تسليم القسام للأسرى.. لماذا السهم الأحمر واليوم التالي؟

تسليم الأسرى الإسرائيليين في حضور ممثلين عن الصليب الأحمر (رويترز)

جاءت مراسم تسليم الأسرى الإسرائيليين الثلاثة (أور ليفي، وأوهاد بن عامي، وإلياهو شرابي) في غزة للصليب الأحمر الدولي؛ صباح السبت؛ صادمة ومروعة لقادة دولة الاحتلال وجيشها. وهو ما دفع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى وصف المشهد بـ”الفظيع”، متوعدًا بأنه لن يمر مرور الكرام. أجادت كتائب عز الدين القسام (الجناح العسكري لحماس) توظيف المراسم (بمنطقة دير البلح) وتحميلها برسائل هادفة، قاطعة الدلالة، لدولة الاحتلال وقادتها وجيشها وشعبها، لتكون، بمثابة هجمات سياسية ونفسية ضاربة لمعنويات “الكيان الصهيوني” كاشفة لتهاوي رواياته وأكاذيبه، حتى إن وسائل إعلام عبرية وصفت هذه المراسم بالعار.

السبت.. والعقيدة اليهودية

من حيث الشكل، فـ”تبادل الأسرى” يتم أيام “السبت” من كل أسبوع، وهو يوم للراحة والعبادة في عقيدة اليهود، بما يتيح للإسرائيليين في بيوتهم، الفرصة لمتابعة مراسم التسليم لأسراهم في غزة، ومشاهدتها في الحال على الفضائيات التي تبث مُباشرة كل شاردة وواردة من مكان التسليم. كما أن تواجد عناصر كتائب القسام، بأسلحتهم الفردية، كان أكثر كثافة وعددًا، وحولهم الكثير من أهالي غزة، بما يعكس سلامة الحاضنة الشعبية، وتلاحمها مع المقاومة. نأتي إلى عملية تسليم الأسرى الثلاثة، وما تحويه الصور والمشاهد من رسائل ودلالات. ففي الخلفية على المنصة الرئيسية، وعلى مكان ظاهر، بجوار المنصة الرئيسية، لافتة عليها صورة لنتنياهو، تعلوها كلمته الشهيرة طوال فترة الحرب (15 شهرًا)، وهي “النصر المطلق”. كما حوت اللافتة، “السهم الأحمر” الشهير الذي اعتادت كتائب القسام استخدامه للإشارة إلى الهدف، في مقاطع الفيديو التسجيلية لعملياتها ضد جنود الاحتلال وآلياته.

تظاهرات عائلات الأسرى

غني عن البيان أنها رسالة لكسر معنويات قادة جيش الاحتلال. كما تنطوي على سُخرية من “نتنياهو” الذي دأب على التغني بـ”النصر المطلق”، الذي لم يستطع مع جيشه، الوصول إليه أو تحقيقه. وها هو يتسلم أسراه من القسام، بواسطة الصليب الأحمر. هذه الرسالة آتت أكلها سريعًا لدى الجمهور الإسرائيلي، فخرجت التظاهرات للإسرائيليين، وعائلات الأسرى، للمناداة بالاستمرار في الصفقة، لاستعادة جميع الأسرى، بعدما تأكد استحالة تحريرهم بالقوة. ظهور “السهم الأحمر” بدوره في البانر أو اللافتة، يعني تذكيرًا لجنود الاحتلال، وقادته، واسترجاعا لعمليات قنص رفاقهم في غزة، وتفجير الدبابات والآليات بهم، وفي هذا تحطيم لمعنوياتهم وتحذير مُبطن من تكرار العدوان على غزة، فهي لا تُكسر أبدًا.

الطوفان.. واليوم التالي

خلفية المنصة، جرى تزيينها بلافتة كبيرة، مكتوب عليها: “نحن الطوفان.. نحن اليوم التالي” باللغات العربية، والإنجليزية، والعبرية. الرسالة هنا، في الشق الأول (نحن الطوفان)، ظاهرة الدلالة، بأن المقاومة التي نفذت “طوفان الأقصى”، ما تزال حاضرة وبخير وفي كامل لياقتها وجاهزيتها دومًا للدفاع عن القطاع ضد أي عدوان. والمعنى ذاته، موجه للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ردًا على الفكرة المجنونة التي طرحها بتهجير الفلسطينيين من غزة وتحويلها إلى منتجع على شاكلة الريفيرا. الشق الثاني من العبارة (نحن اليوم التالي) يحوي رسالة قاسية لنتنياهو وداعميه، أمثال ترامب، فعلى الرغم من إعلان حماس عدم تمسكها بحكم القطاع، إلا أنها تتمسك بأنها صاحبة اليوم التالي، لكن هذا لا يمنع أن يكون فلسطينيًا خالصًا. وأن غزة لأصحابها ومواطنيها، وليس لإسرائيل ولا حتى أمريكا.

نتنياهو.. والسلطة الفلسطينية.

ذلك، أن قادة الولايات المتحدة، وإسرائيل، ظلوا طوال الحرب يتحدثون عن اليوم التالي، وأنه لا بد من تجريد حماس من السلاح، وإبعادها، ومقاتليها، وترحيلهم عن القطاع، وطُرحت الكثير من الأفكار والاقتراحات لإدارة القطاع في اليوم التالي. بل، إن نتنياهو رفض بشكل قطعي أن تحل السلطة الفلسطينية محل حماس في حكم القطاع. هذا، رغم أن هذه السلطة تتماهي مع الاحتلال وتكاد تكون مجرد شُرطي، يبذل الجهد والنشاط، إرضاء للاحتلال وتنفيذًا لرغباته، ولصالحه. كما أن الأحلام راودت نتنياهو لاحتلال القطاع وحكمه عسكريًا.. إلا أنه وجيشه فشلا في تحقيق هذا الهدف، مثلما تحول النصر المُطلق إلى سراب، وسحق حماس، إلى توقيع اتفاق معها لوقف إطلاق النار، وتسلم الأسرى من جناحها العسكري (كتائب القسام).

المركبات البيضاء.. وغلاف غزة

يتساند مع هذه الرسائل، ويدعمها، أن كتائب القسام، كانت قد قامت بعرض عسكري، في اللحظات التالية لوقف إطلاق النار، وأظهرت سيطرة تامة وتحكُما وانضباطًا بمراسم عمليات التسليم السابقة للأسرى الإسرائيليين. وتبين أن الكوادر المدنية لحركة حماس هي الأخرى باشرت أعمالها في تسيير شؤون سكان القطاع وإعالتهم، مثلما كانت تؤدي دورها تحت القصف، رغم كل الصعوبات التي أوجدها العدوان الإسرائيلي الغاشم. هذا كله، عدا الظهور المتكرر للمركبات البيضاء التي يعتليها مقاتلو القسام، في كل استعراض عسكري وكل عملية تسليم للأسرى، وهي ذاتها المركبات التي غنمتها كتائب القسام من غلاف غزة. وهذا يعني بالبداهة، تحذير للإسرائيليين، قادة وجمهورًا، بألا ينسوا طوفان الأقصى، والذي أظهر هشاشة المنعة الإسرائيلية المزعومة، وسقوط نظرية الردع المُدعاة إسرائيليًا.

الجنائية الدولية.. واعتقال نتنياهو وغالانت

بقي المأخذ على حركة حماس، في الدعاية الإسرائيلية، بشأن هُزال، الحالة الجسمانية للأسرى الثلاثة الذين جرى تسليمهم، فهي المرة الوحيدة التي بدا فيها أسرى إسرائيليون بحالة ليست جيدة، فالثابت أن الكيان الصهيوني، مارس سياسة التجويع والتعطيش والحرمان من الأدوية، إلى جانب القصف الهمجي الذي مارسه على قطاع غزة، طوال أيام الحرب. وهذه الممارسات هي ذاتها كانت حيثيات قرار المحكمة الجنائية الدولية، باعتقال نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت. ناهيك عن حالة الاسرى الفلسطينيين، الذين يخرجون محطمون صحيًا من التجويع والتعذيب.

كأن كتائب القسام في استحضارها “النصر المُطلق لنتنياهو” والسهم الأحمر والطوفان واليوم التالي تقول للكيان الصهيوني وداعميه المثل الشعبي المعروف: “إن كنتوا نسيتوا اللى جرى.. هاتوا الدفاتر تنقرا”.

المجد لفلسطين والمقاومة.

المصدر : الجزبرة مباشر

إعلان