا فتح؛ بل فوضى تسمح بتهجير الفلسطينيين إلى الأردن كحل أخير، ومحاولة تصدير الأزمات الداخلية؛ حيث إن البطالة في إسرائيل تصل إلى 5% وبدلا من إصلاح الاقتصاد تُحوَّل الأموال إلى الحرب.
إذن؛ فالضفة الغربية ليست محطة عابرة، بل هي جزء من استراتيجية طويلة لإحلال ديمغرافي كامل، بدعمٍ من حكومة نتنياهو الأكثر تطرفا في التاريخ؛ لكن السيناريو ينطوي على أخطار عديدة للكيان.
حيث إن تصعيد المقاومة في الضفة قد يعيد إسرائيل إلى دوامة حرب لا تُحمد عقباها، كما أن المجتمع الدولي -رغم صمته- لن يقبل بكارثة إنسانية جديدة بعد غزة.
جنين وأخواتها
إن الكيان المحتل بعدما كشفت الأحداث كان يهدف إلى حرب مدمرة في القطاع قبل معركة “طوفان الأقصى”؛ ولكن مفاجأة الطوفان جعلت منه أُضحوكة، قام على إثرها بارتكاب مذابح بشعة في قطاع غزة؛ لعله يعيد هيبته التي بعثرتها المقاومة.
وبعد مرور أكثر من 15 شهرا لم يستطع الكيان المحتل كسر المقاومة في غزة، وأجبرته على وقف إطلاق النار وفق شروطها؛ مما جعله يرتبك، ويحوّل دفته إلى الضفة، ونسي أن الضفة وجنين وأخواتهما تجاهد وتقاوم ضده منذ أول يوم في معركة “طوفان الأقصى”.
ولم تتأخر المقاومة في الضفة عن ركب المقاومة في غزة، وكبدت العدو خسائر كبيرة، كما تكبدت هي العشرات من الشهداء والأسرى في مقاومة لم تخمد يوما -حتى الآن- لتثبت أن الشعب الفلسطيني على قلب رجل واحد؛ إذا مرض عضو في غزة تداعت له جنين وأخواتها في الضفة.
ويبقى السؤال الأهم: هل تنجح إسرائيل في تحويل الضفة إلى “غزة ثانية”، أم أن شعبها سيدرك أن جدار الفصل العنصري لن يحميهم؛ بل سيدفنهم تحت أنقاض أخلاقياتهم أولا؟!