عام واحد يكفي لحسم مستقبل ترامب

ترامب يسعى لزيادة الرسوم الجمركية للتعويض عن خفض الضرائب
ترامب (رويترز)

لم تكد تمضي سوى أيام قليلة، من ولاية الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، حتى أثير الجدل في الداخل الأمريكي، والخارج أيضًا، حول القرارات التصادمية المتتالية للرجل، ومدى الدراسات التي خضعت لها قبل صدورها من عدمه، سواءً تعلقت هذه القرارات بالداخل الأمريكي، أو بالعالم الخارجي، إلى أن جاء الموقف من تصفية الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، ليزيد حدة الجدل حوله من نواحٍ عديدة وبأشكال مختلفة.

هل يعمل ترامب من أجل أمريكا قوية، أم من أجل عالم خارجي ضعيف، أم هما معًا؟ وما إذا كان يعمل من أجل الصالح العام، أم بدافع الانتقام وتصفية الحسابات؟ ما إذا كان سوف يتسبب في خسارة حلفاء أمريكا، أم أنه على يقين بأن أحداً لا يستطيع معاداة القوة العسكرية والاقتصادية الأمريكية؟ ما إذا كان سوف يستمر في سياساته الشائكة، أم أنه سوف يتراجع في منتصف الطريق؟ ثم يأتي السؤال الأهم: هل يمكن لترامب استكمال فترته الرئاسية بهذه الوتيرة العدائية بالداخل والخارج، أم أن المفاجآت أصبحت حتمية؟!

في البداية، تجدر الإشارة، إلى أن الوكالة الدولية للتنمية الدولية، أسست منذ عام 1961، في عهد الرئيس جون كينيدي، في ذروة الحرب الباردة، لمواجهة النفوذ السوفييتي، حول العالم، وحاليًا تجاوزت ميزانيتها في العام أكثر من 40 مليار دولار، تعمل في معظم دول العالم، خصوصًا الدول التي تواجه أزمات إنسانية أو تنموية، إلا أن ترامب الذي قرر أخيرًا تعليق برامجها جميعها قال (إنها تدار من قبل مجانين متطرفين)، بينما قال صديقه الملياردير، إيلون ماسك: (إنها منظمة إجرامية، مولت أبحاثًا حول الأسلحة البيولوجية)، مع الوضع في الاعتبار أن ماسك، تحت مسمى (وزارة الكفاءة الحكومية) مكلف من ترامب بمهمة خفض الإنفاق الحكومي، قبل أن يكلف بمتابعة ملف الوكالة، بهدف دمجها في وزارة الخارجية.

بيد أن السؤال الذي يطرح نفسه: هل يسعى ترامب جراء هذا الموقف إلى خفض الإنفاق بالفعل، أم إلى محاربة الفساد في الوكالة؟ التي قال إن تعليق عملها مؤقت، لمدة 90 يومًا، لحين إجراء مراجعات، لتحديد مدى اتساقها مع سياساته، أم أنه يسعى إلى مزيد من إخضاع الدول المتلقية لمساعدات الوكالة، التي تنفذ توجيهات السياسة الخارجية، من خلال وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي معًا، بما يجعل منها أداة ضغط على صناعة القرار في العديد من دول العالم، التي تأثر دعمها سلبًا أو إيجابًا بالفعل، بناءً على سياساتها الخارجية، وليس بناءً على حاجاتها للدعم من عدمه.

الدور المخابراتي لوكالة التنمية

ففي عام 1990 صوّتت جمهورية اليمن في مجلس الأمن الدولي، ضد قرار إرسال قوات دولية للحرب في العراق، فكانت النتيجة حرمان الشعب اليمني من معونات الوكالة، التي تم طردها من كوبا، بتهمة التجسس، ومن بوليفيا كذلك، وكان نشاطها معظم الوقت مخابراتيًا، يشكل ريبة وقلقًا في عدد كبير من الدول، وهو ما قد يغيب عن ترامب، ذلك أن القائمين على الوكالة أخفوا أوراقها وملفاتها عن رجال إيلون ماسك، المكلفين بمراجعتها، في الوقت الذي يتحدث فيه الديمقراطيون في مجلس الشيوخ عن ما اعتبروه (كارثة) حال توقف عمل الوكالة.

ولا يتوقف أمر مغامرات ترامب على وكالة التنمية الدولية فقط، في الوقت الذي تتسارع فيه توقيعاته على قرارات، تطال عددًا كبيرًا من الدول، جميعها صديقة، بل حليفة للولايات المتحدة، مثل المكسيك وكندا، فيما يتعلق برفع التعريفة الجمركية على الواردات، وبنما فيما يتعلق بالاستيلاء على القناة، والمكسيك أيضًا فيما يتعلق ببناء جدار عازل، وكندا أيضًا فيما يتعلق بالعزم على ضمها للولايات المتحدة كولاية جديدة، ثم جزيرة جرينلاند الدنماركية، التي من المؤكد أن يصطدم فيها القرار مع القارة الأوروبية ككل، ناهيك من اتجاه النية لصدام آخر مع القارة، يتعلق برفع الرسوم الجمركية على البضائع الواردة منها هي الأخرى، بزعم تضييق فجوة العجز في التبادل التجاري، الذي يصل إلى 300 مليون دولار، لصالح القارة العجوز.

في الوقت نفسه، لا تزال الصورة غير واضحة، فيما يتعلق بالموقف المصري-الأردني، -النهائي- حول توجيهات ترامب، باستقبال 1،5 مليون فلسطيني، من أبناء قطاع غزة، حيث صدر رفض واضح من البلدين، إلا أن ترامب أكد أكثر من مرة أنه سوف يتم تنفيذ طلبه، دون مزيد من التفاصيل في هذا الشأن، وهي القضية التي يمكن أن تثير أزمة شعبية داخلية كبيرة، نظرًا لحساسيتها التاريخية والدينية والإقليمية للبلدين، ذلك أنها من بين القضايا التي تدر التفافًا جماهيريًا كبيرًا حول القيادة السياسية في كل من القاهرة وعمان، على خلفية التضامن مع الشعب الفلسطيني والمقاومة، في مواجهة المحتل الإسرائيلي.

وإذا أضفنا إلى ما سبق، نية الرئيس الأمريكي في التصعيد مع المارد الاقتصادي والعسكري الصيني، تجاريًا وحول العالم عسكريًا، ومع الجمهورية الإسلامية الإيرانية تجاريًا وحول الملف النووي، ومع روسيا على خلفية المواجهة مع الغرب والحرب في أوكرانيا، ثم مع كوريا الشمالية ودعمها العسكري لروسيا، فإن الولايات المتحدة بشكل عام، يمكن أن تجد نفسها في صراع مع العالم، كل العالم تقريبًا، في الوقت الذي صدرت فيه بيانات متزامنة من العديد من العواصم المعنية، ترفض سياسات الرئيس الأمريكي، وترد عليها بالمثل، فيما يتعلق بالتعريفات الجمركية، أو ترد عليها بالتحدي، فيما يتعلق بالأطماع، في جرينلاند أو قناة بنما أو كندا بشكل خاص.

انتهاك الدستور الأمريكي

ولا يجب أبدًا تجاهل الداخل الأمريكي، الذي يفاجأ بممارسات يومية للرئيس الجديد، تشكل قلقًا على المستقبل هناك، جراء انتهاك الدستور والقوانين الأمريكية، بدءًا من الانتقام من خصومه، خصوصًا مكتب التحقيقات الفيدرالي “FBI”، الذي اتهمه ترامب بالفساد، هو ووزارة العدل، على حد قوله، ولم يقتصر الأمر على مجرد الاتهام، بل قام بالفعل بإقالات، للعديد ممن كانوا طرفًا في التحقيقات التي جرت معه خلال السنوات الأربع الماضية، والإدانات التي وجهت إليه، في مقدمتهم المدعي العام الفيدرالي في مانهاتن، الذي قام بالتحقيق مع مقربين منه، إضافة إلى فصل أكثر من عشرة مدعين بوزارة العدل، عملوا على ملاحقة ترامب شخصيًا في السنوات الأخيرة.

وتتلاحق قرارات ترامب، بعد الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، إلى الخروج من منظمة الصحة العالمية، ومن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ومن تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين “الأونروا”، فيما يعد انقلابًا واضحًا وتمردًا على المجتمع الدولي، مع الوضع في الاعتبار، الاتهامات الإسرائيلية الموجهة طوال الوقت لكل من مجلس حقوق الإنسان ووكالة “الأونروا”، بالتعاطف مع الشعب الفلسطيني، وهو ما يشير إلى الانحياز الأعمى واللامحدود من قبل الإدارة الأمريكية، للصهيونية العالمية، ممثلة في الممارسات النازية الإسرائيلية بالمنطقة، والاحتلال البغيض للأراضي العربية.

هذه القضايا كلها وغيرها، تطرح السؤال المهم: هل يمكن أن تستمر هذه السياسات طويلًا؟ وهل يمكن أن يستمر ترامب نفسه في سدة الحكم بهذه الوتيرة؟ وما هي السيناريوهات المتوقعة للمستقبل؟ هذا ما سوف يجيب عنه العام الأول من حكم ترامب، ذلك أن عامًا واحدًا قد يكون ثقيلًا على الداخل الأمريكي والعالم الخارجي في آن واحد، بما يحتم التقاء المصالح!!

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان