هزيمة التمرد في الساحل السوري رسالة ردع

أحمد الشرع (الفرنسية)

تكشف تطورات المواجهة المسلحة في مدن الساحل السوري أن بعض الأقليات الطائفية تميل إلى الخيانة والتحالف مع القوى الخارجية طمعا في تحقيق المكاسب الضيقة، حتى لو كان ذلك بتخريب الأوطان، فبعض زعماء الطائفة العلوية التي تحكم منذ أكثر من نصف قرن وارتكبت المذابح ضد الأغلبية السورية يرفض الاستسلام للواقع الجديد، وردّ على التسامح والعفو بالغدر والتمرد.

عندما انهار جيش بشار الأسد والميليشيات الإيرانية التي كانت تحميه أمام كتائب الثورة السورية حرص أحمد الشرع والقادة الجدد على منع الانتقام والثأر، وأعطوا الأمان لكل الطوائف، خاصة لأنصار النظام السابق، وفتحت الحكومة الباب للتسوية ونزع الأسلحة للحفاظ على وحدة الدولة، ومنعت سفك الدماء وفرضت الحماية على المدن.

كان واضحا أن قادة الطوائف لم يرحبوا بالتغيير وفتح صفحة جديدة لبناء الدولة، وأظهروا الإصرار على التمرد معتمدين على الدعم الخارجي، فالميليشيات الكردية والإدارة الذاتية “قسد” التي أسسها الأمريكيون واصلت الجرائم ضد الأغلبية العربية السنية في شرق الفرات، ورفضت الاندماج مع دمشق، وطالبت مشيخة الدروز في السويداء بالفدرالية واحتمت بالإسرائيليين، ورفض وجهاء العلويون منذ اليوم الأول الاستسلام وتعاملوا بكبر وعنهجية وكأنهم في السلطة.

تسامح الشرع مع الطوائف

صبر أحمد الشرع على العصيان، وفضل حل الخلافات بالتفاوض وليس بالحسم العسكري، ولم يبال بالانتقادات من بعض قادة الفصائل الذين يريدون الثأر وملاحقة كل الشبيحة الذين ارتكبوا الجرائم في العهد السابق، وقدم مبادرات لطمأنة الطوائف، وكرر في خطبه أن الدولة الجديدة لكل السوريين، وقرر حل كل الفصائل العسكرية ودمجها في الجيش السوري، لكن يبدو أن التأثير الخارجي التخريبي في الطوائف كان هو الأقوى.

أعلن الإسرائيليون الذين يتوغلون في جنوب غرب سوريا حماية الدروز، وأعلن الأمريكيون والإسرائيليون حماية الأكراد، وظلت إيران تحرض العلويين في الساحل طمعا في العودة مرة أخرى، وما زال الروس في قاعدة حميميم وطرطوس يرحبون بالقلاقل ويتمنون -في الإعلام الروسي- عدم الاستقرار ليكون في يدهم ورقة يلعبون بها كي يبقوا في سوريا.

كانت الطوائف المسيحية هي الأكثر تعاونا مع الإدارة الجديدة، فلم تصدر منها شكاوى كالتي يفتعلها قادة الأقليات المتمردة، وعندما روج الإعلام المعادي فيديو لأحد القساوسة يردد مزاعم عن تعرض المسيحيين في الساحل لاعتداءات خرجت الكنائس ببيان جماعي نفت فيه هذه المزاعم وأعلنت احترامها للسلطة الجديدة.

فشل مخطط الفلول

لم يحقق منظمو التمرد في الساحل أهدافهم في هزيمة الحكم وإشعال الحرب الأهلية وتهيئة المنطقة للانفصال على أساس طائفي، فالقدرة العسكرية لوزارة الدفاع السورية التي استجابت بسرعة للتحدي وحشدت عشرات الآلاف في وقت قصير أفشلت الهجوم، وقد ثبت أن الفلول لم يعد لهم حاضنة شعبية واسعة وسط العلويين، كما أن أغلبية السكان في معظم مدن الساحل من العرب السنة الذين يساندون حكومة الشرع.

لقد ارتكب مسلحو فلول النظام البائد المذابح ضد قوات الأمن العام والشرطة في أكثر من 17 نقطة في وقت متزامن ودفنوا الجنود القتلى في مقابر جماعية كما كانوا يفعلون من قبل، وهاجموا المستشفيات وقتلوا المرضى على الهوية، وفتحوا النار على السيارات المدنية خاصة التي عليها أرقام إدلب، وأشارت تقارير إلى أنهم قتلوا علويين رفضوا الاستجابة لهم.

بسبب الغضب والرد على الفظائع التي ارتكبتها ميليشيات الفلول نسبت إلى بعض القوات الأمنية ممارسات سلبية أثناء القبض على المجرمين، لكن السلطات تبرأت من أي خروج على القانون ومخالفة التعليمات، وقرر أحمد الشرع تشكيل لجنة تحقيق لمحاسبة المدانين، لكن حملات التشوية على مواقع التواصل كانت عنيفة حيث تم استخدام صور ومشاهد من أماكن أخرى وفي أوقات سابقة للنظام السابق والزعم بأنها جرائم ضد العلويين!

التآمر الدولي

منذ هروب بشار حاولت الدول الغربية التدخل في العملية الانتقالية وفرض وصاية على الحكم الجديد، والضغط لتقسيم السلطة بين الطوائف بنظام المحاصّة، واستخدمت موضوع رفع العقوبات للابتزاز، لكن مساندة الأتراك والقطريين والسعوديين ساهمت في تخفيف حدة هذه الضغوط، والآن بعد هجمات الساحل تحاول الدول الغربية توظيف بعض الوقائع للضغط على دمشق بمزاعم حماية الأقليات.

أعداء سوريا ظنوا أن ما حدث في الساحل يضعف حكومة الشرع ويشيع حالة من عدم الاستقرار تكون ذريعة للدول الغربية للتدخل، لكن الذي حدث العكس؛ فالحكومة السورية وجدت الفرصة التي كانت تنتظرها لدخول مناطق لم تستطع دخولها منذ ثلاثة أشهر وحسم معركة متوقعة بما يردع ويخيف من يفكر في تكرار المحاولة.

كان المتطرفون العلويون يحرضون على الاحتجاجات واستعراض القوة لتكون لهم كلمة في المرحلة الانتقالية ولكنهم فشلوا، واستعدوا في السر لتكرار نموذج شرق الفرات، ويدعمهم الإيرانيون الذين لم يخفوا دعمهم لإسقاط الشرع، وهناك تصريحات معلنة للقادة الإيرانيين عن سعيهم لإسقاط الحكم السوري، فهم لم يستطيعوا نسيان هزيمتهم وخروجهم، لكن لم يعد ممكنا للإيرانيين التدخل عسكريا.

كانت فلول الأسد تراهن على الدعم العسكري الروسي، وطالبوا بالحماية الروسية، لكن لا يستطيع الروس إعلان هذه المساندة حتى لا يخسروا كل شيء، وكان يمكنهم التدخل إذا صمد التمرد عدة أيام لكن هذا لم يحدث بعد الهجوم العسكري الكاسح من قوات الحكومة السورية وفرض الأمن خلال ساعات وتحييد الخارجين على الدولة.

نجاح الحكم السوري في القضاء على التمرد وفرض هيبة الدولة لا يعني انتهاء المؤامرات، وإنما رسالة ردع إلى باقي الطوائف المتمردة؛ فأعداء سوريا الخارجيين سيواصلون البحث عن أي ثغرة لعرقلة نهوض سوريا، ولمنع حكومة أحمد الشرع من التقاط الأنفاس والانطلاق لبناء الدولة الجديدة التي ستكون إضافة هامة إلى قوة العالم الإسلامي.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان