العالم في خطر مع ترامب

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال استقباله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

(1) غزة ليست للبيع

ذهب نتنياهو إلى واشنطن ليجد لدى حليفه ترامب مخرجا للعودة إلى الحرب وإبطال اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، الاتفاق الأخير يرفضه عدد من أعضاء  الحكومة المتطرفين، وقد هددوا بالانسحاب منها وهو ما قد يؤثر في استمرار الحكومة الحالية في موقعها.

ترامب لم يناقش مع نتنياهو ترتيبات اليوم التالي ولم يهتم كثيرا بما أعلنه رئيس وزراء السلطة الفلسطينية، محمد مصطفى، من تشكيل لجنة عمل لإدارة شؤون قطاع غزة دون حماس في محاولة لاستجداء موافقة إسرائيل على الاستمرار في الاتفاق حتى النهاية، وكسب دعم الغرب وتهدئة مخاوف بعض القادة العرب، وموافقة كافة الأطراف على المساهمة في إعمار القطاع المنكوب الذي يحتاج إلى سنوات عديدة لإزالة الركام والبناء.

ترامب كان لديه مخطط آخر لغزة فيما يبدو، صرح به وهو أن بلاده ستتولى السيطرة على غزة بملكية طويلة الأمد لتحويل غزة إلى منتجع سياحي ترفيهي يستقبل كل شعوب العالم بعد إفراغه من شعبه صاحب الأرض والحق التاريخي، وادّعى الكذوب كعادته أن عددا من الدول، لم يسمها، وافقت على استقبال سكان غزة ليعيشوا في بيوت جميلة بعيدا عن الصراع والحروب!

ولم ينس ترامب حليفه فهو سيسمح لإسرائيل بالاستيلاء على الضفة الغربية لتوسيع رقعتها وبهذا يحل القضية الفلسطينية بتفريغ فلسطين من الفلسطينيين!

هل يمكن أن يكون ذلك حديث رئيس دولة عظمى!! أم أنه تصريحات تليق بمستعمر فظ أو قرصان أحمق أو تاجر رقيق جشع خرج علينا من صفحات التاريخ المظلمة؟

نحن في انتظار موقف عربي موحد قوي وحازم وحاسم ضد التصريحات الترامبية المتجاوزة لكل منطق، ولقد أعلنت المملكة العربية السعودية موقفها بأن التطبيع مع الكيان الصهيوني مرهون بالبدء في مسار حل الدولتين، لكن بعد تصريح ترامب الأخير فالأمر يحتاج إلى استخدام كل ما لدى السعودية وكافة الدول العربية من أدوات ضغط، وهي تمتلك منه ما يجعل ترامب يتراجع حتى لا يخسر كل الأوراق.

كما أن الشعب الفلسطيني الرافض للتهجير الصامد على أرضه، لن يتوقف عن مقاومة هذه المشاريع المشبوهة، والعملية الاستشهادية التي قام بها فلسطيني هاجم جنودا إسرائيليين، في برج للمراقبة في موقع عسكري عند بلدة تياسير شرق جنين بالضفة الغربية المحتلة، وأدى الهجوم إلى مقتل جنديين وإصابة 8 آخرين بعضهم في حالة خطرة؛ لن تكون الأخيرة لكن بداية عودة العمليات الاستشهادية الفردية.

الشعب الفلسطيني إذا تخلّى العالم عن قضيته فهو لن يفرط في حقه.

(2) إضعاف وتخريب المؤسسات

ترامب شخصية مزعزعة للاستقرار وهو يحاول تفكيك وتخريب الوضع القائم دون التفكير مسبقا في تأسيس بديل أفضل وهو ما يؤدي إلى الفوضى بدلا من الإصلاح.

ومنذ تنصيبه رسميا وقّع عددا من القرارات التنفيذية ستؤدي إلى إضعاف دور عدد من المؤسسات الأممية نتيجة انسحاب أمريكا منها والتوقف عن تمويلها.

فلقد قرر ترامب الانسحاب من منظمة الصحة العالمية مدعيا أنها تصدر تقارير كاذبة ذات دوافع سياسية، وانسحب من مجلس حقوق الإنسان الذي ادّعى أنه معاد للسامية، وكذلك وكالة غوث اللاجئين (الأونروا) التي كانت تقدم مساعدات إنسانية في الأراضى الفلسطينية المحتلة، كما انسحب من اتفاقية باريس للمناخ غير مهتم بمستقبل الكوكب والتداعيات الخطرة لتغير المناخ لصالح زيادة علميات التنقيب عن الوقود الأحفوري في بلاده!

أما الضربة القاتلة فكانت من نصيب الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية التي تأسست عام 1961 وتضم حوالي 10 آلاف موظف وتصل ميزانيتها إلى ما يقرب من 40 مليار دولار ولديها مكاتب في أكثر من 60 دولة، وكان لها الفضل في تبييض صورة أمريكا في العالم، فلقد تم إغلاق مكتبها الرئيسي وتسريح عدد من العاملين فيها وتقليص ميزانيتها بشكل حاد وضمها إلى وزارة الخارجية، وهناك حديث عن إلغائها لتقليص النفقات.

ولقد كتب الصحفي الأمريكي كريس كونز مقالة في صحيفة واشنطن بوست بعنوان “هجوم ترامب على الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية اعتداء على سلامة الأمريكيين”، قال فيه إن تجميد ترامب للمساعدات الخارجية مدة 90 يوما يؤثر في مئات المشروعات حول العالم، ويضعف النفوذ الأمريكي، مشيرًا إلى أن المساعدات الخارجية الأمريكية تشكل واحدًا في المئة من الميزانية الفدرالية، وقال إن “هذه الأموال ليست صدقة، بل تعزز أمننا وقيمنا وتكسبنا أصدقاء”.

وأضاف أن “الخطوات المتهورة التي تتخذها إدارة ترامب كجزء من أجندتها الانعزالية تشكل خطورة على الأمريكيين والأمن القومي الأمريكي”.

ومن ناحية أخرى وبناء على أوامر ترامب بدأ ترحيل ما يقرب من 30 ألف شخص من المهاجرين غير الشرعيين إلي معتقل غوانتانامو المشبوه الذي كان مخصصًّا لاعتقال وتعذيب أعضاء تنظيم القاعدة، ودافع ترامب عن قراره بأن هؤلاء من ذوي السجل الإجرامي. وقد وصف رئيس كوبا ميغيل دياز خطة الرئيس ترامب لاحتجاز 30 ألف مهاجر في معتقل غوانتانامو، بأنها “تصرف وحشي”.

(3) قرارات خاطئة

أثار قرار ترامب بفرض رسوم جمركية على واردات كندا والمكسيك إلى أمريكا عاصفة من الردود الغاضبة في البلدين، وسارع قادتهما إلى التأكيد على المعاملة بالمثل وهذا سيؤدي إلى رفع أسعار السلع على المستهلك الأمريكي، وهو ما دعا ترامب إلى تعليق الرسوم الجمركية المفروضة على البلدين مدة شهر شريطة تعزيزهما أمن الحدود. إن تهديد ترامب لجيرانه وحلفائه لن يمر على خير سواء في الأمريكتين أو أوروبا.

أما بالنسبة لمنافسي أمريكا، فلقد فرضت الصين تعريفة جمركية بنسبة 15% على واردات الفحم والغاز المسال من أمريكا و10% على النفط والمعدات الزراعية ردًّا على قرار ترامب فرض تعريفة جمركية بنسبة 10% على الواردات الصينية، كما رفعت شكوى إلى منظمة التجارة العالمية لوقف  قرار أمريكا بفرض هذه الرسوم الجمركية الإضافية.

يعتمد ترامب في فرض مثل هذه القرارات على قوة أمريكا العسكرية في المقام الأول، وهو أمر يحوّل أمريكا من دولة عظمى إلى مجرد “بلطجي فتوة” قد يرغب العالم في التخلص منه عاجلا أم آجلا.

أضف إلى ذلك حديث ترامب عن مقايضة المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا بالمعادن النادرة التي تزخر بها أوكرانيا مثل الليثيوم والتيتانيوم، التي تدخل في الصناعات الإلكترونية. إنه حديث سمسار وليس رجل دولة يحاول أن يوقف الحرب الدائرة منذ 3 سنوات كما وعد.

استراتيجية ترامب في زعزعة المؤسسات وإضعاف الدول لتحقيق مصالح أمريكا العظمى، لا يمكن أن تؤدي إلى خير سواء لأمريكا أو العالم، بل ستسفر عن مزيد من الصراعات التي قد تنفجر عاجلا.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان