نقابة الصحفيين بمصر: انتخابات الأجر والحرية

اليوم مشهد جديد في شارع عبد الخالق ثروت بمدينة القاهرة.
مع بداية اليوم الأحد يذهب مرشحو نقابة الصحفيين المصريين لتقديم أوراقهم لخوض انتخابات التجديد النصفي لمجلس النقابة.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsكيف تخسر إسرائيل من التمييز ضد العرب؟
التضليل الإعلامي يقود سوريا إلى الفتنة الطائفية
سوريا من النافذة التونسية.. سلموا السلطة لغيركم!
نقيب وستة أعضاء بمجلس النقابة يختارهم أعضاء الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين في الانتخابات التي بدأت رسميًا اليوم، وتستمر حتى الأسبوع الثالث من شهر مارس ميعاد التصويت.
لانتخابات الصحفيين في مصر طعم مختلف عن باقي النقابات المهنية، ربما لأنها نقابة تعبر عن أصحاب الرأي، والمدافعين عن الحريات، وتتنوع فيها خلفيات المرشحين السياسية والفكرية والنقابية.
تنافس انتخابي جديد وساخن يدور بداية من اليوم في شارع عبد الخالق ثروت حيث مقر النقابة العريقة، وتكون المؤسسات الصحفية ملعبه الرئيسي والمهم.
قيمة النقابة في المجتمع
نقابة الصحفيين المصرية هي واحدة من أعرق وأهم الكيانات المهنية في مصر.
بفهم واسع من النقابيين المصريين لدور ورسالة مهنة الصحافة تجاوز دور النقابة العريقة تنظيم العمل الصحفي، ليصل لكونها حائط الصد الأول في الدفاع عن حرية الصحافة وحقوق الصحفيين وحرية الرأي والتعبير.
منذ تأسيسها، ارتبطت النقابة بمفاهيم الحرية والكرامة المهنية، وكانت دائمًا ساحة للنضال من أجل تحسين أوضاع الصحفيين، ومواجهة التحديات السياسية والاجتماعية التي تؤثر على المهنة، والمؤسسة التي تحمي كرامة العاملين بالمهنة وتسعى لتوفير حياة كريمة لهم.
بالتمسك بدورها الوطني المهم الذي لعبته نقابة الصحفيين في مختلف العصور، ومع الأنظمة السياسية المختلفة اختارت ألا تكون مجرد مؤسسة تهتم بتقديم خدمات مادية أو مهنية وتدريبية لأعضائها، بل أضحت صوت الصحفيين وأصحاب الرأي في الدفاع عن قضايا حرية التعبير والوصول إلى المعلومات.
مع التحولات السياسية التي شهدتها مصر في السنوات الأخيرة، والتراجع الكبير في المساحات المتاحة للعمل العام تزايدت أهمية النقابة كمنبر يعكس هموم المهنة وأزماتها، ويدافع عن هامش أوسع للحريات الصحفية والإعلامية.
انتخابات النقابة ليست مجرد استحقاق مهني، لذلك تبدو المعركة الانتخابية المقبلة لحظة حاسمة وفارقة في تحديد مسار العمل النقابي والصحفي في مصر، واختيار الطريق الذي سيرسم مستقبل الصحافة لسنوات قادمة.
إنجازات مجلس خالد البلشي
خلال الدورة الحالية، قدم مجلس النقابة تحت رئاسة النقيب المستقل خالد البلشي نموذجًا مميزًا في الإدارة والنضال من أجل حقوق الصحفيين.
البلشي ممثل تيار الاستقلال النقابي، والمعروف بمواقفه الداعمة للحريات، تمكن من تحقيق عدد من الإنجازات رغم التحديات الكبيرة التي واجهها مجلسه والصعوبات الكبيرة التي تواجه مهنة البحث عن الحقيقة بشكل عام.
استطاع مجلس البلشي أن يحسن بشكل جيد من علاقات العمل داخل المؤسسات الصحفية، وأعاد للنقابة بريقها كأحد أهم مؤسسات المجتمع المدني في مصر، ونجح في فتح ملف الحريات الصحفية المغلق منذ سنوات، وتم الإفراج عن عدد من الصحفيين المحبوسين على ذمة قضايا النشر والرأي، وعاد للنقابة دورها في القضايا الوطنية والقومية الكبرى، كالقضية الفلسطينية ورفض التطبيع مع الاحتلال الصهيوني والدفاع عن حرية الرأي والفكر، فضلًا عن نجاح تحقق في قضايا مثل الإسكان والعلاج، وقبل كل هذا وبعده عادت النقابة مفتوحة لكل أعضائها، بعد أن ظلت لعدة سنوات مغلقة لدرجة غياب المقاعد عنها، و”تكفين” واجهتها بشكل أساء للمؤسسة المهمة وأثار غضب الغالبية العظمى من أبنائها.
دبت الروح في “الصحفيين” مرة أخرى وامتلأت قاعاتها بالأنشطة النقابية والثقافية والفنية.
اختتم مجلس البلشي عام 2024 بالمؤتمر السادس للصحفيين، شارك فيه الآلاف من العاملين بالمهنة، وناقش على مدى يومين كل قضايا وأزمات الصحافة، وطرح حلولًا جديدة ومختلفة، ورسم خريطة طريق لأي مجلس قادم.
ورث مجلس النقابة الحالي تركة صعبة ومحملة بالأعباء، لذلك فإن الطريق لا يزال طويلًا في قضايا تحتاج إلى دور نقابي جاد.
ومع ذلك يبقى مجلس البلشي علامة فارقة في تاريخ النقابة بقدرته على تحقيق نجاح كبير وإنجازات ملموسة.
بقدرة المجلس القادم على فتح ملف الأجور المتردية ومستويات المعيشة المتراجعة بالنسبة للغالبية العظمى من الصحفيين، ثم الدفاع عن هامش أوسع لحرية الصحافة، وصنع نقلة مهمة في ملفات التدريب والعلاج والتشريعات وغيرها تنتقل المهنة والعاملون فيها خطوات حقيقية وضرورية ومطلوبة إلى الأمام.
هنا ستدور البرامج الانتخابية لمرشحي الانتخابات المقبلة.
فهموم الصحفيين معروفة وقضاياهم ليست خافية على من يخوضون الانتخابات المقبلة، ولكن يبقى تقديم الحلول المبدعة والمختلفة لأزمات الصحافة هو الفيصل في اختيارات الجمعية العمومية.
فرص تيار الاستقلال
الانتخابات، التي تبدأ اليوم الأحد، تأتي في سياق مليء بالتحديات السياسية والمهنية، والتنافس بين التيارات داخل النقابة يعكس تنوعًا حول رؤية العمل النقابي ومستقبله والمهنة وتطورها.
تيار الاستقلال، الذي مثّله خالد البلشي في الدورة السابقة نقيبًا، يسعى لاستكمال مشروعه الذي يعتمد على الدفاع عن حرية الصحافة وتحسين أوضاع الصحفيين المعيشية، والخلاص من علاقات العمل الظالمة والمشوهة وإكمال تجربة النقيب المستقل التي ما زالت تحظى برضا الغالبية من الصحفيين.
حتى الآن فإن فرص تيار الاستقلال النقابي تبدو قوية، على مستوى النقيب والعضوية، خاصة مع الرضا العام عن أداء المجلس الحالي، لكن مع ذلك فإن المنافسة لن تكون سهلة.
البعض يطرح اسم عبد المحسن سلامة نقيب الصحفيين الأسبق ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام السابق مرشحًا على مقعد النقيب، وهو ما سيزيد من سخونة المعركة الانتخابية ويضفي عليها طابعًا تنافسيًا رغم تفوق البلشي الظاهر.
سلامة يراهن على خطاب مختلف، يركز أكثر على الخدمات المباشرة للصحفيين.
بالحراك الإيجابي الذي أحدثه البلشي ومجلسه خلال السنتين الماضيتين تعززت فرص تيار الاستقلال في الاحتفاظ بحظوظ قوية في الانتخابات المقبلة.
الدعم الذي يحظى به التيار حتى الآن لا سيما من شباب الصحفيين، الذين يميلون للاهتمام بقضايا حرية الصحافة واستقلال النقابة، يشكل نقطة قوة في مواجهة التيارات الأخرى التي تطرح نفسها باعتبارها قريبة من السلطة.
المؤكد أن انتخابات نقابة الصحفيين ليست مجرد حدث عابر، بل هي اختبار حقيقي لقدرة النقابة على مواصلة دورها كحامية للصحفيين، ومدافعة عن حرية الكلمة، وقادرة على تحسين الحياة المعيشية للآلاف من أصحاب مهنة القلم.
فنتائجها ستحدد ليس فقط القيادة المقبلة، بل أيضًا المسار الذي ستتبناه النقابة في مواجهة التحديات، وهي كثيرة ومتنوعة وتحتاج للجهد والعمل والتفرغ.